مساحة حرة

قمّة المفارقات الإنسانيّة!

حالة من الازدواجية شهدتها قمة العشرين التي انعقدت مؤخراً في مدينا روما الإيطالية، فما بين البحث عن تعزيز قدرات الدول المتقدمة وإمكاناتها، كانت الدول النامية تبحث عن إيصال صوتها، بأن هذه القمة وما تمثلها من دول صناعية متقدمة هي السبب الرئيس في إفقار تلك الدول الشعوب، وهي السبب في الكثير من الأزمات الناجمة دولياً من طاقة وبيئة وحروب وما لف دورها في فضاء الأزمات المعقدة المتشابكة.
ولكن اللافت في هذه القمة هو مساران اثنان، وبطلتهما كالعادة الولايات المتحدة الأمريكية التي اعتادت سواء من خلال علاقاتها الثنائية أو الجماعية أو التكتلية أن ترسخ أهدافها أولاً، النهج هو ذاته سواء بإدارة ديمقراطية أو جمهورية، وسواء كان ترامب الشعبوي في البيت الأبيض أو بايدن المريض هو من يقود الدفة، الجميع سواسية.
وبالعودة للسلوك الأمريكي في هذه القمة فهو تجلى في مظهرين الأول هو سعي الولايات المتحدة الأمريكية للاصطياد بالمياه العكرة واتهام خصومها روسيا والصين من خلال هذه القمة بوقوفهما خلف تلوث البيئة وتغير المناخ لأهداف سياسية واقتصادية على حد سواء، كما كان موقفها بالضبط حيال مسألة اللقاحات.
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال تلك الاتهامات لتحشيد القوى الدولية التقليدية والتي شكلت عماد قمة العشرين في دعم موقفها وهي بذلك تزيد الضغط على خصومها سياسياً من ناحية وتبرئ نفسها وهذه الدول من جريمة ما شهده النظام الدولي نتيجة توحش ليبراليتها الرأسمالية، ومن جانب آخر، إن واشنطن سعت لاستخدام هذا الاستحقاق الدولي في محاولة منها للضغط على الصين لتخفيض نموها الاقتصادي، واستخدام هذه المنصة الدولية بذريعة البيئة وحمايتها التي انسحب ترامب منها لتطويق اقتصاد الصين بالتوازي مع الجهود السياسية والعسكرية التي تسلكها واشنطن في هذا المجال.
أما المسار الثاني الذي حاولت واشنطن كسبه لصالحها عبر المؤتمر يتمثل في تبني عدد من الاقتراحات هي ذاتها التي خرقتها وهيأت الظروف من خلال ليبراليتها وهيمنتها واستهتارها بمستقبل ومصير الشعوب، لتعزيز رواسب الفقر والتلوث، بما في ذلك الاقتراح الذي تبنته المجموعة في نهاية مؤتمرها والمتمثل بوقف تمويل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في الدول الفقيرة، دون أن يحددوا جدولاً زمنياً لإنهائها بالتدريج في الداخل، ولم يصلوا إلى حد الموافقة على إنهاء استخدام الفحم في بلدانهم، وخاصة أمريكا التي تستهلك 20 بالمئة من الفحم العالمي، وتحرم هذه الدول أو معظمها، بفعل العقوبات، من الحصول على مصادر توليد الطاقة التي تعتمد على التكنولوجية “كالطاقة البديلة”.
لذلك من خلال متابعة ما حصل من تجاذب من ناحية في قمة العشرين، ومن ناحية ثانية من التسابق في استعراض العضلات عبر التصريحات الفضفاضة، نصل لقناعة بأن هذه القمة لم تشكل سوى:
أولاً : استمرار السياسة الأمريكية التقليدية في توظيف المنظمات الدولية بمختلف أشكالها لتحقيق أهداف بالمعنى السلبي عبر الانسحاب أو إيقاف التمويل، أومن خلال حصر القرار وفرض الأجندات.
ثانياً: بات اليوم استخدام شعار “البيئة” وسيلة ضمن المنافسة الاستراتيجية بين الدول الكبرى، ومحط تبادل في محاولة كل منهم تبرئة نفسه مما ارتكبه أو للاصطياد بالخصم الآخر.
ثالثاً: استثمار الوضع الخارجي للصالح الداخلي، وخاصة أن بايدن يبحث عن أي إنجاز خارجي لتحسين موقع حزبه الانتخابي قبل الانتخابات النصفية العام القادم 2022، وتحسين مستوى شعبيته المتردية.
رابعاً: إن الخاسر الأعظم والأكبر دائماً في صراعات الدول الكبرى، التي غالباً ما تصبح “كبش فداء” في تجاذباتهم وتتحول للحطب في معاركهم والمنسية في اتفاقاتهم، هي الشعوب النامية أو الفقيرة، وما كورونا إلا خير دليل.

البعث ميديا – محمد نادر العمري