ثقافة وفن

عن طريق التميّز

لعلّ قراءة تجارب الآخرين تضعك أمام ذاتك وجهاً لوجه لتقرأها بوضوح، وتحدد من أنت، وماذا تريد منك ومن الآخرين ومن الحياة، لتتحوّل القراءة أحياناً إلى فعل جاد لمحاولة اكتشاف الذات والخوض عميقاً في تفاصيلها ورصد انفعالاتها وأفعالها، وتبلغ هذه المحاولة ذروة أهدافها حين يختار القارئ توجيه ذاته نحو ما يكرّسها ذاتاً نبيلة متميّزة، ووضعها على سكّة تكون فيها قادرة على قيادة حياة كاملة، دون خوف أو ضعف، مهما تعثّرت الطرقات واشتدّت المصاعب..

بقدر من التأمّل وخوض في فلسفة خاصة بالحياة يحاول صاحبا كتاب، “مميز بالأصفر”، إتش جاكسون براون وروتشيل بنينيجتون، الإجابة على أسئلة لا بدّ منها لتعرف نفسك أكثر، وتكتسب القدرة على محاولة منحها التوازن والتعقل والحكمة، وتحدد من هم الأشخاص المؤثرون في حياتك، وكيف تحافظ عليهم، الكتاب الذي أراد أن يكون مختلفاً، اختار التميّز باللون الأصفر، تماماً مثل لون الكلمات التي نريد لأثرها أن يبقى فنمنحها اللون الأصفر..

  “تذكّر جيّداً أنّ النّاس على سطح هذا الكوكب لا يقفون في صفّ واحد طويل، أمعن النظر، إننا جميعاً نقف في دائرة في حقيقة الأمر، ونمسك بأيدي بعضنا البعض، إنّ أيّ شيء تمنحه للشخص الواقف إلى جوارك سيعود إليك في النهاية، هناك قدرٌ يجعلنا جميعاً إخوة، لا أحد منّا يسير طريقه وحده، وكلّ ما ندخله على حياة الآخرين يعود مرّة أخرى إلى حياتنا”..

ينقسم الكتاب إلى ستة فصول، تتناول تباعاً بعض أهم موضوعات الحياة، الإحسان، الكرم، الاستمتاع بأبسط الأمور، التوجه الذهني، الزواج، الأبوة، راسماً ببساطة الطريق الذهبي التي يمكن أن ينتهجه كلّ منّا بأسلوب مختلف، مستدلاً على ذلك بقصص دالة ومعبرة  ومواقف حياتية ونماذج تدعم الفكر الذي يريده..

يبدأ الكتاب أولى محطاته بالحديث عن معاني الإحسان التي لا تقتصر على الماديات، حيث يتوسع بمفهومه ومعانيه، فيعرض لمواقف حياتية واقتباسات لأهم المفكرين الذين يترجم كل منهم هذه القيمة بطريقته، مع محاولته اقتراح أفكار مختلفة لطرق إظهارها لمن حولنا، ليتطرق في محطته الثانية لفضل الكرم بمختلف أشكاله وأثره الذي لا يمحى، ويكرّس هذا الخلق بجمالية وإقناع، وكيف نجعله أسلوب حياة، ومن خلال سرده لمواقف حقيقية استطاع أن يربط بين الكرم وبين السعادة، وعبر فصل المتع البسيطة أوضح الكتاب كيفية الاستمتاع بالأشياء الصغيرة والبسيطة والتي قد تكون عادية جداً اعتدنا على وجودها في حياتنا وعلى رؤيتها كل يوم، لكنه يحرضك على الإبحار فيها والتمعّن بها لتراها بهيئة جديدة وببريق لم تكن تراه وتشعر به سابقاً، بل إنه يجعلك تعيد النظر في الكثير من التفاصيل التي تترك في داخلك شعوراً عميقاً بالرضا وبالدفء والامتنان بما تمتلكه أنت بالفعل، ويحضك على خلق شيء جميل دائماً في مجال رؤيتك..

وإن كان العمل على التوجه الذهني هو موضع بحث في العديد من الكتب، أبرزها كتاب السر  لروندا بايرن التي تتحدث فيه عن قوة الجذب وأهمية التوجه الذهني، إلا أن هذا الكتاب استطاع أن يتناول هذا التوجه ببساطة أكثر، وبأسلوب خاص، فيعلمنا كيف يمكن أن تتفوق التوجهات الذهنية التي نتبناها على الحقائق والمواقف، وكيف يمكننا أن نصبح أكبر من ظروفنا وأقوى من مخاوفنا عبر قرار بسيط ونتيجة فورية، مؤكداً أن الجزء الأعظم من سعادتنا أو شقائنا يعتمد على التوجه الذهني، وليس على الظروف، متطرقاً للكثير من المواقف الحياتية اليومية التي يمر بها كل منا وكيفية التعامل معها، وكيف نعاهد النفس على التفاؤل “عقيدة المتفائل”، ونبحث عن النور في أشد الأوقات ظلمة ونحوّل أي محنة نمر بها إلى منحة..

استطاع الكتاب من خلال فصل الزواج، أن يوضح كيفية الحفاظ على هذا البناء الإنساني الهام وعلى وعوده وأسسه، حيث يفصّل الكتاب الخطوات الواجب اتباعها في الاختيار ووسائل تمتين العلاقة الزوحية، ومعايير الزواج الناجح، كما يسرد قصصاً عن الوفاء والتضحية وأهميتها في حياة الزوجين، كما أن لفصل الأبوة وقعه الخاص في النفس، من خلال القصص المؤثرة التي عرض لها، والتفاصيل التي أكد من خلالها وجوب الانتباه لها في التعامل مع الأبوين، وبالمقابل، كيف يتعامل الأب مع أبنائه،  وكيف يكون أفضل معلم وقدوة لهم..

حجزت الكتب التي تتوجه نحو تطوير الذات وتعزيز الوعي والإدراك، ومنها “مميز بالأصفر”، لنفسها مكاناً متميزاً لدى القراء، وخاصة الشباب، فنجد الغالبية منهم يفضلونها عن غيرها، ربما لأنها تمكنت من جمع القيمة والبساطة في آن، كما أنها استطاعت أن تخاطب العقل والقلب، ولعلها منارة الطريق، التي يتضمنها الكتاب، والذين هم بأمس الحاجة إليها..

 

هديل فيزو