حلبمراسلون ومحافظات

جامعة حلب تناقش الثقافة الزراعية كحضارة أُسَريّة

حلب ـ غالية خوجة

تكريساً للاعتماد على الذات، ولمزيد من تطوير الإنتاج، تأتي الثقافة الزراعية بُعداً مستداماً في أسلوب الحياة الحضارية، لتشكّل عاملاً مضاداً للحصار والإرهاب والفساد، مما يجعل المجتمع السوري أكثر تشابكاً، بعيداً عن الأمراض النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وانطلاقاً من أحد محاور كلمة سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد أمام مجلس الشعب الحالي، انطلقت من جامعة حلب ـ قاعة أبو بكر الرازي ـ كلية الطب، ورشة تخصصية عقدتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بعنوان “التشبيك بين كليات الزراعة في الجامعات السورية والمؤسسات المعنية، لتعزيز دور الزراعات الأسرية ـ المنزلية في تحقيق الأمن الغذائي والاستقرار الأسري، وذلك بمبادرة من الاتحاد الوطني لطلبة سورية، وبالتعاون معه، وضمن مبادرة “الابتكار في الزراعة الأسرية”.

ضمت هذه المبادرة المتواصلة على مدى يومي (10ـ11) تشرين الأول الجاري، الفعالية أربع جلسات، تجسد أربعة محاور: (البيئة التمكينية والوجستية للزراعات الأسرية/ المؤسسات المعنية بالزراعات الأسرية بين الأدوار والمسؤوليات/ المبادرات والتجارب السابقة/ التنمية الريفية والاقتصاد المحلي ودور المشروعات الصغيرة والمتوسطة).

افتتح الورشة رئيس جامعة حلب الدكتور ماهر كرمان مؤكداً على أهمية الثقافة الزراعية لأبعادها المختلفة البيئية والاقتصادية والاجتماعية، ملفتاً إلى ضرورة الاهتمام بفرعيها النباتي والحيواني، في كافة المراحل، من البداية إلى الرعاية إلى الإنتاج إلى التسويق، وهذا بدوره، يؤدي إلى تأمين فرص عمل، وزيادة الدخل، وتوجيه الطاقات بفاعلية لإنجاز الأمن الغذائي والمادي والنفسي والاكتفاء الذاتي.

وأشار د.كرمان إلى تجربة “جبل الحص بحلب”، وكيف قدمت دوراً تنموياً لا سيما في دعم المرأة، والتنمية الزراعية التي تتبعها التنمية الصناعية والتنمية التجارية، ملفتاً إلى ضرورة تشبيك هذه المشاريع ببرامج متكاملة مع الجامعة والبحث العلمي.

وخصّ الدكتور كرمان صحيفة البعث بإجاباته عن بعض التساؤولات، قائلاً: الزراعة الأسرية هي عملية الاستفادة من أية مساحة موجودة حولنا لتأمين حاجة المواطن، ونعقد هذه الورشة للوصول إلى أفكار ومقترحات جديدة داعمة للزراعة الأسرية، ودعم الزراعات يأتي عن طريق المصارف لا سيما المصرف الزراعي.

وبدوره، تحدث الدكتور عبد المحسن السيد عمر عميد كلية الزراعة الذي ترأس فعاليات الورشة، عن الزراعة الأسرية وأهميتها وكيف تتوزع إلى زراعة حضرية في المدن، بين الأحياء، أسطح العمارات والمنازل والشرفات، وزراعة ريفية لها شروطها المناسبة، مؤكداً أن الدعم المادي مؤمن داخلياً من قبل الحكومة، كما أن هناك منظمات عالمية تساهم في هذا المجال مثل منظمة الفاو.

وأكد عميد كلية الزراعة بحلب للبعث على ضرورة المشاريع الزراعية الصغيرة والبسيطة سواء كانت من قبل فرد من الأسرة أو من أفراد الأسرة، لأنها لا تحتاج إلى الكثير من المال والوقت، زفي الوقت ذاته، تساهم في توظيف طاقة الفرد، المتقاعد، المرأة، الطالب، الطفل، الشاب، توظيفاً إيجابياً منتجاً ومثمراً، وخصوصاً في زمن كورونا، مما يساهم في عملية الاكتفاء الأسري الذاتي، وهذا المشروع الصغير يتشابك مع المشاريع الأخرى لتحقيق التكامل وإعادة الإعمار نباتياً، وبيئياً، وإنتاجياً، ونفسياً، واجتماعياً.

