مساحة حرة

المزحة السعودية.. والصناديق الخشبية!!

لم تكن المرة الأولى التي يُبدي فيها نظام آل سعود استعداده للتدخل العسكري في الحرب على سورية لصالح دعم التنظيمات الإرهابية التي تم تصنيعها اساسا في مضاربه وتحت رعايته المباشرة منذ الأيام الأولى للأزمة السورية، حيث استمر في دعمه العلني لوجستياً ومالياً وبالسلاح لتلك التنظيمات وعلى رأسها ” داعش وجبهة النصرة ” التابعين لتنظيم القاعدة الإرهابي، كما أن أغلب قادة تلك التنظيمات هم من الجنسية السعودية أو تابعين بشكل مباشر للسعودية، لكن محاولته هذه المرة زج انفه العفن في أتون الحرب على سورية بعد أن وصلت الأمور إلى مرحلة متقدمة من النقاش بين القوى الكبرى ليست مزحة كما وصفها السيد وليد المعلم نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين في مسار الاستخفاف بجدوى التصريحات السعودية حول نيتها توريط التحالف ” العربي الذي تم تشكيله لضرب اليمن ” في مشاريع سعودية انتقامية داخل سورية، بل هي مؤشر خطير نحو عرقلة متعمدة لأي حل منشود وتصعيد للمعركة وفتح الباب من جديد أمام تشعبها بعيداً عن موجبات القرارات الدولية ذات الصلة وخاصة قراري مجلس الأمن الدولي 2253، و2254، وهي محاولة خبيثة من نظام آل سعود وبمباركة أمريكية وغربية وإسرائيلية، من أجل تعطيل اجتماع جنيف3، وقد ظهر ذلك جليا في آلية تشكيل وفد ما سمي بمعارضة الرياض ومماطلته في الحضور إلى جنيف في الوقت المحدد ومن ثم انسحابه بعد أن وصلت إلى مسامع مشغليه الانجازات العظيمة التي حققها الجيش العربي السوري وحلفائه في شمال اللاذقية وفي ريف حلب وريف درعا، وهذا ما أضعف من عزيمة وفد الرياض وجعله يخسر كل نقاط القوة التي كان يتذرع بها .

هناك أهداف خفية وراء التصعيد السعودي التركي والتلويح بالتدخل العسكري المباشر في سورية تحت حجة مقاتلة داعش أو غير ذلك، من هذه الأهداف فتح الباب من جديد أمام السيد الأمريكي وحلفائه في الغرب للتغريد من جديد على وتر الوضع الإنساني والمطالبة بوقف لاطلاق النار وبالتالي وقف زحف الجيش العربي السوري وحلفائه والحيلولة دون القضاء على التنظيمات الإرهابية المنتشرة في أماكن مختلفة من الأراضي السورية، وهذا ماعكسته تصريحات المستشارة الألمانية  ” أنجيلا ميركل ” من انقرة وذلك بتحميل الاصدقاء الروس مسؤولية ضرب المدنيين في المناطق التي يتواجد فيها الإرهاب، في الوقت الذي أكدت فيه المعلومات الروسية عن تورط تركيا في دعم مباشر لداعش وتسهيل انسياب الأموال والأسلحة إليها في مخالفة صريحة وعلنية لموجبات القرار الدولي رقم  2253،  ومن الأهداف الأخرى لهذه البروبغندا السعودية التركية المشتركة رفع المعنويات المنهارة للجماعات الإرهابية المسلحة التي تتساقط المناطق من يدها بشكل سريع ومتلاحق من الشمال إلى الشرق فالجنوب، وذلك من خلال التذكير بقوة الإرادة لدى هذا التحالف الإخواني الشرير ( السعودية و تركيا ) على التدخل العسكري في سورية لمنع تحقيق هزيمة الإرهابيين، رغم كل المخاطر التي يحملها مثل هذا التدخل والذي ستكون نتيجته الحتمية عودة أشلاء الجيوش المعتدية بصناديق خشبية إلى ديارهم ( إن وجدت ) إذا لم يكن الحرق في مزابل سورية !!

بكل الأحوال نحن لا نستغرب الدور الأمريكي والغربي المتغير باستمرار وفق معايير لا أخلاقية وغير موضوعية، يُحددها دائماً أقصر الطرق لتحقيق الأهداف العدوانية التي تعمل عليها في المعارك، لذلك قامت امريكا بتحريك وكلائها في المنطقة تحت حجج مختلفة لتفجير اجتماع جنيف3 الذي كان يُشكل نقطة احراج فعلية لها ولحلفائها باعتبار وفد الرياض جاء مفخخا أصلاً من اجل تفجير الاجتماع لأنه لا يمتلك أية نقاط قوة تجعله مفاوضا ناجحا، واعتبرت أن استمرار المفاوضات هو خسارة كبيرة لها ولاستراتيجيتها الاستعمارية في سورية والمنطقة، في محاولة يائسة لرسم خطوط حمر أمام تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه المتسارع في كافة المناطق، ولذلك تم الايعاذ لوفد الرياض بالانسحاب من جنيف ومقاطعة الاجتماع، ولم يُجانب الحقيقة وزير خارجية أمريكا ” جون كيري ” عندما حمل ” المعارضة “مسؤولية فشل اجتماع جنيف وأعلمهم بأن خسارتهم لهذه الفرصة سيؤدي إلى سحقهم خلال ثلاثة أشهر، في الوقت الذي نجد فيه الإدارة الأمريكية تؤيد وتبارك مشروع بن سلمان لمشاركة السعودية في قوات برية في سورية بحجة محاربة داعش ؟

الأمر المؤكد بأن الحكومة السورية وقيادتها السياسية تحرص كل الحرص على إنهاء الحرب على سورية بأية وسيلة ممكنة وهي تعمل بكل امكانياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية من أجل وقف حمام الدماء السوري وإعادة بناء ما تدمر من مقومات الدولة وفي مقدمتها بناء الإنسان بناءً سليما، وإعادة الإعمار في كامل المناطق التي هدمتها يد الإرهاب، ومن هذا المنطلق تعلن تعاونها المستمر مع كل الجهود الدولية الصادقة و لم تُغلق الباب في وجه أي مبادرة أو مشروع يُمكن أن يُحقق تطلعات الشعب السوري، مع التاكيد على أن محاربة الإرهاب والقضاء عليه هو من مسلمات الاستراتيجية السورية، كما أن سيادة سورية وسلامة أراضيها ووحدة شعبها وحريته في اختيار مصيره وشكل دولته التي يريدها هي بقية المسلمات غير القابلة للنقاش او المساومة وما دون ذلك فكل شيء يبقى جزئيات لا توقف مسيرة الحل المنشود .

محمد عبد الكريم مصطفى