ثقافة وفن

خذوا الحكم من فنانات الغناء الفالت!

جريا على عادة الفنانات “الكبيرات”، من فنانات المقاصف والديسكو ومرابع اللهو، -وهذه ليست سبة أو شتيمة، بل هي سمة هذا النوع من الفن الشعبي الفالت-إذا جريا على عادة هؤلاء، ونزولا عند رغبة التاريخ في توثيق الحالات العجائبية، التي تنضم إلى خزانته بغض النظر عن قيمتها، تترك “الفنانة” ريم السواس، أثرها البليغ بين جمهورها و”فانزاتها”، بعد أن شاركتهم حكمتها التي اكتسبتها من التجربة الصعبة، المريرة، التي اختبرتها، وقررت أن تنقل ما تعلمته منها إلى الجمهور-فهذه من وظائف الفن- على شكل أغنية “متعوب” عليها شعرا ولحنا وفي العزف أيضا والأداء، يقول مطلعها: “أكبر غلطة بحياتي، عليت واحد واطي” ومن ثم تتوالى بقية العبارات التي هي غالبا بلا معنى، وذلك كي لا تنازع “الأورغ” والطبل مكانتهما الفنية، فلا يحدث أن يشرد ذهن من يستمع لها، وتتلهى حواسه عن متابعة “دبح” الأورغ، وشيلات الطبل! من هذه الجمل مثلا: “طيبة قلبي دمرتلي حياتي” وكانت ريم السواس، قد شكرت وحمدت في أغنية سابقة، لأن ما وصلت إليه-بغض النظر عما هو-لم تحتج فيه لإنسان، ولا فضل لغيرها بعد الله عليه!

بقى هذا النوع من الغناء، الشعبي الفالت، مزدهرا في كازينوهات التل وغيرها، ردحا طويلا من الزمن، لا يسمع الناس به، إلا من كان على احتكاك مباشر بالفنانين في المكان هناك، وكانت تلك العبارات التي استهلكت “مبدعها” كسيجارة بينما يفكر مهموما بها و”يستشعرها” بقلق فكري عتيق، تحط في كثير من الأحيان أمام النظر، على شكل حكمة “شوارعجية” باعتبارها كانت تجوب الشوارع، وهي تتمختر على الزجاج الخلفي لباصات “السكانيا” و”الطرطيرة” وبشكل أقل على سيارات “التكسي” التي كانت تنفرد بحكم أخرى لها طابع تربوي-نفسي غالبا، ثم بدأت تتسلل من تلك الأماكن إلى أقراص “السي دي” مصورة بطريقة الفديو كليب، إلى أن صارت بفضل وسائط السوشيال ميديا، وأساليبها الجهنمية في الترويج لها، من أكثر الأغاني المتداولة هناك-على ذمة اليوتيوب طبعا- وهاهم نجوم هذا النوع من الغناء، يخرجون أيضا مع اغانيهم من مرابعها، ويدخلون عوالما أخرى بما يقدمونه من أغاني قمة في “الرقي” حقيقة، خلا بعض المنغصات التي لا تفسد للود قضية هنا، كالشتائم، الكلام البذيء، الايحاءات المخجلة-وهي مطلوبة في هذا الغناء، كونها تُحفز على التفاعل المباشر مع جمهور المترنحين، المسرنمين على وقع “جنو نطو”

في السنوات العشر الأخيرة، سطع نجم العديد من نجوم هذا النوع “الفالت” على سبيل المثال لا الذكر “سارية السواس” “سارة زكريا” صاحبة تحفة “بيبي” وتقول فيها: “نجي نتزوج بالسر، أهلي وأهلك ما يدرون، تجي ناخد بيت صغير، ونخلف بيبي صغيرون” ويلاحظ القارئ ما في هذه العبارات من خصوبة في موت الخيال، وإيناع لليباس، عدا عن الصياغة التي يمكن أن تستعيض فيها عن أي مقطع دون أن يؤثر ذلك عليها، وهذا سببه أن الفن الفالت غير محكوم بجودة صوت المغني أو حسن أداءه، وغالبا وجوده شكلي فقط، لأن الأورغ مستعد “لشيل” الليلة كلها، بينما تقوم المغنية بتوزيع ابتسامة هنا وهناك، وهي تسأل السهارى: “من صاحب التاهو” وهذا تمهيد عبقري منها، فهي عما قليل “ستشلع ضبانات” عقل الحضور، بأغنيتها التي تقول في مطلعها بتحد وصلصلة: “لا تجينا بالتاهو” وأحيانا “باللكزس” حسب سيارة الزبون الملك.

لا أدري ما هي الضرائب التي يدفعها هؤلاء، ولكن يجب أن تكون كبيرة، كبيرة جدا، فأثرهم أفتك وأمضى من أثر “الجراد” في الحقول!

تمّام بركات