Uncategorized

في المشهد السوري: مساحات الأمل؟

د خلف المفتاح

 ثلاث سنوات مرت على بداية الاحداث في سورية والتي تحولت الى حرب غير مسبوقة عليها قادتها ومولتها ورعتها قوى كبرى دولية واقليمية وتنظيمات ارهابية ومسلحة واستخدمت فيها اكبر الماكينات الاعلامية العالمية اضافة الى تسخير منظمات دولية واقليمية لخدمة اهداف راسمي استراتيجيتها ومخرجيها ومنفذيها ناهيك عن العمل الاستخباراتي وكل اشكال اساليب ما بعد الحداثة في اثارة الجمهور عبر وسائل الاعلام اللانمطي .

ان ما سخر لاسقاط النظام السياسي وتدمير الدولة السورية ومؤسساتها واخراج جيشها من المعادلة الاستراتيجية في المنطقة يفوق كل الوصف سواء بالنظر الى حجم الجهد العسكري المستثمر في ذلك او بالنظر الى حجم الارهاب القادم من وراء الحدود ودرجة اعداده وتعبئته النفسية ومنسوب الحقد المتشكل لديه تجاه ابناء الشعب السوري وهو ما يمكن لحظه من خلال السلوك الاجرامي غير المسبوق لاولئك المشاركين في سفك الدم السوري . لقد جاءت الاحداث في سورية مترافقة مع ما اطلق اليه الربيع العربي الذي سوق له امريكيا وغربيا تحت عناوين جذابة من قبيل الحرية والديمقراطية والاصلاح السياسي ومحاربة الفساد والحوكمة والحكم الرشيد وغيرها من عناوين سعى الغرب حثيثا لتسويقها لتكون حصان طروادة الذي يخترق من خلاله المجتمعات العربية بهدف اسقاط حكوماتها وتدميرمجتمعاتها ومؤسساتها وكل ذلك تحت يافطة الاصلاح والتغيير والدمقرطة ونحن اذ نشير الى ذلك لا ننكر ان الكثير من الانظمة العربية سواء تلك التي اجتاحتها حمى( الربيع) او تلك التي خطط لها ان تكون خارج سياقاته بحاجة ماسة الى اصلاح بل تغيير جذري لانظمتها الفاسدة والعميلة والمأجورة للغرب الاستعماري ولكن من الواضح وهو ما كشفته مسيرة الاحداث ان المقصود والمستهدف من كل ذلك هو دول بعينها وانظمة سياسية على وجه التحديد من خلال المعايير والمصالح الامريكية والاسرائيلية وقوى الاستكبار العالمي في اطار استراتيجية كونية لعالم ما بعد القطبية الاحادية.

لقد اعتقد الغرب ان تضحيته ببعض الانظمة العميلة له ستجعله يربح الجائزة الكبرى وهي سورية التي سببت له وللكيان الصهيوني صداعا دائما وعقدة مستعصية عن الحل بل وسدا منيعا في وجه مخططاته واستراتيجياته لأكثر من خمسة عقود فكان لابد له كي يحقق مشروع هيمنته على المنطقة من ان يقبض ويمسك بسورية الموقع والموقف والهوية وينقلها الى موقع آخر .

