line1مساحة حرة

الانتقال السياسي بين الواقع والوهم

 

الانتقال السياسي ليس مصطلحاً، ولا مفهوماً مستقرّاً في أدبيّات السياسة وعلم الاجتماع، فالمجال المعرفي فيه بعيد عن الدقة والتحديد لغلبة الجانب البراغماتي عليه، ووفق خصوصية تجربة كل شعب من الشعوب أو دولة من الدول.

وعلى هذا الأساس تُرك مفتوحاً في المجتمع الدولي بقوانينه وقراراته، تابعاً للنزاع بظروفه الداخلية والإقليمية والدولية، أكثر من تابعيته للرؤية الوطنية المحضة، وهو ومن هذا القبيل قد لا ينتج استقراراً أو توافقاً دائماً.

فقد تجلّى الانتقال السياسي في التاريخ الحديث بمظاهر عديدة، المجدي منها ما كان نتيجة منطقيّة لحركة التنوير – لا الظلام – ولاسيما في أوروبا، ولحركة التحرر الوطني والاستقلال في الأقطار العربية. ما يؤدي بالنتيجة إلى أن أي انتقال سياسي مرتبط بالوهابية والعثمانية لن تتحقق معه المصلحة الوطنية ولا العروبية.

وعليه فمن المستحيل أن تتفهم معارضة الرياض وداعموها الهدف المجدي للانتقال السياسي، أو أن تكون طرفاً فاعلاً وطنياً فيه لأنها وببساطة غير واقعية تعيش على أوهام، وكيف لها أن تتفهّم العمل السياسي وهي تستنجد بالإرهابيين بل تطالبهم وتناشدهم وتتوجه إليهم بالمدد والعون غير السياسي وغير الوطني. ما دفع أمس بإعلان مندوب روسيا في جنيف أن وفد معارضة الرياض يسيطر عليه المتطرفون.

لذلك كان من الطبيعي جداً والمتوقّع أصلاً ما اصطدمت به أمس هذه المعارضة وقد أرهقها النوسان بين الواقع والوهم، فكان هذا الانفعال المنفلت من عقال الفكر والضمير والوطنية، والمستند إلى قاعدة “خوارجية” أساسها الإرهاب والتكفير، لا الحوار والمنطق العقليان.

الانتقال السياسي يحتاج إلى قوى سياسية وأحزاب وجماهير طليعية وقيادات وطنية منغرسة في تراب الوطن، وهذا مالا تملكه أبداً معارضة الرياض، بل لا تفكر فيه أصلاً، لأن الواقع أثبت أنها الذراع السياسية للإرهاب والتكفير، كما أثبت أنها أفراد وأشتات من اليمين واليسار والوسط، من الوهابية والعثمانية والصهيونية، يرددون المصطلح بشكل ببغاوي مرتبط بأوهام التفكير المباشر بالسلطة التنفيذية، وليس بالقوى السياسية. بالحقد الشخصي وليس بمصالح الشعب وقضايا الوطن والأمة.

من هنا كان تصرّفهم بالأمس، وقبله وبعده، ردة فعل على الواقع، وعلى الحال، وعلى الزمن الذي وصلوا إليه من بؤس وافتضاح وإرباك وتهالك وخذلان.

هؤلاء واهمون بعيدون عن السياسة وعن الواقع، فكيف يحلمون بقيادة مؤسسات وطنية طالما بذلت قواتنا المسلحة في سبيلها  تضحيات جساماً لتطهير البلاد من الإرهاب؟ وكيف لهم هذا الحلم بأنهم سيحصدون نتائج صمود الجندي العربي السوري وهم على ما فيهم من خيانة وارتزاق وعمالة؟!.

وهؤلاء يتجاهلون – ولا يجهلون – وجود تقاليد وطنية ديمقراطية عريقة في سورية، وإرث اجتماعي وسياسي وطني وعروبي راسخ مناهض باستمرار للصهيو-أطلسية والرجعية العربية والعثمانية، وليس بإمكانهم أبداً محو هذه التقاليد وذلك الإرث، فسورية ليست بلاداً وصلت قيادتها السياسية إلى الحكم أمس. وهي لن تبدأ من الصفر .

وبخبرة هذه القيادة، وبمشروعها الوطني التزمت بالحوار السوري السوري طريقاً من طرق حل الأزمة، فأعلت من شأنه في ظل استمرار الإرهاب في المنطقة والعالم، وهنا تتجلى أهمية طرحها الحكومة الوطنية الموسّعة  للنهوض بتبعات هذا الانتقال وضبطه.

ولم تُنكر هذه القيادة فكرة الانتقال السياسي الوطني، وقد وضّحهاالسيد الرئيس  مؤخراً في حديثه لوكالتي الأنباء الروسيتين بعد أن سبق المجتمع الدولي في 6/1/2013 وطرحها ببنودها المجدية والمعروفة.

على الرغم من أن الانتقال السياسي لا يتم إلا في حالة انهيار مؤسسات الدولة الوطنية، بينما هذه المؤسسات لدينا لاتزال صامدة وفاعلة. والرهان عليها هو رهان واقعي وواعد بلا أدنى شك.

 

د. عبد اللطيف عمران