الصفات السبع للفكر التكفيري
من يفجّر نفسه في مدنيين ومن يضع المتفجرات في سوق أو شارع مزدحم أو مرفق عام ومن يهمّ بجزّ عنق مواطن آخر أو أسير أو جريح لم يولد بالضرورة مختلاًّ أو مجرماً أو معتوهاً أو مشبعاً بالكراهية العمياء إلى هذا الحدّ بل ثمة «ثقافة» و«فكر» اخترقاه كالفيروس ليحوّلاه إلى أداة طيّعة قابلة للاستخدام الدموي أداة لا تعقِل ولا يمكن التفاهم معها بالحوار ويسهل إطلاق عنفها المجنون ممن يخططون ببرود لاستهداف الوطن والمواطن.
رغم أن اللحظات التي تنفلت فيها جحافل «الحشّاشين الجدد» من عقالها ليست البتة لحظات حوار أو مناظرات عقلية حين لا يعود ثمة مفرّ من واجب إيقافهم عند حدّهم لاحتواء الدم والدمار الذي يتركونه في أثرهم فإن ذلك لا يعفينا من التفكير ملياً في تلك «الثقافة» وذاك «الفكر» الذي يدمن حامله القتل والتمثيل والتفجير والتدمير وسفك الدماء وقتل المدنيين. فهو أوّلاً «فكر» يتطلب تعطيل العقل تماماً ولهذا يمثل التتمة الطبيعية لفتاوى «إرضاع الكبير» و«نكاح الوداع» و»جهاد المناكحة» الخ… فهو «فكر» اللافكر الذي يعادي العقل أساساً ويرفض أحكامه المنطقية.
وهو ثانياً «فكر» يتطلّب تعطيل الإيمان وكل ما هو سامٍ ومتسامح ورحيم في الدين واستبداله بتفسيرات وحشية متعصّبة لم يعرف لها الإسلام مثيلاً في تاريخه. وكما جاء في سورة يونس: «ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين».
وهو ثالثاً «فكر» معادٍ للإنسان كإنسان يحتقر الحياة البشرية وكل ما يمثله الإنسان من مشاعر وأفكار وقوة وضعف وعلاقات اجتماعية وحريات شخصية. وتشكل استباحة الإنسان وحياته وأمنه وحريته هنا انتهاكاً صريحاً للحكم القرآني الوارد في سورة المائدة: أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعاً.
وهو رابعاً «فكر» مناهض لفكرة الوطن يحوّل المواطن المخالف في الطائفة أو العرق أو الذي ينتمي للطائفة نفسها سوى أنه يرفض مبايعة «عصبة الحشاشين الدمويين» إلى هدفٍ لا عصمة لدمه وأمنه وبيته وأملاكه ما يقوّض النسيج الاجتماعي ويفتح الباب على مصراعيه للحروب الأهلية والتهجير والتدمير وتفكيك المجتمعات.
وهو خامساً «فكر» يشكّل النقيض الموضوعيّ لفكرة النهضة التي اشتغل بها مفكرو العرب منذ محمد علي باشا في بداية القرن التاسع عشر وهو «فكر» معادٍ صراحة لمفهوم الدولة الوطنية وللفكرة القومية.
وهو سادساً «فكر» معادٍ للمرأة ككيان وكوجود وكحقوق يريد وأدها وهي حية إذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت… وللوأد في القرن الحادي والعشرين أشكالٌ أدهى وأمرّ من أشكاله الجاهلية القديمة.
وهو سابعاً «فكر» رعاه الاستعمار واستخدمه تاريخيّاً لضرب تجارب النهضة والتحرّر الوطنيّ في العالم الثالث من الهند إلى أفغانستان للوطن العربيّ فهو «فكر» يبرّر لنفسه التعاون مع الاستعمار عندما يرى ممثّلوه ذلك مناسباً… والغريب أنه الجانب الوحيد «المرن» في ذاك «الفكر».
لذلك كله لا بد من إعادة إحياء الفكر القومي والفكر النهضوي بأشكاله كافة وفكر التحرّر الاجتماعيّ والوطنيّ بتلاوينه المختلفة كشرط ضروري لمعالجة الظاهرة الشيطانية من جذورها كي لا نبقى في حيّز الحلول الدموية التي تمثّل في الواقع نقطة قوة «فكر» اللافكر و»ثقافة» مناهضة الوطن والإنسان.
وما كان لمثل هذا «الفكر» أن ينمو لولا ضمور الفكر القوميّ واليساريّ والإسلاميّ المتنوّر…