ثقافة وفن

ابحث عن أسباب النّجاح..”ابدأ بـ لماذا”

 

هي كلمة السرّ التي تحمل معها سبب نجاح أي عمل، فمنها تكون البداية، ومع تحديد ماهيّة الأسباب نرنو للنتائج، فنحدّد المسار ونرسم ملامح التجربة ونسعى إلى الإنجاز، فكلّ عمل أيّاً كان نوعه، ومهما كان حجمه، لابدّ أن يمتلك الرسالة التي تبثّ الرّوح في جسده، وتمنحه التّماسك والقوة، وتضمن له الديمومة، فتكون هي المنارة التي تحميه من التعثّر وتصوّب الوجهة نحو المزيد من الطموح، هي كلمة يجب أن نبدأ بها ولابدّ من الإجابة عليها: “لماذا”..

لعلها أفكار لا بدّ من مواجهتها لنستطيع معرفة لماذا نقوم بما نقوم به، ولعل “سيمون سينك” من خلال كتابه الذي يصنف ضمن كتب تطوير الذات “ابدأ بلماذا”، واجهها بقوة وعمق في آن، ليدخل في الأسس والبنية والكيفية والشكل، حيث حاول التأكيد على أهمية تنظيم التفكير ووضوح الرؤيا والتعمق الصادق مع الذات قبل البدء بأي خطوة نقوم بها، فهو الأسلوب الأسمى للوصول والإبداع والابتكار بعيداً عن السائد والنمطي، فلكل فكر إبداعي أو عملي أسبابه وأهدافه المختلفة التي تؤدي إلى إبداعات متفردة، ودعم الكاتب نظريته من خلال قصص نجاح واقعية استطاعت أن تغيّر وتترك أثرها في حياة الإنسان، فعرض لأول تجربة تحليق في التاريخ من خلال “الأخوين رايت” اللذين لم ينالا القدر الكافي من التعليم، إلا أن حبهما للطيران وشغفهما بابتكار ثوري يحقق حلم الكثيرين بالطيران كان دافعاً حقيقياً للتصميم على الإنجاز، واستطاعا بهذه الإرادة أن يلهما مجموعة عمل من حولهما وأن يقوداها سعياً نحو الحلم الذي تحقق حين تمكّنا من صناعة مركبة طائرة، ونجحا في التحليق لأول مرة في التاريخ،  ويرجع الكاتب سبب هذا النجاح إلى البدء بمعرفة الأسباب وصولاً للنتائج، كما تصدّى سينك لنموذج آخر للنجاح تحدث فيه عن شركة آبل التي تحدّت التفكير النمطي في اختراع الحواسيب والإلكترونيات، ورفعت سقف طموحاتها في الابتكار، حيث استطاع ستيف جوبز برؤيته المختلفة والواضحة توجيه فريق عمله نحو تقمّص الأفكار الخاصة بالمستهلك ليعلم ما يحتاجه بالفعل، وبالتالي يكون الإنتاج حسب الطلب والهدف الذي حدده منذ البداية بلماذا..

خاض الكاتب أكثر في فكرة تحديد الأسباب الضامنة للنجاح في أي عمل، فوجد أن ما جمع التجارب الناجحة هو طريقة مشتركة إلى حد بعيد في التفكير، جسّد هذه الطريقة بدائرته الذهبية التي يشكّل فيها السؤال “لماذا” مركز الدائرة وعمقها، ليتجه نحو خارج الدائرة وأطرها لنتبين بالسؤال “كيف” طرائق وخطط تحقيق هذا الهدف، وصولاً إلى السؤال “ماذا” .. فنحدد من خلاله النتائج، ماذا أعطينا وقدمنا، وهل حققنا الهدف المرجو ووصلنا إليه، وما هي نسبة الوصول، وما هو الأفق، في محاولة لرسم مسار تطوير جديد، يبدأ من مركز الدائرة مجدداً..

لعل من أهم الأفكار التي عرضها سينك هي فكرة الإلهام وأهمية أن يكون قائد أي مجموعة عمل أو مؤسسة، أو حتى فكرة، إنساناً ملهماً لمن حوله، فالإلهام لا يجب أن يكون حكراً عليه كونه صاحب العمل أو قائد المجموعة، بل يجب أن يعلمه لمن حوله وهذا دور القيادي في أي مكان، إضافة الى أهمية بناء الثقة، من داخل المؤسسة وبين فريق العمل أولاً، مع التأكيد على أهمية الإيمان بالعمل وبرسالته وفق القيم والمبادئ التي لا بد من التمسك بها لضمان نجاح أي عمل..

استطاع هذا الكتاب تقديم وصفة سحريّة ضامنة للنجاح من خلال البحث عن أسبابه وتجسيد نتائجه، ولعله من أفضل الكتب التحفيزيّة التي تُعنى بتطوير الذات، والتي يمكن الاستناد عليها قبل بدء القيام بأي تجربة تسعى للنجاح والانطلاق نحو الطموح، فالمعايير والنماذج المطروحة كانت في جلّها واقعيّة وحقيقيّة إلى حدّ بعيد، كما أنها استندت إلى أسس علمية وعملية وفكرية في آن..

 

هديل فيزو