ثقافة وفن

جعبة الصورة

عندما تقرأ مقالاً ما، تتشابك عوامل عدة لتجعلك تغرق بمتعة في أعماقه شيئاً فشيئاً، أو تجعلك تغوص في عالم مجهول لا تستطيع فك طلاسمه، لتصبح هذه العوامل قاضياً يحكم على نوعية المقال، فإن كانت مقدمته رديئة مثلاً فستتجاهل ما كتب من معلومات هامة، وربما تعود بأسبابك إلى كثرة الحشو أو استخدام لغة غير جذابة أو غير مفهومة.

ولعل الصورة المختارة من أهم هذه العوامل، صورة تشدك إلى المقال وتليق بكافة محتوياته، بل في معظم الأحيان تكون العنصر الأقوى، وتستطيع من خلالها رسم تصور واضح وسريع في مخيلتك عما سيتم طرحه، فالصورة ملموسة أما الكلمة تجريدية، وتغني عن ألف كلمة لأنها تعتمد على حاسة البصر، وهي من أهم الحواس وأكثرها استخداماً وتحتل جزءاً كبيراً من الدماغ، كما أنها لا تحتاج جهداً ذهنياً كبيراً، وتعطي الرسالة دفعة واحدة.

تعددت استخدامات الصورة لما لها من أثر على الأحاسيس، فمثلاً عندما تتحول معاناة الضحايا وأعداد القتلى إلى مجرد أرقام إحصائية، يؤدي هذا إلى خدر نفسي، بالتالي يحتاج المرء إلى علاقة حسية تخفف من أثر هذا الخدر، والصورة هي المرشح الأمثل بقدرتها على الوصول إلى أعماق هذه المشاعر ودغدغتها.

وتشغل الصورة حيزاً بالغ الأهمية في التحفيز السياسي، لا سيما عندما تُستخدم كوسيلة لتشويه الحقائق حسب زاوية التقاطها وعملية المونتاج والسياق الذي تُبث به مع مصاحبته بتعليق صوتي أو مكتوب، فهي ليست محايدة بل تعكس هدف عارضها ورسالته.

ولنعد بذاكرتنا إلى بعض المحطات التي أحدثت فيها الصورة ضجة هائلة وأثرت في الرأي العام وحركت الجماهير والحكومات ودفعتهم لاتخاذ إجراءات مصيرية، فها هي صورة جثة إيميت تيل في نعشه المفتوح تشعل ناراً في أفئدة الأمريكيين وتحشدهم للعمل في حركة الحقوق المدنية. وبالمثل، لعبت صورة “طفلة النابالم” دوراً حاسماً في إنهاء الحرب في فيتنام.

واستخدمت خلال الأزمة السورية صور بصرية كثيرة، وما زالت تستخدم حتى الآن بكل ما تحمله من تزوير ورياء لتحدث تأثيراً مؤلماً وتشوه الحقيقة وتقدم الإرهاب على أنه عنوان للإنسانية، عندما حاولت عدة جهات خارجية تزييف المعاناة السورية فوتوغرافياً، وهذا أمر عهدناه في وسائل الإعلام الخارجية.

وكان من بين هذه الصور صورة التقطت في عام 2015 لجثة صبي صغير لفظتها أمواج البحر على رمال الشاطئ، واستخدمت كدليل مزيف لإلقاء اللوم على الدولة السورية وتحريض الرأي العام عليها، ففي غضون ساعات على نشرها وصلت الصورة إلى 20 مليون شخص عبر “تويتر”، وإلى ملايين آخرين في اليوم التالي إثر نشرها على الصفحات الأولى للصحف، ونتيجة لذلك، خففت الحكومات من القيود المفروضة على قبول اللاجئين في حين ارتفعت التبرعات الخاصة لمنظمات إنسانية مثل الصليب الأحمر.

وبعد عام على هذه الحادثة، طافت أرجاء المعمورة صورة لصبي صغير في سيارة إسعاف وهو ملطخ بالأوساخ والدماء، واستخدمت أيضاً لتشويه صورة الدولة السورية، علماً أن والدي الطفل استنكروا ورفضوا عرض صورة ابنهم واستخدامها بعمليات التحريض المسيسة التي تقوم بها الدول الداعمة للإرهاب ضد الدولة السورية.

ومن استخدامات الصورة التي انشرت في الآونة الأخيرة ما يسمى بالإنفوغرافيك، وهي صورة تزودنا بالمعلومات بوسائل بصرية، ويعود أول استخدام له إلى بداية القرن الثامن عشر، وازداد الاعتماد عليه في نهاية السبعينيات في المؤسسات الحكومية والصحافة والجامعات وغيرها، ومع اختراع الانترنت تنامى استخدامه ليشمل شتى مجالات الحياة.

يُقدم الإنفوغرافيك معلومات هائلة متحدياً الوقت في عصر السرعة، ويتميز بقوته في إيصال الأفكار والمعلومات المعقدة ببساطة وتحويله للأرقام والحروف المملة إلى رسوم شيقة مواكباً بذلك وسائل التواصل الاجتماعي لسهولة نشره ومشاركته ليصل لأكبر شريحة من المجتمع.

ويتكون من ثلاث عناصر: العنصر البصري المعتمد على الأشكال المرسومة والصور المختلفة، والعنصر النصي الذي يتناول به معلومات قيمة ومختصرة، يليه المعرف أو المفهوم الذي يمثل النتيجة النهائية للموضوع المتناول.

جميل أن نخلق عالماً واسعاً من صورة تمزج بين الكلمات المقروءة ومفهومها البصري وتحولها إلى معلومة تُحفر في مخيلتنا وتكون عصية على النسيان، وتؤكد بقوة هدف الرسالة سواء أكانت مجرد معلومات أم أخباراً.

ريم حسن