اقتصادالاقتصاد الدولي

كورونا يعزز أزمة روما وبروكسل..!!

صورٌ لأعلامٍ تحرق، ومقاطع فيديو لإزالة أعلام ورفع أخرى بدلاً عنها، مشاهدٌ عكست حالة السخط في الأوساط الإيطالية تجاه الاتحاد الأوروبي، على خلفية تأخر الأخير بتقديم مساعدات للبلد المنكوب بفيروس كورونا، وامتناعه في البداية عن ذلك..

قد يبدو ما يحدث وليد الأشهر الأخيرة فقط، ولكن جذور الأمر تعود إلى ما قبل كورونا بكثير، إذ إنها ليست المرة الأولي التي يمتنع فيها الاتحاد الأوروبي عن تقديم مساعدات لإيطاليا للخروج من أزمتها.. فالأزمة الاقتصادية التي عصفت بروما منذ عام 2016، وبلغت ذروتها في 2018، أثارت موجة حنق شديدة في الأوساط الشعبية، ترجمت بوصول أحزاب تشكك بجدوى وجود الاتحاد الأوروبي، وتطالب بالانسحاب منه..

فروما التي كانت حتى نهاية التسعينيات أكثر الدول ديناميكية في الاتحاد الأوروبي، محافظة على سيادتها المالية، تعاني كساداً اقتصادياً كبيراً، إذ إن النمو الاقتصادي فيها انخفض إلى الصفر، خلال العقد الماضي، التي كانت فيه ضمن منطقة اليورو..

حيث يوجد نقص في التحديث الصناعي وهبوط حاد في الإنتاج المحلي، وتراجع موارد الدولة على إثره، فيما سجلت معدلات البطالة حوالي 9,7%، وحصة الشباب منها بلغت 31,6%، ويضاف إلى ذلك القطاع المصرفي، النقطة الأضعف في الاقتصاد الإيطالي، بحسب العديد من الخبراء والمحللين، الذي يفتقر إلى التمويل الكافي وتثقل كاهله القروض المتعثرة، التي تصل قيمتها إلى 360 مليار يورو، أي ما يعادل 20% من إجمالي الناتج المحلي..

ونتيجة لذلك ارتفع الدين العالم لإيطاليا إلى 130%، وانخفضت مستويات التشغيل، وانحدرت أسهم البنوك بشكل حاد.. وهذا أثار غضب بروكسل وحاولت معاقبة إيطاليا بسبب ضبط ميزانيتها السيئ، ولوحت بعقوبات مالية في حال لم تحسن روما نظامها المالي وتخفض العجز في الميزانية، فوفقا لقواعد الاتحاد، يجب ألا يتجاوز مستوى الديون لأي بلد 60% من الناتج الإجمالي المحلي..

مديونية إيطاليا فاقت قدراتها على السداد، في ظل حالة المصارف التي يرثى لها، ومع ذلك استمرت بروكسل بالضغط على روما، واشترطت لتقديم المساعدة بعض الإجراءات الخاصة بخفض نفقات المعيشة، ما يعني تقشفاً حاداً وزيادة في الضرائب، وعلى روما دفع غرامات تصل إلى 3-4 مليار يورو، وهذا وضع البلاد أمام خيارين إما الانهيار الاقتصادي الكامل، أو الانسحاب من اليورو..

روما قدمت مشروع موازنتها لعام 2019، لكن المفوضية الأوروبية رفضته، معتبرة أنه يتجاوز المعايير الأوروبية إلى حد بعيد، ويرفع معدلات العجز إلى 2,9% لذلك العام، الحكومة الإيطالية لم تقبل تصحيح ميزانيتها من جديد، ما دفع بالمفوضية الأوروبية بالرد عليها والتهديد بفرض عقوبات تلخصت، وفقا للعديد من الخبراء، بإخضاع عملية الموازنة في إيطاليا لسيطرة بروكسل مباشرة، وهذا كان مرفوضا بشكل كامل من قبل الحكومة المشكلة من ائتلاف أحزاب مناهضة للاتحاد الأوروبي ومشككة فيه..

وخلال تلك الفترة ظهرت في إيطاليا فكرة استبدال العملة الرسمية “اليورو” بأخرى محلية منفصلة عنها لسداد الديون، يمكن استخدامها لدفع المستحقات المتأخرة للشركات التجارية وللمواطنين لدفع ضرائبهم، فمن غير المريح لروما أن تظل ضمن منطقة اليورو بعملة موحدة، حيث رأى خبراء أنه بدون وجود مركز إصدار كامل يخلق عملته الخاصة، من الصعب للغاية الخروج من الركود الاقتصادي الدائم.

الخلافات بين بروكسل وروما، انعكست على الداخل الإيطالي، وأخذت الغضبة الشعبية بالتدوين والتغريد عبر وسم #ITEXITE مطالبين من خلاله الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهذا الوسم بدأ منذ عام 2016، وينشط كثيراً على أيدي الحركات والنشطاء الداعيين للانفصال الإيطالي، وأصبح مقياساً للدلالة عن مدى الغضب الشعبي من “خذلان” الاتحاد الأوروبي للأمة الإيطالية..

وبعد ترك إيطاليا وحيدة في مواجهة كورونا، ثبت أن الأصوات التي نادت بالانسحاب كانت على حق، فالجائحة العالمية كشفت اهتراء المبادئ التي بني عليها الاتحاد الأوروبي، وانفراد الدول باتخاذ القرارات وإغلاق حدودها في وجه “شقيقتها” وسرقة مخصصاتها الطبية تسبب بخلخلة النظام الأوروبي، ومن المؤكد أن ما قبل كورونا ليس كما بعده، وهناك توقعات بأن يطالب الإيطاليون بإجراء استفتاء على خروج روما من عضوية الاتحاد.. فهل نشهد سقوط ثاني أحجار الدومنيو؟؟

البعث ميديا  ||  رغد خضور