المواطن بين مطرقة نقص الدواء وسندان لهيب السعر!
رغم التحديات التي تواجهها صناعة الأدوية المتمثلة بارتفاع أسعار بعض المواد الأولية، وتكاليف الإنتاج من شحن، ونقل، وزيادة الخطورة عليه، ناهيك عن استيراد بعض التجهيزات والأجهزة،
مع انخفاض حجم التصدير بنسبة 40 بالمئة، وما يعصف بالأسواق من ارتفاعات قياسية، فإن قطاع الدواء الوطني- باستثناء المستورد منه- مازالت أسعاره مقبولة نوعاً ما رغم ارتفاع السعر في الفترة الأخيرة، هذا يأتي في ظل ظروف صعبة أثّرت سلباً على الإنتاج بعد ما شهدته حلب (مدينة الصناعة) من إغلاقات عدة للكثير من المعامل والمنشآت في المناطق التي تتواجد فيها المعامل والمنشآت الدوائية بكثرة، ولكن رغم رخص الدواء فإن هناك مشكلة أخرى بالمقابل لا مفرّ منها يشير إليها أحد أصحاب المخابر الطبية بدمشق عبر المعاناة من النقل، والشحن، وتوفير المواد الأولية، فضلاً عن مسألة السعر التي ما زالت المشكلة، والعقبة الأساسية في ظل التحديات، والظروف الحالية، وما تتم إعاقته بالشحن، والنقل، وبالتالي زيادة التكاليف أكثر في الأجر، ما يترك آثاره على السعر عند الشراء!.
لم تعد منتجاً محلياً
نقابة الأطباء بدورها كان جوابها شافياً بأنه رغم خروج نحو30 معملاً دوائياً من الخدمة من أصل 90 معملاً، فإن أصنافاً قليلة فقدت من السوق، كون تلك المعامل مشتركة في إنتاج أصناف واحدة من الأدوية، رغم وجود أصناف مستوردة وغير مصنعة محلياً، واعترفت النقابة بوجود عجز في تأمين بعض قطع وأدوات التشخيص الطبية، ولكن عبر الاستيراد من الدول الشرقية ستكون الطريقة البديلة لذلك العجز، إضافة إلى وجود طرق جانبية عدة للتغلب على العقوبات المفروضة، منها الاستيراد من مصدر ثالث، أو بطريقة غير مباشرة، وهو الأمر الذي يزيد من التكلفة المادية، ومن الوقت اللازم لاستيراد تلك القطعة، لترى نقابة الصيادلة، على ضوء ذلك، أن الأدوية التي لم تعد تنتج محلياً بسبب الظروف الحالية، لا يعني ذلك فقدانها من السوق، لأن الوزارة تقوم باستيرادها، وتغطية النقص الحاصل في السوق، إن وجد، وكان نادر شغليل، نائب رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية، قد ذكر مؤخراً أن هناك عدة أصناف دوائية مفقودة من السوق بحدود 10 إلى 20 صنفاً، وإذا استمر الوضع سيزداد عدد الأصناف المفقودة تباعاً، ناهيك عن المخالفات التي تقع بأصناف دوائية، وهذا ما يزيد الأمور تعقيداً.
من هذه الناحية، أوضح فارس الشعار، نقيب الصيادلة، أن هناك الكثير من حالات الغش، والتجاوزات بمهنة الصيدلة، وقد ارتفعت نسبتها بشكل خطير مقارنة بالأعوام السابقة، مشيراً إلى الكم الكبير من المخالفات التي تم ضبطها في مختلف المحافظات من بيع الدواء بأسعار أكثر من التسعيرة النظامية، وبيع الأدوية دون وصفة، وأشار الشعار إلى أن قانون النقابة واضح وصريح، ويعاقب كل من يخالف، وتتم إحالته فوراً لمجلس التأديب من خلال لجنة مشتركة تقضي حسب القانون المنصوص عليه لدى النقابة ووزارة الصحة.
إذاً.. عرف السبب!
