مساحة حرة

هستيريا حكام الرياض وأنقرة وحرابهم المكسورة

صدم محور الإرهاب السعودي- التركي- القطري صدمة مروعة وغير مسبوقة من جراء الانكسارات والانهيارات الأخيرة لأدواتهم في الشمال السوري، وكان رعاة الإرهاب والإرهابيين قد صمتوا مجبرين على هزائمهم في أرياف اللاذقية، وقبلوا على مضض إرسال ممثليهم أو ما سمي «معارضة الرياض» للمشاركة في «جنيف 3» ولكنهم فقدوا أعصابهم بعد الانتصارات الساحقة للجيش العربي السوري وحلفائه في ريف حلب الشمالي الغربي وطلبوا من وفدهم العودة من جنيف على عجل  حاملا حقائب خاوية وإخفاقات سياسية ودبلوماسية مدوية وأمامه هزائم بالجملة على مختلف جبهات القتال وليست آخرها جبهة الشمال التي أدت إلى فك الحصار عن بلدتي  نبل والزهراء وقطع طريق الإمداد الرئيس القادم من تركيا لعموم العصابات الإرهابية في حلب وما حولها.

هستيريا المحور السعودي –التركي-القطري بسبب ما جرى من هزائم لأدواته الإرهابية على الأرض جاءت فارغة وبلا جدوى إذ لم يكن في يده من أدوات الرد سوى الحرد من «جنيف 3» والهروب من طاولة المحادثات وعودة وفدهم السريعة  إلى أحضان مشغليه في عواصم المحور الإرهابي،  وهذا  في حد ذاته هزيمة سياسية ودبلوماسية كبيرة لا تعوضها هذه الجعجعة الفارغة ونبرة التصعيد الإعلامية والمطالبات الكاذبة بما يسمونه «رفع الحصار» أو إيصال المساعدات الإنسانية أو وقف اطلاق النار.

بالنسبة للسعودية التي هاجت وماجت حزناً على هزيمة إرهابييها النكراء في شمال سورية، وعلى فشل وفدها في «جنيف 3» وأدائه البائس خرجت بموقف أقل ما يقال فيه إنه مدعاة للسخرية عندما أعلنت أنها مستعدة «لإرسال قوات برية إلى  سورية» بذريعة ضرب تنظيم «داعش» ولكنها تقصد ضمناً مواجهة الجيش العربي السوري وحلفائه وخاصة روسيا انتقاماً لاندحار عصاباتها ووجه المسخرة هنا أن السعودية التي أفلست في حربها البرية والجوية وحتى البحرية على جارتها القريبة والفقيرة اليمن وفشلت بعد ما يقارب العام عن تحقيق أهداف العدوان تتبجح باستعدادها «لشن حرب» أخرى في سورية وتريدها «برية» وهي التي عجزت قواتها عن الدخول البري في اليمن.

والمسخرة الأكبر أن السعودية تريد هذا الذي تسميه «التدخل العسكري البري» في سورية  ضمن «التحالف الدولي» وتعرف أن كل «تحالفاتها» لم تحصد سوى الفشل فها هو «التحالف» الذي قادته ضد اليمن، قد قارب حدود الإفلاس ولم يستطع تغيير المعطيات على الأرض، و عجز عن تغييب حقّ الشعب اليمني في تقرير مستقبله، كما إن  «التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب» في سورية قد فضح دور أميركا والغرب وبعض دول الخليج في المحاربة بـ «داعش» وليس الحرب عليه، وانفرط لاحقاً عقد «القوة العربية المشتركة» من قبل أن تتأسَّس، وتلا ذلك، «التحالف الإسلامي» العسكري الهش الذي لم يرَ النور، ثم الحلف الاستراتيجي بين السعودية وتركيا الذي ولد ميتاً، إلى أن عُقِد مؤخراً مؤتمر دول مجلس التعاون الخليجي وبرزت خلاله الانقسامات حيال الموقف من إيران، ومؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي انتهى كما العادة بمقررات ورقية لا قيمة سياسية ولا استراتيجية لها، لأن بعض دول الخليج ومعظم الدول العربية تُدرك، أن كل ما تحاول السعودية فعله هو الالتفاف على إيران في جميع الملفات الإقليمية، ما يُهدِّد المنطقة بالمزيد من التوتر.

