ثقافة وفن

من – إلى الحياة

**تستيقظ دمشق على أصوات المآذن بعد أن غفت على صوت الأجراس.

منذ بداية الحرب لم أشعر بسلام كهذا، ولا أدري إن كان السبب حقيقيا، أم أن نسائم “الشريف الرضي” التي هزت وجدانه فانتشى وطرب من عميق حزنه، هي ما هز وجداني فانتشيت ولا أعرف مم انتشيت؟!.

يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى في خَمائِلِهِ لِيَهنَكِ اليَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ

الماءُ عِندَكِ مَبذولٌ لِشارِبِهِ وَلَيسَ يُرويكِ إِلّا مَدمَعي الباكي.

 

**تلك الدروب الوعرة التي نحتتها قلوب ريفية طيبة لم تحتمل زحام باب توما، وضجيج الحميدية، وانكماش الميدان على فساحته ..تلك الجبال التي كانت تتهيب الضواري الخوض في عتمة أخاديدها الموحشة، عمّرها رجال ونساء وأطفال، نقلوا قراهم بمخيلتهم وبنوها على صورتها، لم يخطر في بالهم يوماً أن تصبح وطناً فارهاً في أعين الآخرين، وأن يكونوا مواطنين يسكنون هكذا، وصدفة في رقم.

دون صناديق بريد تخبئ رسائل من لا أحد..دون كسرة ولو مستدقة كشفرة من خصوصية، كانت تهبها لهم السماء والجبال والأنهار، دون وجل من موت محقق في كل خطوة فوق ماء وكهرباء يتمازجان، وربما مصادفة لا يدري أحد كنهها، لايقبل الماء ببدائيته أن ينقل السيدة الكهرباء المتغطرسة، ربما لهذا السبب ولآلاف غيره ولدوا، وفي وجدانهم ليست المدن إلا عبئاً على قلوبهم المريضة بالقرى والحنين المصوّب كطلقة إلى مستقبل لا يشغل بالهم، إلا أن الموت هو المطلق، وما هم إلا أكيد يصفق للمطلق وكأنه أغنية شعبية “ويلاه يا ام الزلف ويلاه يا بنيّة ويا نار قلبي اشعلي ما تطفيكي ميّة”.

 

**الحرية أيضا أن تقف في دكان ابو بسام الفقير، وتفاضل بين سبعة من أجود انواع النبيذ السوري والعالم أيضا بلا مبالغة ” نبيذ بعض قرى مصياف من أفضل أنواع النبيذ في العالم، وأعرف جيدا ماذا أقول”.

ست أنواع بلدية ،من كلكة البيت ومونة المحبين، الريان المصنوع في السويداء ، من عنب ربا مصياف وقراها، عنب رائق يُسكر دون تخمير، عنب لوحته شمس آب وأعطت لطعمته نكهة عميقة ، تجعل شاربها ولهاً فيها كولوه الحمام..حكيما ك لقمان.

عنب سوري ،مُر وحنون، راحت عليه يوما زنابق دعساتك ، وأنت تتغاوين كفرس ، مشيتها تسر الناظرين وتعصر القلوب.

 

**لا تصدقي رجلا يقول لكِ ” أنتِ البلاد إن راحت البلاد”! ، الرجال الحقيقون لا يعرفون إلا بلادا واحدة لهم ، وصعب عليكِ بل مستحيل، مهما كنتِ لطيفة ورقيقة وجميلة وذكية ووو، صعب عليكِ أن تعوضيه إياها بأي شيء.

أذكر جميل حتمل في واحدة من مجموعاته القصيصية “حين لا بلاد” ، يطلب في نهاية قصة حزينة إلى الله أن يعيده لوطنه ولو كان جثة هامدة ! هذا كان بينما كانت سيدة جميلة تضمه وتعده بأن تكون بلاده، فمات غريبا ووحيدا، حيث لا بلاد.

تمّام علي بركات