مجتمع

الصورة لا تقول الحقيقة دائما

ربما من الجيد أن الصورة لن تكون قادرة على نقل حقيقة ما جرى، عندما كانت السيدة العجوز، تضرب حفيدها الصغير بتلك القوة على ظهره.

ملامحها كانت غاضبة جدا وهي ترفع يدها المتخشبة قبل أن تلقي بها على الظهر الغض لذاك الصغير!

لحدّ الآن تبدو الصورة غريبة فليس من عادة الجدات هذه القسوة، ومن شاهد المشهد وحتى من سيشاهد الصورة في حال كانت متوفرة، فبكل تأكيد سيصدر حكمه القاسي، وهل هناك أقسى من مشهد طفل صغير يُضرب بقسوة وعلى يد جدته؟

إلا أن متابعة المشي والاحتفاظ بتلك الذكرى العابرة القاسية لن يكون مكتملا، بل أن فيه شيئا من العبث الوجودي الذي لا يحتمل، فيه من السادية ما يحيل الدعة والطمأنينة بالرمزية الإنسانية التي تمثلها الجدة، إلى خوف وهاجس مؤرق، هل تغير الزمان إلى هذا الحدّ؟ تلك التي كانت بيت الأمان من غضب الكبار الأقارب منهم قبل الغرباء، ماذا حدث حتى صارت بهذه القسوة؟

ملامح الجدة كانت حادة وهي ترفع يدها وتهوي بها على ظهر حفيدها، يدها كانت ترتجف أما ملامحها فحادة ولا تبدي أنها مستعدة للتعاطف.

هذا هو المشهد العام المؤلم لعابر يعبره وبرأسه تعصف بلا هوادة تلك الأسئلة المحيرة، فمن أين له أن يعرف حقيقة ما يجري إلا ما يراه؟ ولو كان ما يجري بظاهره تم تثبيته كصورة أو مشهد قصير بكاميرا من الكاميرات الموجودة بكل يد اليوم، وحمل عنوان “الجدة القاتلة”، ماذا كان ليكون وقعه عند رواد مواقع التواصل الاجتماعي؟ الوسط الأمثل لتشويه القيم!

واقع الحال أن الصغير كان ابتلع ما علق في قصبته الهوائية ولم تجد الجدة إلا القسوة لمساعدته، فقدمتها بالصدق ذاته التي تقدم فيه الحلوى لأحفادها.

ملامحها الحادة تدل على أنها تصارع الموت العالق في المجرى الهوائي لحفيدها، وهي لن تتهاون معه مهما بلغ جبروته

الصورة لا تقول كل شيء، بل أنها أحيانا تقول الزور والبهتان، كحال هذه السيدة العجوز التي اكتفى من شاهد بما قامت به، بالتعبير عن استهجانه ولو بالنظر أو التمتمة المستنكرة، وكنّا كسوريين عانينا ما عانيناه خلال العقد المنصرم من الزيف الذي تخفيه الصور بل وتفبركه، عندما تم تسليط الصور المشغول بعناية عليها، لتكون من أكثر الوسائل نجاعة في تصدير الخوف والرعب، القتل والهمجية، البشاعة والقبح بأسوأ أشكاله.

لذا فعلى من يرى صورة أو مشهدا كالسابق وصفه، أو ما يماثله بالحالة الجوهرية، فليرفع صوت العقل قليلا، فالجدات لا يمكن أن يكن إلا حنونات مهما اخشوشنت أيديهن، وقست أصابعهن.

تمّام علي بركات