الشريط الاخباريثقافة وفن

بورتريه رولا حسن.. بين الشعر والحياة

لا ترى الشاعرة السورية “رولا حسن” -1970-أنه وفي وسط هذه الخلطة العجيبة من الأصوات الغير مفهومة، والتي تعمل على التسويق لشعراء هم بعيدين كل البعد عن الشعر، لا ترى مشهدا شعريا سوريا بقدر ما ترى ما يمكن وصفه بـ “اسمع جعجعة ولا أرى طحينا!”، وهي أي الشاعرة تذهب لحد القول بأن المشهد الشعري الآن بحاجة ماسة لعملية غربلة ولمواكبه نقدية جدية، فكل هذا الزحام الشعري الذي تصدر المشهد الثقافي في الفترة الأخيرة، لم يفرز -حسب رولا- أي تجمع شعري جدي، قادر على فرز الأصوات الجيدة ومن ثم الأخذ بيدها، ولا حتى ظهور أي مجلة خاصة بالشعر السوري الجديد على اختلاف تياراته!،  فعموم دور النشر المحلية، المتخصصة والمحترفة، غابت وسط هذا الزحام، والعديد من تلك الدور الموجودة اليوم، أيضا حسب الشاعرة، لم تعد تُعنى بالمضمون، بالحرفة الشعرية والأفكار الخلاقة التي هي من طبيعة الشعر العربي عموما، وهذا يرجع لأسباب عديدة ومختلفة، منها ظهور الكتاب الرقمي، والأثر الذي خلفه هذا العامل، من تراجع الإقبال على الكتاب الورقي، عدا عن التكلفة المادية المرتفعة التي صارت تتحكم بهذا الشأن.

ككل من يكتب الشعر، لكل منهم تعريفه أو فهمه الخاص للشعر، والذي قد يختلف من شاعر لأخر، لكن صاحبة “نصف قمر”، ترى أن الشعر هو التقاط تفاصيل الحياة حتى تلك التي المخفية، وملامسة هشاشة الكائن، مؤمنة بأن الشعر هو الحياة التي نحياها بصدق بعيدا عن الزيف والفصام والازدواجية، هو ما يدفعنا لأن نكون حقيقين تماما، ففي كل قصيدة تأريخ للحظة المعاشة والإحساس العميق الذي قد لا ينتبه إليه أحد؛ معتبرة أن الشعر وحده يضعنا في مواجهة حادة مع العالم المعاش، وهي مواجهة ليست سهلة كما يبدو لمن يظنها كذلك.

لم يغرِ صاحبة ” على الأرجح نحن من يغني الآن” شيئا من الفنون للخوض في غماره، سوى الشعر وهي تحبه لدرجة أنها لن تكتب سواه، فالمحاولة في جنس أدبي آخر لم تشدها على الإطلاق، كما أنها لا تشعر أن الذين كتبوا الرواية أو القصة أو المسرح إلى جانب الشعر تفوقوا فيها عليه، بل، إنها بالعكس اعتبرته نوع من الإفلاس فلا هم تطوروا في مجال الشعر، ولا هم قدموا على المستويات الأخرى شيء تفوق على ما قدموه في الشعر. أما بالنسبة للمنابر الكترونية، ومواقع التواصل التي صارت هي المنابر الأكثر حظوة بحضور الشعر، تجد صاحبة “شتاءات قصيرة” أنها ظاهرة مرعبة والتسويق لها أمر مرعب أيضا، ففيها استسهال في الكتابة يرمي قصيدة النثر في مهب الريح، لكنها لا تنفي خلو تلك المنابر من بعض الأصوات الشعرية الجيدة و أن تشيد بتجارب واعدة ولديها حساسيتها الخاصة على مستوى التقنيات الشعرية، لكنها تضيع برأيها وسط هذه الزوبعة، وتقول في هذا الشأن و: “اعتقد أن الأمر يحتاج لوقت ليتم فرز الأصوات الجيدة التي ستستمر؛ “هنا أود الإشارة لأمر مهم وهو أنه على المؤسسات الثقافية والفكرية، أن تستغل الفرصة لتعيد ثقة الجيل الجديد بها، وتوليه جزء من اهتمامها سواء في وسائلها المقروءة أو المسموعة أو المرئية، بعيدا عن أي حسابات لا تدخل في صلب العملية الإبداعية”، فالشعراء الحقيقيون في سورية يعيشون في عزلة أو منفى، بعيدا عن كل وسائل الإعلام، التي تذهب نحو خيارات مختلفة، يكون حضور الشعر فيها خافتا ولا صوت له، أيضا لا ترى الشاعرة وجود إعلام تخصصي بالشعر، فاللقاء مع شاعر يجب أن يقدمه شاعر أو شخص له علاقة بالشعر، “ما نراه عموما من تراجع لدور الإعلام الثقافي المتخصص، سيكرس لمشهد شعري ليس بالمبشر خصوصا للشعر النسائي السوري”.

الشاعرة التي تُرجمت بعض أعمالها إلى عدة لغات أخرى كالفرنسية والإنجليزية، تجد نفسها محبطة من طبيعة المشهد الثقافي المحلي، الذي لا يعير اهتماما للأدباء السورين على مستوى اختلاف الأجناس التي يكتبونها، لذا ترى أن الشعراء السوريين الحقيقيين لم يغادروا البلد جغرافيا فهم غادروها روحيا لأنهم معزولين وسط كل هذه الزحمة، التي لن تثمر أبدا بهذه الطريقة ما دامت سياسة تكريس المكرس قائمة، و “الأمر” محزن حسب وصفها.

لا تظن “رولا” أن قصيدة النثر تسعى لأن تكون قصيدة منبر، فهي أساسا جاءت كرد على القصيدة ذات النبرة العالية، وتصفها الشاعرة بكونها قصيدة الخفوت والبياض، قصيدة قول ما لا يقال إلا همسا، فابتعادها عن النبرة العالية والقافية جعل الكثير من محبي الشعر يبتعدون عنها ولا يعتبرونها شعرا، وابتعادها عن القضايا الكبرى واهتمامها باليومي والمعاش واتكائها على السرد كل هذا جعلها قصيدة النخبة، وهي حتى اللحظة كذلك، وهذا يدل على سموها، فلا يثبت فيها إلا من كان صاحب قلب من ورد ونار.

وفيما يلي نورد بعضا من المقاطع الشعرية المختلفة لنتاج الشاعرة:

“ثمة وقت لأرتّب طاولة حياتي / وألتفت صوب حقول العائلة اليابسة/  ثمة وقت لأسحب ملاءة الحنين وأسوي سرير الضجر/ وحيدة مثل فطر/ شجر الكذب يظلّل حياتي/ من مضيت إليهم فتحوا -في وجهي-أبواب النسيان/ كيف أبدأ والثلاثون تعبرني بعرباتها/ مدينةَ تعوي في أزقتها الريح/  كلانا لا يستطيع الخروج من الآخر/  شارعاً واقف القلب أو نافدة مكسورة الخاطر/  كذلك  الرجل الذي يضحك كسرّ ويحزن كعاصفة/  تحت نظراته تركت حياتي تتشمس”

تمّام علي بركات