وبالنسبة لتركيا في ظل سياسة أردوغان الحمقاء فإنها تحاول الرد عن طريق مواصلة الاستفزاز لروسيا، فمن إسقاط الطائرة الـ«سوخوي 24» شمال اللاذقية، إلى فبركة «اختراق» المقاتلات الروسية للأجواء التركية، وبعد الضربة القاصمة بفك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء وقطع خطوط الإمداد التركية عمدت حكومة أنقرة إلى الانتقال من الاستفزاز إلى التصعيد العسكري ولكن روسيا كشفت فوراً تحركات الجيش التركي التي حاول إخفاءها على الحدود مع سورية فهل تجرؤ حكومة «العدالة والتنمية» على التصعيد أكثر وارتكاب أعمال عدوانية في سورية وهي تعلم أن مواجهتها مع روسيا ستكون حتمية وهل لديها القدرة على تحمل تبعات هذه الحماقة ؟؟

لقد اكتفت روسيا إلى الآن بفرض عقوبات اقتصادية ضد تركيا ، فهذه العقوبات ليست هدفا في حد ذاتها، وإنما هي تحذير ليس فقط من ارتكاب حماقة جديدة ضد روسيا، سواء في سورية  أو في جمهورية القرم الروسية، أو إظهار عضلات وهمية في البحر الأسود، لكن يبدو أن النظام التركي يفضل الطرق الملتوية والطويلة عبر وسائل الإعلام وإطلاق التصريحات الرنانة التي تثير لعاب الصحافة الصفراء وتشبع عنتريات أردوغان وغروره الفارغ.

إن التحرك العسكري التركي إذا ما وصل إلى حد «العدوان المباشر واجتياز الحدود السورية» فسوف يقود النظام الحاكم في أنقرة إلى التورط في أتون حرب خاسرة في مواجهة روسيا وسورية وحلفائهما لا محالة لأسباب عدة منها:

– لا موازاة في القوة والقدرات العسكرية بين روسيا وحاكم أنقرة وإذا ما ركب أردوغان رأسه وقرر ارتكاب حماقة عدوانية مباشرة في سورية فسيكون قد قرر الانتحار وأي تصعيد عسكري ضد موسكو لن يخرج منه أردوغان سالماً، هذا إذا تجرأ على ذلك أصلاً، لأن روسيا ببساطة  تجاوزت  التطور العسكري التقني منذ القرن التاسع عشر، ووصلت الآن إلى تطور نوعي في المجالات العسكرية التقنية التي تتفوق فيها على تركيا بعشرات المرات وتالياً، من المضحك أن يتحدث أحد عن «تصعيد عسكري» تركي أو «حرب تشنها تركيا على روسيا».

– لن تخوض واشنطن حرباً مع روسيا كرمى عيون أردوغان وحماقاته وهي ليست في وارد إشعال حرب عالمية ثالثة من أجل كيديات وأحقاد حكام الرياض وأنقرة ولا توجد أي ضمانات بأن يتدخل الـ«ناتو» أو الولايات المتحدة في أي صدام مباشر بين تركيا وروسيا، لأن هذا يعني حرباً عالمية ثالثة، وهي ليست مطروحة على أجندة روسيا ولا على أجندة الـ«ناتو» والولايات المتحدة. وتالياً، لا يمكن أن تغامر أنقرة باستفزاز موسكو إلى الحد الذي يؤدي إلى مواجهات عسكرية مباشرة بينهما إن كل ما يمكن أن تفعله تركيا الأردوغانية هو أن تطلق تصريحات مثيرة للسخرية بشأن الأزمة الأوكرانية، أو أن تقوم بتمويل تتار شبه جزيرة القرم، أو تسمح بمرور المخدرات الأفغانية عبر أراضيها، أو تقوم بزيادة تمويل ودعم التنظيمات الإرهابية عبر عمليات التجارة بالنفط المنهوب مع «داعش» وغيره من تنظيمات إرهابية.

– إن دور أنقرة، في دعم الإرهاب، إلى جانب قطر والسعودية، بإشراف أمريكي، قد انفضح عالمياً، وقد رفعت العديد من الجهات شعار «تجفيف منابع التمويل»، حيث عدت أن المواجهة العسكرية وحدها لا تكفي للقضاء على «داعش»، وعلى الجماعات الإرهابية الأخرى، مادام هناك من يواصل تمويلها، ما يمكنّها من شراء السلاح واستقطاب مزيد من الإرهابيين، وتأدية أجورهم، فالعالم كله بات يعرف أن تركيا تشتري النفط المنهوب من «داعش» بعشرة دولارات للبرميل، وتبيعه بخمسين دولاراً، وتضرب بذلك عصفورين بحجر، فهي من جهة، تستفيد من الأرباح التي تجنيها من هذه التجارة غير المشروعة، ومن جهة أخرى، تسمح بتمويل التنظيم الإرهابي.

اللعبة السعودية التركية القطرية وصلت إلى نهايتها  في سورية والخيارات السياسية والعسكرية أمام حكام محور الإرهاب الثلاثي أصبحت محدودة بعد قراري مجلس الأمن الدولي 2253 و2254 وبعد التقدم الميداني الكبير للدولة السورية وحلفائها ومطرقة رجال الجيش العربي السوري والمقاومة والمطرقة الجوية الروسية بالمرصاد لأي حماقة قد يقدم عليها أردوغان أو حكام بني سعود وآل ثاني من تصعيد عسكري أو «تدخل بري» وسيكون هؤلاء واهمين جداً إذا ظنوا  أن في إمكانهم بعد الآن  تغيير موازين القوى على الأرض وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.