ثقافة وفن

“الشخصانية” في العمل الثقافي!

عدا عن السيد “فساد” الذي يأتي على رأس المصائب التي تحل بكل القطاعات الوطنية وبمختلف أنواعها، هناك أيضا حالة تلعب شديد الأثر في اكتمال قوس دائرة هذا الفساد برؤوسه الكثيرة، هذه الحال هي “الشخصانية” فهي بشكل واقعي من يتحكم بالمزاج العام للعمل الثقافي مثلا بكافة أنواعه، ولهذا الداء في المؤسسات الحكومية التي ينسحب عليها بمختلف أنواعها، العديد من الأسماء والصفات، منها “الشللية” أو “المحسوبية” وغيرها من هذه الأمراض التي أصابت العديد من قطاعاتنا المهمة، وليس أخرها ما حدث بخصوص المناهج التربوية، التي كان المسئول عن تطيرها “طبيب بيطري” ورغم احترامنا لهذه المهنة، إلا أنه من الغريب والعجيب أن يتصدى لهذه المهمة طبيب بيطري، في الوقت الذي تعج فيه سورية بأهل العلم المختصون فيه و الأكثر دراية وخبرة بالسبل الأفضل لتطوير المنهج التربوي، ومن الضروري أن تفهم وندرك، أن هذا الداء المدمر لأي عمل خلاق ومبدع، عادة وراءه الجهل والادعاء المزيف بالملكات الفكرية التي تسمح لفلان من الناس -على سبيل المثال لا للحصر- أن يكون هو من يقرر جواز مرور نص أدبي ومنع اخر، ليس حسب المواصفات الفنية والفكرية للنص، بل حسب قرب العلاقة بين الكاتب وهذا الفلان، حتى أن بعض النصوص والكتب التي نقرأها من حين لأخر هنا وهناك، هي ليست بلا أي قيمة فقط، بل أنها تحوي من الأكاذيب والأخطاء ما لا يقبله عقل، عدا عن سطوها على العديد من الأفكار والمقالات التي يكتظ بها عالم “النت”، وإذ نَصِف الجهل بكونه الكامن خلف هذه المشكلة، فهذا لعدم قدرة الجاهل من أصحاب القرار في هذا الشأن، بالتفريق بين النص الجيد والنص الرديء، وهذا سينعكس بالتالي على جودة الحالة الثقافية برمتها.

للأسف هذا هو حال الشأن الثقافي لدينا، فنحن إن نظرنا إلى الفعاليات الثقافية التي تجري بالبلاد على اختلاف أنواعها، سنرى أن الأسماء هي ذاتها من يتكرر فيها، والجديد منها هو من حملة الراية نفسها، وكأن الاختلاف في فهم العمل الفني والأدبي، أو في طرح وجهة نظر مغايرة، هو عداء لأصحابه، ونحن أمام خيارين للتعامل مع هذا الوضع، إما التطبيل والتزمير له، وبالتالي الفوز بالفتات الذي على شكل “فيلم سينما- عمل مسرحي- مسلسل تلفزيوني- مجموعة شعرية…ألخ”، أو السكوت عنه كالشيطان الأخرس، لأن الحديث عن “بلاويه” بات مملا ويدعو للتثاؤب!.

وجود مؤسسات صحفية في البلد، يعني أن هذه المؤسسات هي المعنية بمتابعة الشأن العام بأنواعه، والخوض في مثالبه ومميزاته، إلا أن بدعة المكاتب الصحفية – التي يعمل بها غالبا أشخاص لا شأن لهم بالصحافة، ويقولون فقط ما يطلب إليهم أن يقولوه، جعلت هذه مهمة صحفيي تلك المؤسسات الصحفية العريقة، وكأنها اعتداء على أملاك تلك المؤسسة العامة – أي مؤسسة- وعوض أن يتم الحديث أو الحوار بين الصحفي نفسه والمسئول، يصبح المكتب الصحفي هو من يطلب أسئلة الحوار، فهو يريد أن يراها أولا ليجاوب عنها، أما أن يقول المسؤول فلان أو غيره بتلقائية أين أصاب وأين أخطأ، أو أن يجيب عن حالة التباس على الناس، كثر فيها الهرج والمرج، فيوضحها ويبينها، فهذا لا يحصل، أيضا تَحولَّ العديد من الصحفيين وتحت ضغط صعوبة الواقع الحياتي المعاشي الراهن، من صحفيين مهمتهم الأولى أن يكونوا ضمير الناس وصوتهم، صوت وجعهم وفرحهم، صوت مطالبهم وأحوالهم، إلى “مطبلين” و”مزمرين” لكل ما يتم طرحه من فعاليات من قبل بعض هذه المؤسسات،فعاليات بلا معنى وتستحق على الأقل الوقوف عندها والسؤال عن جدواها.

الأخطر هو السعي الحثيث لتشويه صورة كل من يعمل على فضح الزيف هنا، وكشف الرياء هناك، فبكل بساطة يمكن أن يصبح “موهنا للروح الوطنية” التي لا تحتاج لمن يوهنها بوجود الفساد والمفسدين، وإن كان قول الحق، والحديث عن المصائب التي تعتري العمل المؤسساتي هنا وهناك، من الكبائر، فهذا يعني أن يكون جميع العاملين في القطاع الإعلامي من حملة “الطبل” وإلا فإنهم سيكونون بلا عمل، خصوصا بعد مقاطعة أغلب المواقع الإلكترونية والجرائد الورقية السخية، بمقاطعة أغلب الكُتاب الذين بقوا في البلد ورفعوا راية نصره وكانوا جنودا في خنادق العمل الميداني ونقل صوت الناس ويث همومهم، وبما أن الشيء بالشيء يذكر، لعلنا إذا ذكرنا ما قيمة الكلمة المادية لدينا، والتي هي أرخص من الفجل، عرفنا لماذا لم يعد للكلمة الحقة اثرها في المجتمع وبين الناس، إن كان صاحبها، يكفر بمبادئه في الأوقات التي يرى كل هذا المشهد الكارثي أمام ناظريه، وليس بإمكانه إلا التحسر!

تمّام علي بركات