دوليسلايد

“بريكست”.. “قنبلة” في قبو السياسة البريطانية

أدرك بوريس جونسون، رئيس الحكومة البريطانية الحالي، متأخراً، أن “البريكست” كانت المصيبة التي ورثها عن سابقته تيريزا ماي، لكن الذي لم يكن يدركه أن هذه المصيبة، ستلقي به وبحكومته وبالبلاد، في جحيم أزمة تعتبر من أخطر الأزمات التي تواجه بريطانيا على الإطلاق خلال الخمسين عاماً الماضية، ليس سياسياً واقتصادياً فحسب، بل وحتى اجتماعياً.

“البريكست”، أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، المشروع الذي اعتبره الجزء الأكبر من البريطانيين حلماً ديمقراطياً جميلاً سعوا إلى تحقيقه، انقلب كابوساً يعيشه البريطانيون منذ ما يقارب الأربع سنوات وسط ضياع شبه تام بين البقاء في الاتحاد أو الخروج منه، باتفاق، أو بلا اتفاق، في ظل مشروع بات يهدد بالانقسام المجتمعي في بريطانيا ويزعزع الاستقرار الذي يربط أقاليمها الأربعة، إنكلترا وإسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية.

الورطة البريطانية، التي بدأت عام 2016، عندما صوت البريطانيون لصالح ترك الاتحاد الأوروبي، تشعبت مساراتها وازدادت تعقيداتها، ورغم تعدد سيناريوهات الاتفاق على الخروج، إلا أن النواب البريطانيين كانوا وفي كل مرة يرفضون بنود الاتفاق، ما أدى إلى فشل مشروع الخروج وتأجيله عدة مرات.

ورغم محاولات ماي المتكررة وضع خطة للخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن كل خطواتها منيت بالفشل، ولعل مردّ ذلك يعود للتنازلات الكبيرة التي قدمتها ماي لأوروبا، مثل الموافقة على دفع مبلغ مالي كبير للاتحاد الأوروبي كتعويض عن التزامات بريطانيا تجاه الاتحاد، وتنازلها لإسبانيا حول جبل طارق، لكسب دعم الجانب الإسباني لخطة الخروج من الاتحاد، حيث أعلنت ماي موافقتها على إجراء محادثات بشأن مستقبل سيادة بريطانيا على منطقة جبل طارق، و هو أمر كان من المسلمات بالنسبة لبريطانيا، وكانت ترفض حتى الحديث عنه رفضاً قاطعاً، وتعتبره مساساً بسيادتها، هذه التنازلات، إضافة إلى طروحات “الخروج” المتخبطة، أدت بشكل أو بآخر، إلى تراجع شعبية ماي وسقوطها ورحيلها من المنصب في ولاية كانت الأسوأ على الإطلاق.

الهزات الارتدادية البريطانية تجاه بريكست ظهرت جليّة في تشتت الحكومة البريطانية وعدم وصولها إلى حل توافقي يرضي جميع الأطراف، ما أدى بالمحصلة إلى انهيار تام للحكومة وتقديم الوزراء استقالتهم تباعاً، كما استشعرت الأحزاب والمؤسسات الاقتصادية والمالية والبنوك الكبيرة حجم الورطة التي ستقع بها في حال تم الانفصال دون اتفاق، خاصة بعد انخفاض العملة البريطانية وتأثر سوق العقارات، والأهم من ذلك لجوء بنوك وشركات أوروبية إلى خفض تواجدهم في بريطانيا، ما ينبئ بركود حتمي تتجه إليه البلاد.

حيث أظهرت بيانات رسمية حديثة، أن معدل البطالة في بريطانيا وصل إلى أعلى مستوى له منذ 45 عاماً، وأن الاقتصاد البريطاني ما يزال يواجه خطر الدخول في ركود عميق بسبب الاضطرابات التي يتسبب بها بريكست، كما كشفت تقارير بريطانية أن البلاد ستكون مهددة بأزمة دوائية وغذائية في حال تم الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.

ومع تولي رئيس الحكومة البريطانية الحالي بوريس جونسون منصبه توالت عليه الهزائم واحدة تلو الأخرى، فعناده على أن بريطانيا ستخرج من الاتحاد الأوروبي “باتفاق أو دونه” جعله في مواجهة مباشرة مع البرلمان البريطاني، وخاصة  حين استخدم صلاحياته الدستورية لتعليق عمل البرلمان بعد أن أخذ موافقة الملكة إليزابيث على ذلك، في فضيحة دستورية تصب في سياسة لوي الذراع مع المعارضة الرافضة لبريكسيت من دون اتفاق، ليوجه البرلمان له ثلاث صفعات مدوية، حين فرض القانون ضد البريكست دون اتفاق، وبأغلبية واضحة، كما صوت ضد تنظيم انتخابات جديدة، وأجبره على إيجاد سبل جديدة للانتخابات، ليجد جونسون نفسه أمام مصير ماي ذاته.

وفي الوقت الذي يضرب فيه “بريكست” المشروع السياسي لأوروبا في الصميم ويعلن هزيمة الوحدة الأوروبية، بشكل أو بآخر، فهو أيضاً يرفع المقصلة ليطيح بالاستقرار البريطاني، ويترك البلاد على شفير سقوط ستكون له تداعيات «كارثية» على مختلف الصعد.

 

البعث ميديا – هديل فيزو