محمد الفحل، خبير اقتصادي، أشار إلى ضرورة توفر أصناف دوائية قد باتت مفقودة نوعاً ما اليوم في الأسواق، وذلك على ضوء الظروف، وعدم القدرة على نقل الأدوية إلى الأماكن الساخنة، مبيناً أن العقوبات الاقتصادية قد أثرت على استيراد بعض الأدوية في ظل امتناع الدول الأوروبية عن تصدير الأدوية لسورية، ناهيك عن أمور أخرى واجهت القطاع الدوائي كصعوبة التنقل لعمال المصانع، وما يعنيه ذلك من تأثير على استمرار العمل ببعض خطوط الإنتاج التي يتطلب كل منها العديد من الكوادر من المختصين، وغياب أحدهم يمكن أن يتسبب بوقف خط الإنتاج، وعلى الخلطة الدوائية التي تتراوح كلفتها بملايين الليرات، عدا عن المواد الأولية، رغم أن أغلب المواد الأولية الداخلة في صناعة الأدوية لم تتأثر حتى الآن، وأوضح الفحل أنه بالرغم من الاستهداف المستمر للمعامل الوطنية، مازال الأمن الدوائي مستقراً بعد أن سمحت وزارة الصحة بإنتاج الصنف الدوائي المحلي في عدة معامل في آن معاً، وذلك لمنع فقدان أي دواء عند استهداف أحد المعامل، وتلبية المزيد من الاحتياجات الدوائية، مضيفاً بأن المواطن شعر اليوم بنقص الدواء من جهة، وارتفاع سعره من جهة ثانية، خاصة أن الأدوية المستوردة من القطاع الخاص ارتفعت بنسبة نحو 50% خلال الفترة الأخيرة، مؤكداً أن ذلك مرتبط بمستويات سعر الدولار، وأسعار الصرف المحلية له.
داء الصيدليات!
بات المواطن اليوم يشكو أكثر من قبل فقدان أصناف عديدة من الدواء، وهي بالمجمل أصناف رئيسية لا استغناء عنها كالأمراض المزمنة، ورغم أن الكثير يتفهم حالة السوق اليوم من فقدان للأدوية نتيجة الظروف المحيطة، وإغلاق بعض المعامل أبوابها لاستهدافها من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة ، إلا أن صاحب الحاجة “أرعن “، حسب وصف أحد المواطنين، فالذي ينقصه الدواء سيدفع الغالي والرخيص لتأمينه لمريضه. “سارة ” مريضة منذ عامين بمرض القلب، لم تستطع الحصول على دوائها القلبي نتيجة نضوبه من جميع الصيدليات، علماً أن ابنتها سبق لها أن بحثت في أغلب الصيدليات لتأمين الدواء لأمها، طبعاً ما ينطبق على أدوية القلب يمكن تطبيقه على أدوية السكري. “رائد عزوز”، موظف قال بأن هناك حالات غش بأنواعها: “المادية، والمهنية، وتجاوزات تتعلق بأخلاقيات المهنة”، قد تسللت إلى نفوس العديد من الصيادلة، حتى وصلت إلى مستويات خطيرة، خصوصاً في المناطق الساخنة، كما أن هناك حالات تركيب أدوية مخدرة تباع بمبالغ عالية ودون وصفات طبية، خصوصاً في المناطق الساخنة!.
ليس بالأحسن!
أما حال الصيادلة فليس بالأحسن، إذ اعتبر العديد من الصيادلة أن طريقة التسعير الأخيرة للدواء “مجحفة وغير عادلة”، وأن هذه الطريقة في التسعير لا تعامل جميع الأدوية معاملة واحدة ضمن شرائح محددة، وقد باتت تكاليف إنتاج بعض الأدوية، حسب قولهم، مرتفعة جداً، وبعض الأصناف الأخرى لا تحتاج إلى رفع أسعارها، لذلك فإن هذه الطريقة برفع الأسعار تسببت بتفاقم المشكلة بدلاً من حلها، وليس هذا فحسب، بل إن رفع الأسعار، كما قال لنا أحد الصيادلة، جاء بطريقة مجحفة بحق الصيدلاني أيضاً الذي بات يتكلف بعملية نقل الأدوية من المستودعات إلى صيدليته في ظلّ الظروف الأمنية غير المستقرة، ليقول سمير الزين ” صيدلي”: إن طريقة التسعير جعلت أرباح كثير من الأصناف الدوائية غير كافية لعملية المخاطرة بنقلها إلى الصيدليات، الأمر الذي فاقم من المشكلة، على حد تعبيره، ومن ناحية السعر، مضيفاً أن الكثير يعتقد أن للصيدلي دوراً بذلك، إذ، على العكس، فإن أغلب الأدوية المستوردة من القطاع الخاص ارتفعت بنسبة نحو 50% خلال الأشهر الأخيرة، إذ إن ذلك مرتبط بمستويات سعر الدولار، وأسعار الصرف المحلية له، حيث يقدم مستوردو الأدوية البيانات الخاصة بمستورداتهم من الأدوية إلى الجمارك.