بينما أكد ياسر جاويش رئيس اتحاد الطلبة بحلب على الفعالية التي تشمل اللقاء النوعي بين جميع المعنيين في القطاع الزراعي، وأهمية الاستمرار بعد انتصارات جيشنا العربي السوري، لتحقيق المزيد من الانتصار في مجال الأمن الغذائي ضد الحرب الاقتصادية الاستعمارية، وإنتاج المزيد من الثروة الزراعية السورية.

ومن جهته، ركز الدكتور في قسم الاقتصاد الزراعي أحمد جدوع على تناغم الجوانب الاجتماعية التي استطاعت أن تجعل هذه الخطط شاملة ومختلفة خصوصاً المجتمعات الريفية، بالتشارك مع الجهود المحلية والإقليمية والدولية، مما أنتج عدة مشاريع تنموية، منها التنمية الريفية في الجنوب السوري، وتجربة جبل الحصّ بحلب، وتجربة تربية النحل، مبرزاً أهمية ودوركل من الحديقة المنزلية، وأهمية ودور تمويل المشروع الوطني.

ومما تقدم، نتبين كيف أن المشاركين في جلسات اليوم الأول أكدوا على عدة عوامل للوصول إلى التمكين والتفاعل بين الجهات المختصة، تعزيزاً للاقتصاد المحلي، وزيادة الخبرة من خلال التدريب والتأهيل، كون سورية معتادة على الاكتفاء الذاتي، لأن الأمن الغذائي ركيزة أولى أساسية في الحياة، إضافة إلى ضرورة الاستثمار الفعلي في الإنتاج الزراعي، وتأمين المكننة المناسبة والمتطورة، والحصول على أكبر كمية من وسائل الإنتاج، وزيادة الثروة الحيوانية، واستخدام الموارد بطرائق أفضل وأكثر فعالية، تضافر جهود سائر المؤسسات البحثية والزراعية والصناعية والتجارية مع جهود المزارع الفرد، وتشجيع مبادرات الأجيال الشابة، والجهود الوطنية في الزراعة والتشجير، مع الأمل بمساهمة عقد الأمم المتحدة للزراعة الذي انطلق عام 2019 في الحد من الجوع والفقر.

لافتين إلى أن أهم أهداف الورشة هو الوصول إلى الاستدامة من خلال التقييم والمتابعة ثم الاستدامة، ويبرز دور تقييم المشروعات، لضرورة الاستفادة منها وتجاوز عثراتها ومعوقاتها، بغية الوصول إلى المنهجية الأفضل، ومنها التغلب على المعوقات، والاهتمام بالتسويق كعملية ضرورية، وفكرة تشكيل جمعيات تسويقية، والاهتمام بالمكننة، والاهتمام بمزيد من توعية المزارعين وتأهيلهم، وضرورة التنظيم والترتيب والتشكيل، وتبني برامج ومقترحات وآراء نظرية وتطبيقية أكثر ملاءمة، من أجل الوصول إلى الدفعة القوية الكامنة في الإجابة عن هذا السؤال: ما هي الاقتراحات التي يجب ممارستها لضمان النجاح؟ وتحقيق الأهداف الثلاثين من الزراعة المنزلية الموزعة إلى 10 أهداف بيئية، و10 أهداف صحية، و10 أهداف اقتصادية؟

مؤكدين على أن الفلاح السوري مثقف زراعياً، لأنه يعرف ماذا يفعل، لكننا، ننتظر منه المزيد من المشاريع والأفكار والاقتراحات، ليصبح نموذج المشروع السوري أكثر تألقاً، محققاً لغاياته العديدة، ومنها الاستفادة القصوى من الأراضي المهمشة، زيادة الدخل، خلق فرص عمل، الاستفادة من القيمة المضافة، تأمين الاستقرار الأسري، دعم الزراعة العائلية، تحقيق الأمن الغذائي، مساعدة الجهات المستهدفة في المناطق الفقيرة والمتضررة، تأمين الدعم المادي المناسب لهذه المشاريع لا سيما لأسر الشهداء وجرحى الوطن والنساء العائلات.

