دوليسياسة

سياسة الضغط الأقصى ..والقراءة الجديدة ؟

شهدت حركة انتقال السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية بين إدارة الرئيس المنتهية ولايته ” دونالد ترامب ” والرئيس الجديد ” جو بايدن ” فصولاً من مسرحية غير تقليدية في بلدٍ يدعي تطبيق الديموقراطية ويتغنى بها أمام شعوب العالم, بل إلى أكثر من ذلك إن دولاً عديدة خارجة عن الطاعة الأمريكية تعرضت لاعتداءات وحروب ظالمة تحت يافطة غياب الديموقراطية فيها وغيرها من الاتهامات الباطلة غير الواقعية, لأهداف استعمارية بحتة مغطاة بعناوين إنسانية مخادعة, وقد لا تختلف إدارة الرئيس الأمريكي الجديد ” بايدن ” عن سابقتها في العمل بكل الوسائل المتاحة لتحقيق مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في العالم وبالأخص الكيان الصهيوني رأس حربتها في منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الدولية الكبيرة التي أصبحت ساحة صراع مستمر بين القوى الكبرى في العالم نظراً لموقعها الجيوسياسي الهام .

بقراءة سريعة على تشكيلة الإدارة الأمريكية الجديدة ذات العلاقة نستطيع أن نكوِّن تصوراً أولياً حول سياسة الولايات المتحدة المتوقعة تجاه المنطقة, حيث نجد أن تعيين ” أنتوني بلينكن ” وزيراً للخارجية وهو من بين السياسيين المخضرمين الذين كان لهم دوراً مهماً في إدارة الرئيس ” أوباما ” الديمقراطية ويعتبر أحد أهم مهندسي الاتفاق النووي مع إيران, إضافة إلى تعيين ” روبرت مالي ” مبعوثاً خاصاً أمريكياً إلى إيران والذي لاقى استهجانا واضحا من قبل مجموعات الضغط الصهيونية في أمريكا, وتسليم ” ويلم بيرنز ” مديراً لوكالة المخابرات المركزية ال ( CIA ) كل هذه التشكيلة تُمثل رسائل تهدئة و مبادرات حسن نية تجاه إعادة ترميم ما خربته إدارة الرئيس ” ترامب ” مع إيران ودولاً عديدة أخرى وسبب حالة من التوتر الدولي الشديد في المنطقة وهي الحالة الأولى في السياسة الدولية التي حدث فيها تناقض واضح إلى حد الخلاف بين سياسة الولايات المتحدة وحلفائها في القارة العجوز الذين وجدوا ان انسحاب ” ترامب ” من الاتفاق النووي مع إيران خطأ كبير لم يوافقوا عليه وأبدوا تمسكاً بتنفيذ الاتفاق المصدق عليه بقرار دولي من مجلس الأمن الدولي, رغم إبداءهم عجزاً ظاهرياً برفض العقوبات الأمريكية المشددة على إيران ومماطلتهم المستمرة في تنفيذ البرنامج الاقتصادي المتفق عليه مع إيران بشأن الالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة عليها وإبطال مفعولها, وهذا ما جعل إيران تسحب التزاماتها التي حددها الاتفاق بعد إعطاء أكثر من مهلة للاتحاد الأوروبي من اجل تنفيذ البرنامج الاقتصادي المتفق عليه.

يقول ” روبرت مالي ” الموفد الأمريكي الخاص لإيران في تغريدة له : ” إن سياسة “أقصى ضغط” التي انتهجها الرئيس السابق أدت إلى ارتفاع مخزون إيران من اليورانيوم المخصب . ” وهي قراءة جديدة واتهام مباشر لفشل سياسة الضغط الأقصى التي مارستها إدارة ” ترامب ” ضد إيران بشكل خاص ومحور المقاومة بشكل عام, بتحريض علني من إسرائيل و القوى الداعمة للكيان الصهيوني في الدولة العميقة المسيطرة على صناعة القرار الأمريكي, وقد أكدت وسائل إعلام عديدة إعادة فتح خطوط الاتصال السرية بين إدارة ” بايدن ” وإيران من أجل وضع تصور واقعي لضخ الحياة من جديد في الاتفاق النووي.

وبخصوص سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة في سورية يصعب وضع تصور دقيق في أجواء التناقض الدولي الكبير حول الصراع ومخرجاته, وستعمل إدارة ” بايدن ” على استمرار اللعب على عامل الوقت لكسب المزيد من الأهداف وعلى رأسها حماية التفوق العسكري الاسرائيلي, وبقاء دعمهم في المرحلة المنظورة على الأقل للانفصاليين الأكراد في شمال وشرق سورية كآخر ورقة يمكن استثمارها في سباق المصالح الدولية, رغم قناعة الجميع بأنها ورقة باطلة ولن تعطي أي نتائج دائمة على الأرض .
نستطيع القول بكل قناعة وجرأة بأننا نعول كثيراً في سورية على حكمة قيادتنا السياسية وعلى رأسها السيد الرئيس بشار الأسد القائد الشجاع الذي حمى سورية وصان كرامتها رغم شدة الضغوط من محور الأعداء المسعور, كما نثق ببسالة جيشنا الوطني وقدرته الكبيرة على تحرير كل حبة تراب سليبة من أي قوة احتلال كانت, مهما كلف ذلك من تضحيات غالية.

محمد عبد الكريم مصطفى