ثقافة وفن

“فوضى”.. مرآة صادقة لواقعنا الإنساني المأزوم

ليست هي الشراكة الأولى الناجحة بين الكاتبين نجيب نصير وحسن سامي يوسف، بل لطالما أثمرت شراكتهما أعمالاً متفردة لها قيمتها الفنية، فمن “الانتظار” إلى “زمن العار” إلى “فوضى”، العمل الفني الذي جمعهما مؤخراً، والذي تم عرضه خلال شهر رمضان المبارك.

استطاع “فوضى”، ومنذ حلقاته الأولى، أن يكون محط إجماع الناس، وأن يحقق متابعة واسعة من جمهور باتت فرصه قليلة في الحصول على أعمال تترجم واقعه وتعبر عنه بصدق دون مبالغة أو استسخاف.

يعكس العمل الفوضى التي سيطرت على حياتنا خلال الأزمة، فوضى الحياة والموت،  فوضى التفاصيل العبثية اليومية التي نعيشها في زمن الحرب، حين تتشابك كل الأمور وتتعقد إلى أن تصل ذروتها دون القدرة على الوصول إلى حلول، لتصبح الشخصيات أمام متاهات الخوف والشك والصدمة التي تبدأ ولا تنتهي، والصراع المحتدم بين الخير والشر، كل ذلك ضمن قالب اجتماعي بسيط يأخذك ببساطته وعفويته ويؤثر فيك عميقاً من خلال الحوار المتقن المناسب للشخصيات.

يتعرض “فوضى” لمأساة “النزوح”، والرحيل عن عمر كامل تركه النازحون وراءهم ليندمجوا بمجتمع جديد في حي آخر ومحاولة خلق حياة أخرى يحاولون عبثاً التكيف معها وسط فوضى الأحاسيس والأزمنة والأماكن والمصير.

يحسب للعمل قدرته على اختراق بعض “التابوهات” الكثيرة في حياتنا ومحاولة مواجهتها من خلال طرحها ووضع المتفرج أمامها بشكل مباشر في محاولة لإيجاد الحلول، حيث يتعرض للفكرة القديمة الجديدة التي تتمثل بصراع الإخوة على امرأة واحدة واحتدام هذا الصراع وتصوير أبعاده وظهور الوجه الآخر للإنسان خلاله، كما تعرض لمشكلة الفساد في المحاكم ومدى قدرة السلطة والنفوذ على التحكم بمصائر الناس وتطويعهم لتحقيق مصالحهم الشخصية غصباً حتى وإن كانت مخالفة للقانون وللمبادىء.

وخاض العمل في المرض الاجتماعي المستشري في علاقاتنا وحياتنا “الفيسبوك” وتطرق لمدى قدرته على السيطرة على الشخصيات وسرقتها من الواقع والتحكم بحياتهم وقلبها رأساً على عقب.

وتعرض أيضاً لفكرة السفر “الحلم” الذي سيطر على شريحة واسعة من مجتمعنا خلال الأزمة حتى وان كان السفر بطرق غير قانونية بغرض الهروب.

يحسب للمخرج سمير حسين قدرته على خلق الشخصيات من رحم الأزمة وإلباسها لبوس الحياة وجعلها قربية جداً من واقعنا ماجعلها أكثر صدقاً وتأثيراً.

إضافة إلى الأداء المحترف الذي تميز به الممثلون وقدرتهم على التماهي في شخصياتهم والاشتغال عليها من كافة الواحي لتصبح أقرب الى الواقع والحقيقة، بدءاً من اللباس والمظهر الخارجي إلى الحركات التعبيرية ونبرة الصوت ونظرة العين، كلها أمور تحسب للممثل والمخرج في آن.

فوضى، عمل سوري بامتياز وبكل كوادره، يبرز ويضيء وسط عتمة سيطرة الأعمال المشتركة التي تأخذ من فناننا السوري أكثر مما تعطيه، ليشعرك أن الدراما السورية تستعيد عافيتها وأنها مازالت قادرة على العطاء والمنافسة وإثبات حضورها، وخلق الإبداع من وسط الأزمة وعمقها وباستخدام مفرداتها.

يذكر أن المخرج سمير حسين صرح أن جريدة “ديرشبيغل” الألمانية أفادت أن مسلسل “فوضى” هو الأكثر مشاهدة عبر قنوات اليوتيوب في ألمانيا، وقد قامت بتحقيق عن العمل نشرته على صفحاتها، وقرّرت إثره ترجمة المسلسل إلى الألمانية وعرضه على موقعها.

هديل فيزو