كما أكد المشاركون على تشابك وتشبيك المراحل المختلفة، منها المرحلة الإنتاجية ومرحلة الدعم، ومرحلة إحداث أسواق وصالات لبيع المنتجات محلياً مثل صالة اللاذقية، وصالة قيد الإنشاء في كل من ندينة حلب والسفيرة، وبقية المحافظات، إضافة إلى تسجيل المشاريع الزراعية الأسرية في السجلّ الوطني، غير غافلين عن دعم مستلزمات الإنتاج والدعم الإرشادي.

واستوقفنا العديد من الأفكار والأسئلة، منها سؤال أسامة طوزان ممثل الغرفة الزراعية بحلب: كيف نعيد الزراعة والمزارعين إلى قرانا؟ وكيف نبدأ العمل؟ وتابع: منذ 2016 ونحن نوزع بزار الخضراوات الصيفية والشتوية والأقماح والأسمدة، لكننا لا نجد مزارعاً في أرضه وبيته! في ظل الأزمة السورية، لماذا لم يتم التركيز على الزراعة الحضرية؟

كما أشار د.أحمد معروف إلى التحديات المختلفة، منها ضرورة معالجة آثار التدمير الممنهج في الريف من شبكات الري وغيرها، معالجة الآثار الاجتماعية وإعادة التشبيك الفعلي من خلال توفير كل ما يلزم للمزارعين، إضافة إلى المشاركة الشعبية في المشاريع والبرامج، والتشبيك الفعلي بين المنظمات والجهات المعنية.

وتساءل د. سامي إبراهيم رئيس قسم الإنتاج الحيواني في كلية الزراعة بجامعة حلب عن الإنتاج الحيواني كثروة تعتبر من أهم وأخطر المحاور وكيفية الاعتناء بهذه الثروة وتطويرها بشكل مستدام.

بينما تداخلت المهندسة أماني عمري قائلة: واجهتنا مشاكل مختلفة منها مشكلة الإقراض التي لم تأخذ مداها المناسب كونها خاصة بالزراعة، ومشروطة بشروط معينة.

وضمن هذه المناقشات، سألت البعث مصطفى الجيسي أحد الطلاب الحاضرين عن رأيه، فأخبرنا: أغلب الريف غير مسكون، والاعتماد الزراعي يقوم على مناطق محددة، مثلاً السفيرة في حلب، وتابع: من الممكن الاستفادة من أسطح البنايات في الزراعة، تجربة نجحت في دول أخرى مثل الصين، كما أننا نحتاج إلى خبرة زراعية يمتلكها الجميع، إضافة إلى ضرورة الدعم المادي والتشجيع المستمر، ودعم “الديزل”، والأسمدة.

حضرت الجلسات شخصيات رسمية وعلمية ومسؤولة، وتفاعل الحضور المثقف من خلال التساؤلات الهامة عن كيفية توفير أقصى إمكانيات متكاملة للتمكين في مختلف المراحل اللازمة لإنجاح المشاريع، إضافة إلى المداخلات التي اغنت الجلسات، والاقتراحات التي كان منها: ضرورة إنجاز خطة شمولية مستدامة، تضم إجراء دراسة شاملة ومفصلة للتربة والبذار من حيث التناسب والخط البياني المتوقع للإنتاج، توظيف عملية إعادة التدوير في إنتاج أفضل مثل الاستفادة من مياه الصرف وبقايا المحاصيل والبقايا النباتية والحيوانية، متابعة المشاريع من قبل لجان متخصصة، تشجير الشوارع بأشجار مثمرة مثل النخيل، تخصيص مساحة مناسبة للزراعة المثمرة في الحدائق العامة وحدائق الأحياء، تقديم قرض دون فائدة، وتحويل الأقساط لصالح الأسر المتضررة والمحتاجة، إنشاء جائزة مناسبة لأفضل المشاريع ببعد مادي وآخر معنوي حيث يتم ضم المشروع الفائز إلى الجهة الحكومية تسويقاً وتوزيعاً.

نذكر أن هذه الفعالية تأتي ضمن إطار الجهود المبذولة للترويج للزراعة الأسرية باعتبارها المفتاح لنظام غذائي يحقق أهداف التنمية المستدامة مع مراعاة التغير المناخي وتزايد عدد السكان الديمغرافي، مما يساهم في تأمين الغذاء والاستقرار وتأمين فرص عمل وزيادة الاستثمار الفعلي الزراعي والصناعي والتجاري، وقبل كل ذلك، زيادة الاستثمار الإنساني للطاقات الإيجابية.