Uncategorized

معركة كسب والبعد الإستراتيجي

  لم تكن معركة كسب معركة تقليدية كما هو متعارف عليه في  جبهات القتال بين طرفين متقاتلين وفق منهج الحروب الكلاسيكية المعروفة ، ليس نتيجة للواقع الجغرافي القاسي الذي يجعل من عامل المباغتة أمراً مشكوكا في نجاحه فحسب ، بل كذلك نتيجة الدعم اللوجستي والمخابراتي المتواصل من غرف العمليات المشتركة التي تُديرها أقوى أجهزة مخابراتية في العالم انطلاقاً من تركيا التي تُشكل عامل الدعم البشري والعسكري المتواصل للعصابات الإرهابية المتدربة والمجهزة بأفضل الطرق لممارسة حرب عصابات طويلة الأجل والمتمترسة في مواقع هامة يصعب الوصول إليها أو القضاء عليها بالوسائل العسكرية المعروفة ، لذلك اعتمد الجيش العربي السوري خطة الحرب الذكية التي يتم فيها وضع الخطط بالاعتماد على عوامل محددة مأخوذة من أرض المعركة مباشرةً ، وكانت الخطة تتطلب الصبر والهدوء والتأني، لذلك تم اعتماد مبدأ القضم الجزئي وصولاً إلى الهدف الأهم وهو مركز القيادة  للعصابات الإرهابية ، مع الأخذ بعين الاعتبار الواقع العام من كافة النواحي ، لذلك كانت معركة كسب من أصعب المعارك التي واجهها الجيش العربي السوري خلال الثلاث سنوات الماضية ، ويُعد انتصار كسب تأسيساً لمرحلة قادمة هامة بعد أن حقق الأهداف الإستراتيجية الكاملة منه ، السؤال هنا ما هو البعد الاستراتيجي لإعادة كسب ومحيطها ؟

  تتلخص الأبعاد الإستراتيجية لمعركة كسب وإعادة تحكم الجيش العربي السوري في هذه المنطقة الحيوية بالنقاط التالية :

–         يأتي انتصار الجيش العربي السوري في معركة مدينة كسب الحدودية وجوارها بعد أيام قليلة من تحقيق انتصار وطني سياسي كبير في الاستحقاق الرئاسي ، كتعبير مباشر عن التمسك بإرادة النصر الكامل ، والتأكيد على استمرار مكافحة الإرهاب وتنظيف كامل التراب السوري منه بكل الوسائل والطرق الممكنة .

–         تأمين الحدود السورية الشمالية ومنع استمرار تدفق الإرهابيين والأسلحة والدعم اللوجستي من الأراضي التركية ، وبالتالي المساهمة في حصار العصابات التكفيرية في ريف محافظة ادلب وحلب وتشديد الرقابة على طرق الإمداد والتحكم بها من قبل الجيش العربي السوري .

–         منع القوات التركية من تقديم المساعدات السرية للعصابات الإرهابية وحصر المعركة في إطارها الضيق بعيداً عن نقاط التماس مع الجيش التركي بشكل مباشر .

–         إحباط مخطط إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري تكون مفتوحة على الداخل التركي ولديها نافذة بحرية واسعة لتسهيل عمليات الإمداد والإخلاء ، وعلى أن تكون تلك المنطقة مرتكزا للانطلاق باتجاه المدن والقرى الساحلية الأخرى ، حيث تحولت معركة الأنفال الافتراضية إلى معركة الهزيمة والذل  لكل العصابات الإجرامية التي جاءت  بهدف تدمير سورية وتقسيمها .

  كان لانتصار الجيش العربي السوري في معركة كسب وقع مختلف وهام ، حيث بدأت المجموعات الإرهابية في بقية المواقع بالهروب عائدةً إلى بلدانها ، حيث تأكد لها بأن الجيش العربي السوري يُتابع مسيرة تحرير كل المناطق وفق خطة دقيقة ومحكمة ، ومن لم يهرب مصيره القتل المحتم ، لذلك بدأت مظاهر التخلخل والخوف تغزو العناصر الإرهابية في كل الجبهات الأخرى لإيمانهم بأن دورهم قادم وبالسرعة التي لم يكن أحد من أسيادهم يتوقعها.

محمد عبد الكريم مصطفى