لقد وضع راسمو تلك الاستراتيجية عدة سيناريوهات لتحقيق اهدافهم تلك في سورية بدءامن تحريك الشارع وتحريضه على السلطة الوطنية بهدف ملء الساحات وتشكيل الانطباع بآن النظام السياسي يفتقر الى القاعدة الشعبية ما يفقده الشرعية فنجحوا في تحريك او تحريض قسم منه في بداية الاحداث ولكن ليس تحت عنوان ( اسقاط النظام ) وانما تحت عناوين حرية وسلمية واصلاح وغيرها وعندما استجابت القيادة السورية لمطلب الاصلاح بل وتجاوزت سقف الشعارات المرفوعة وتحرك الشارع السوري المؤيد للسلطة الوطنية بحيز اكبر واوسع وتبين للمحرضين والمشغلين سقوط تلك الورقة كان التحول الى السيناريو الآخر وهو استخدام العنف والعسكرة والقتل وترافق ذلك كله مع حملة اعلامية تحريضية وتضليلية غير مسبوقة عملت على تظهير المشهد السوري وتصديره اعلاميا على انه مواجهة بين شارع سلمي يطالب بالاصلاح وسلطة( مستبدة ودكتاتورية) مستغلة المناخ الذي كان سائدا آنذاك على مستوى الشارع العربي المكبوت وكذلك ضعف الاعلام الوطني وعدم قدرته على مواجهة آلة اعلامية اشتغلت طويلا لاكتساب جمهور حرم لفترة طويلة من اعلام يلامس قضاياه وحاجاته ومطالبه و تحركت في مساحات الفراغ التي تركها ما مكنها من اكتساب جمهور واسع سخرته لاحقا لخدمة استراتيجية مشغليها من قوى خارجية .

وعلى التوازي مع محاولات التجييش في الشارع السوري والتحريض الاعلامي كان الدور المشبوه والمنحاز للجامعة العربية التي تحولت الى طرف في الحرب على سورية ومنصة انطلاق لتدويل الملف السوري واحالته الى مجلس الأمن بهدف استحضار التدخل الخارجي جريا على النموذج الليبي وفي سابقة غير ميثاقية تم تعليق عضوية سورية في الجامعة تناغما مع ما جرت عليه بعض دول الغرب وحلفائها في المنطقة بهدف نزعة الشرعية عن النظام السياسي فيها ومحاولة اكسائها لكيان سياسي هجين هو صناعة ومنتج خارجي مع سعي لتسويقه دوليا وتحويله من كائن افتراضي الى واقع عملي ملموس ومع كل هذا كان مصير كل تلك المحاولات الفشل الذريع بفضل حسن ادارة الازمة سياسيا واتباع سياسة الابواب المفتوحة امام اي جهد دولي او اقليمي يجترح الحل السياسي للأزمة التي تحولت مع مرور الزمن الى ازمة اقليمية ودولية .

وعندما افلست الجامعة المختطفة خليجيا ومحركيها في استصدار قرار من مجلس الأمن لادانة الحكومة السورية واستدراج التدخل العسكري الخارجي واكسائه صيغة شرعية برز دور دول اقليمية بعينهابهدف توريطها بعمل عسكري مباشر ضد سورية وكان الدور التركي حاضرا حيث بدأت حكومة رجب طيب اردوغان الاخوانية الاطلسية التحرش بسورية واطلاق التهديدات الحمقاء ضدها لقياس ردة فعلها حال التفكير بعمل عسكري وكان الموقف السوري واضحا وحاسما في هذا المجال وتمثل ذلك باسقاط مقاتلتين تركيتين اخترقتا المجال الجوي السوري في رسالة سورية واضحة لانقره كانت كافية للجمها وردعها عن اي تفكير بعدوان مباشر عليها .

واذا كان الدور التركي الاردغاني كان مؤثرا في احداثيات الصراع القائم من خلال الدعم العسكري واللوجستي وتدريب وتمرير الارهابيين الى سورية اضافة الى احتضان ما سمي مجلس اسطنبول والحماس الاردوغاني الواضح باستعجال اي شكل من اشكال التدخل الخارجي الا ان كل تلك المحاولات قد باءت بالفشل فبرز بشكل اوضح الدورين القطري والسعودي رعاية وتمويلا وتسويقا وتحريضا ودفعا للإرهابيين من كل اصقاع العالم لسورية في استثمار واضح لفائض المال والنفوذ لكلا الدولتين تتفيذا لايعاز سيدهما الامريكي وصنيعته في المنطقة الكيان الصهيوني وخدمة لاجندته في المنطقة في اطار الصراع على تقاسم مناطق النفوذ في العالم ورسم خرائط سياسية جديدة فيه .

