ثقافة وفن

دراما الحواجز!!

 

على غرار أنواع الدراما التلفزيونية المختلفة، ” دراما البيئة، الدراما الاجتماعية بأنواعها، والدراما البوليسية، وغيرها”، طفت على سطح العملية (الإبداعية) الدرامية، -والإبداعية جاءت بين قوسين كما تلاحظون- في السنين المنصرمات ما يمكن تسميته عموما أو حسب صُناعه: “دراما الحرب”، أو هكذا يجب أن تُسمى حسب التصنيف، وهي دراما موجودة وشائعة طبعا بين أنواع الدراما المختلفة، وهذا أمر طبيعي، خصوصا إذا علمنا أن الدراما هي أيضا واحدة من الأسلحة المهمة في الحرب، عدا عن كونها ترصد النقاط الأكثر حساسية في الواقع-كما يُفترض- خصوصا في ذهابها نحو توصيف حالة الحرب، إلا أن الدراما التلفزيونية المحلية التي ظهرت حتى الآن عن هذه الحرب، خصوصا وأن أصحابها يصفونها بكونها  دراما “واقعية”، لا يمكن وصفها باي حال بدراما الحروب، ويمكن تسميتها من باب التوصيف الملحوظ بـ “دراما الحواجز”، فما من عمل درامي تلفزيوني، ذهب إلى حيث هي الحرب كما يجب أو كما هي، أو جاء بها إلى عوالم الكتابة الدرامية، باعتبار أن المشتغلين في هذا المجال، لم يعمل معظمهم عملا ينتمي إلى دراما الحروب كما هي فعلا، وما شاهدناه كجمهور منها، لم يكن إلا دراما الحواجز! فالحواجز التي أُقيمت على الطرق في فترة زمنية سابقة بسبب الحرب، هي التي ذهب أولئك الكُتّاب لكتابة أعمالهم عنها، لأنهم ببساطة هذه هي فكرتهم عن الحرب، و هي ما يعلمونه عن طبيعتها وما يجري فيها عادة حتى الآن، ورغم أن بعض الأعمال ذهبت نحو أثر الحرب على المجتمع المحلي، إلا ان دراما الحواجز تلك والتي أعلن أصحابها عنها أنها صُنعت في زمن الحرب الواقعية، لا تمت  للحرب الدائرة بمثقال ذرة، وحتى عندما كتبوا هذه الدراما أي دراما الحواجز، كتبوها بشكل سمج وليس كما هي، ففي مسلسل “عناية مشددة” مثلا “علي وجيه- يامن الحجلي كُتّابا- أحمد إبراهيم أحمد مخرجا- نشاهد الجندي الذي يقف على الحاجز – أدى دوره الممثل محمد الأحمد- يستغل أوقات فراغه في المناوبة ليرسم وليتابع شغفه الفني على الحاجز! عدا عن وقوعه في الغرام وهو على الحاجز!، والحرب التي كانت دائرة رحاها على أشدها حينها، ورغم كل الأهوال التي وقعت عند تلك الحواجز، لم يظهر منها إلا بعض المشاهد الركيكة، تلك التي لا تعلم ما هو الاشتباك الناري ولا كيفية محاكاة معركة دائرة، وهكذا تعاملت العديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية مع هذا النوع من الدراما، رغم أنه منجم خصب وفيه الكثير مما يُحكى ويُكتب.

هذه الدراما لم تُظهر حقيقة الجندي السوري المحارب العنيد، القوي، الشجاع، بل ظهر لنا أحدهم وهو بحالة نفسية سيئة جدا، وينتحر في نهاية المطاف، وهذا غيض من فيض عن هذا النوع من الدراما المًحبطة معنويا، ورغم مرور 8 سنوات على بداية الأحداث في البلاد، إلا أن عملا دراميا واحدا، لم ينجح في تقديم تلك الدراما كما يجب، بل كما يتخيل، ورغم أن الواقع الذي جرى على الأرض هو أشد وأكثر هولا وبشاعة –وهذا لوحده دراما- إلا ان اغلب الأعمال التي تناولت هذه الثيمة، ذهبت نحو مألات الحرب، لا إلى الحرب ذاتها، وحتى في تقديم مألتاها، أيضا، حلّ الخيال الجاف، عوضا عن الواقعية الطازجة.

دراما الحروب هي وثيقة بصرية أولا عنها، وهذه الوثيقة البصرية، يجب أن تدخل إلى خضم الموضوع، وتراه بشكل عام، لا بتفاصيل مفككة وركيكة عموما كما سلف وقلنا، نعم لقد شاهدنا البشاعة لا القبح، -المرأة التي تُقطع بسعادة المخطوفين لبيع اعضائهم-أما دراما الحروب الحقيقية، فهي مالم نراه إلا في الواقع الحقيقي، لا في تلك الأعمال العجيبة الغريبة، والتي توصف بكونها “دراما حروب” بينما هي في الواقع، دراما ولكن لنوع جديد، انحفنا به كُتّاب هذا الزمان، وهو دراما الحواجز!

البعث ميديا || تمّام علي بركات