مساحة حرة

التحرك الدولي.. والسلوك التركي الملتبس!!

ما أن انتهت جولة المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة الكبار ( 5+1) في سلطنة عمان حتى بدأت المنطقة تشهد تحركا سياسيا ودبلوماسيا دوليا لافتا ، من أجل تعزيز ما اتفق عليه مع التحفظ على إعلانه قبل ترتيب الأجواء العامة في المنطقة وتهيئة سبل النجاح بعد أن يتم تحديد المسؤوليات الجزئية على إنجاح بنود سلة التوافقات المتعددة والتي من بينها ملف القضية السورية وانعكاساتها الإقليمية والدولية ، لذلك تم ترحيل الإعلان عن التفاصيل إلى ما بعد توضيح الصورة النهائية ، وحدد اللقاء القادم بعد ستة أشهر قادمة، حيث بدأ التحرك الدولي بزيارة لنائب رئيس الوزراء وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى روسيا والتي تم تقييمها بأنها كانت ناجحة وفق جميع المقاييس، حيث تمت مناقشة كل الأفكار المطروحة وآليات تنفيذها بدقة متناهية، وكان التوافق بين الجانبين في حده الأقصى حول ضرورة أن تكون الحرب على الإرهاب ومنع انتشاره أولوية لجميع الدول برعاية وتنسيق مع المنظمة الدولية وفق قررات مجلس الأمن ذات الصلة.

بدا واضحاً للجميع السلوك الملتبس للحكومة التركية ولرئيسها المغرور “رجب طيب أردوغان”، والدورالظاهر للعيان في دعم التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيمي داعش وجبهة النصرة، من خلال فتح الأجواء والأراضي التركية لعبور المسلحين الأجانب والسلاح والدعم اللوجستي والتسهيلات العالية التي تقدمها تركيا لتهريب نفط العراق وسورية لصالح تنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية، السؤال الذي يطرح ذاته بقوة هو : هل يستطيع التحرك الدولي نحو تركيا لجم الدور التركي الداعم للإرهاب ، ووقف الطموحات والنوايا الخبيثة التي يبيتها أردوغان تجاه الدول المجاورة لتركيا وخاصة سورية والعراق.

لقد كان كلام الرئيس “فلادمير بوتن” واضحا في تركيا حيث قام بتوصيف الواقع من كل جوانبه وخاصة ما يتعلق منه بالأزمة السورية وموقف روسيا الداعم للدولة السورية ولحكومتها وقيادتها السياسية حيث قال: ” الرئيس الأسد يحظى بتأييد شعبي كبير .. ولا بدّ من الاخذ بعين الاعتبار نتائج الانتخابات في سورية والتي حصل فيها الرئيس الحالي بشار الأسد على الدعم الشعبي .. ” وهو بذلك يؤكد احترام روسيا والدول المحايدة لإرادة الشعب السوري التي ضمنتها وصانتها القوانين والتشريعات الدولية .

لا نخفي هنا بأن تدهور العلاقات التركية – الأمريكية مؤخراً يفرض واقعاً جديداً لا يُمكن تجاهله حيث جاء الموقف الأمريكي مخيباً للآمال التركية في إحياء النزعة السلطانية العثمانية على حساب الدول المجاوة لتركيا وخاصة في سورية لعدم موافقة الإدارة الأمريكية على ما أسماها أردوغان بالشروط التركية للانضمام للتحالف الأمريكي ضد ” داعش ” وأخواتها ، ويرى المتابعون بأن القمة الروسية التركية فرصة مناسبة لحكومة العدالة والتنمية التي غمرت نفسها وتركيا في مستنقع آسن للخروج قبل استقرارها في القاع نتيجة العداوات والخلافات التي لا يُمكن بعدها أن تنفعها أية قوة في العالم لتحسين الصورة القاتمة التي رسمها رجب طيب أردوغان وجوقته الإخوانية وهو لم يزل يغوص في بحر أخطائه القاتلة إلى هذا الحين ، حيث يؤكد المراقبون بأنه في مقدور روسيا اليوم أن تُقدم لتركيا زورق النجاة فيما لو أرادت حكومة السلطان المغرور التخلص من أخطائها وتعديل موقفها المفضوح في الدعم والتغطية على التنظيمات الإرهابية في المنطقة وإغلاق حدودها وأراضيها في وجه الإرهابيين العابرين للحدود.

السؤال الجوهري هنا هو : هل تسعى تركيا فعلاً لتغيير بوصلتها السياسية وإنقاذ ما تبقى لها من دور في المنطقة ؟

يبدو أن الحكومة التركية ذاهبة في غيها وحماقاتها إلى أبعد من ذلك بكثير ، لأن ما بني على خطأ سيبقى كله خطأ، وتركيا التي غدرت بأصدقائها المخلصين وركضت خلف الشيطان عاجزة اليوم عن قراءة المستقبل بكل مفرداته ومتطلباته وهي غير آبهة بالوسائل التي تمكنها من تجاوز عقدتها الضيقة والانطلاق نحو دور حيوي وطبيعي في المنطقة، وهي اليوم تعيش حالة تخبط فظيع ما بين الوظيفة المحددة مسبقاً لها وما بين حاجاتها التي بدأت تضرب عمق الاستقرار التركي وتهدده بالخلل والتخريب ..

لقد إبدت الدبلوماسية السورية براغماتية عالية في التقاط الفرص ووضعها في سياقها الصحيح، وعبرت عن فهم كبير لمجريات الأحداث وهذا ما ميز سياستها الهادئة طيلة فترة الأزمة المفتعلة في سورية، حيث فتحت كل الأبواب في وجه المبادرات المعروضة تحت يافطة الحل السياسي للأزمة السورية من أي مصدر كانت، وأثبتت مصداقية فريدة تجاه كل الاتفاقات والتعهدات التي أخذتها على نفسها أمام المجتمع الدولي، بعكس قوى دولية كبيرة تبين بأنها تراوغ وتتنصل من التزاماتها في كل مرة بذريعة أو بدونها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إن ما يقوم به الجيش العربي السوري من إنجازات على الأرض في مواجهة العصابات الإرهابية وملاحقتها في جميع المناطق هو مصدر قوة وثقة الحكومة السورية بنجاح سياستها الاستراتيجية، ويُعزز مواقفها الراسخة بضرورة الحل السياسي الذي يضمن وحدة واستقلال سورية وسيادتها على قرارها السياسي الذي يدعمه الشعب السوري .

 

محمد عبد الكريم مصطفى