ومع كل هذا الذي جرى وتكالب قوى عديدة على سورية وشعبها وجيشها واستخدام ادوات غير مسبوقة في الصراع القائم وما رافق ذلك من دفع للارهابيين بعشرات الآلاف من كل الاصقاع الى سورية واستعمال كل ادوات الحروب القذرة واستهداف كل ما هو على الارض السورية من بشر وحجر ومنشآت استطاع هذا الشعب العظيم والمؤمن بجيشه الوطني وتماسك مؤسساته وتلاحم نسيجه الوطني وقيادته الرشيدة والشجاعة والثابتة ان يلوي عنق المؤامرة ويكسر عمودها الفقري المتمثل بالارهاب العابر للحدود بكل اشكاله وتلويناته ومسمياته وان يسجل نجاحا اسطوريا قل تظيره مع فداحة الثمن الذي دفعه السوريون من دمائهم وارزاقهم ومؤسساتهم وامنهم واستقرارهم ومذلك استطاع مواجهة الحرب الاقتصادية التي شنت عليه بتكيفه الخلاق مع ظروف الأزمة خاصة الحصار الاقتصادي الذي فرض على الشعب السوري والحرب التي شنت على العملة الوطنية بهدف اسقاط سوريةْاقتصاديا وشل اداراتها ومؤسساتها وتحويلها الى دولة فاشلة .

الآن وبعد مرور ثلاث سنوات على الازمة وتكشف حقيقة المخططين والفاعلين والمحرضين والمشاركين فيها بدا واضحا للرأي العام السوري على وجه الخصوص والعربي والعالمي على وجه العموم صحة الرؤية السورية لحقيقة ما جرى ويجري ولم تعد المسألة والتوصيف بحاجة الى مزيد من الادلة والشواهد والاثباتات لأن الدلائل حية وعملية وتحت الانظار والمجرم في صحن الدار فالقتل والارهاب لا يحتاج الى تعريف فهو يعرف بنفسه وادواته وافعاله وثقافته وسلوكه الاجرامي من هنا نستطيع تفسير عودة الوعي والروح للشارع السوري ونجاح المصالحات والدبلوماسية الشعبية وتقلص مساحات الارهاب والهزائم التي منيت بها المجموعات المسلحة والارهابية في اغلب ساحات المواجهة والتي يعود الفضل الاساسي فيها لقواتنا المسلحة الباسلة بكل تشكيلاتها ومسمياتها اضافة الى روافدها من المتطوعين من ابناء الشعب السوري بمسمياتها المختلفة .

ان المشهد السوري العام بابعاده ومكوناته وبفضل حكمة ومناقبية السيد الرئيس بشار الاسدوحسن ادارته لعناصر الصراع يسير باتجاه العافية الوطنية وخطه البياني في صعود نسبي ينبيء يقينا بالنصر والخروج من هذه المأساة الكبرى التي خططت لها اياد آثمة ونفذتها ادوات مأجورة ودفع ثمنها الباهض ابناء الشعب السوري فالبنيان السوري الذي انجز طوال عقود خلت بسواعدهم وعقولهم وثرواتهم حاولوا اختطافه وتدميره في لحظة قاتلة من التاريخ ولكن الشعب السوري الضارب عمقا في التاريخ وصاحب الرسالة الاولى في الحضارة استطاع ان ينتصر على ذاته اولا واعداؤه ثانيا ويقبض على الجمر ليعيد عجلة الاحداث الى حيث يشاء هو لا غيره من اعداء الامة العربية والاسلامية ويحول دون تحقيق الهدف المخططات الاستعمارية التي ارادت الاختباء وراء عناوين كاذبة وتلبس لبوس الحرية والديمقراطية والاصلاح وازعومة حقوق الانسان التي لا تعدو كونها وسائل خداع ومفردات استعمار ما بعد الحداثة وهو ما لم ينطلي علينا كسوريين بحكم ثقافتنا السياسية والوطنية وتجربتنا التاريخية والنضالية في مقارعة اعداء الامس واليوم لان ذاكرتنا الجمعية لم تصب بالخرف السياسي ولا عيوننا بعمى الالوان فالعدو هو العدو والذاكرة الوطنية معصومة ابدا ودائما من الخطأ ؟