الذكرى الثالثة والأربعون للتصحيح ومعركة الصمود مستمرة !
محمد عبد الكريم مصطفى – البعث ميديا
يؤكد كتاب تاريخ سورية الحديث وخاصة المحايدون منهم بأن يوم السادس عشر من تشرين عام 1970 كان نقطة تحول مفصلية ليس في الحياة العامة لسورية وشعبها فحسب، بل كان كذلك منعكساً إيجابياً وبداية لنهضة قومية حقيقية انعكست بشكل واضح على العلاقات العربية – العربية على ساحة الوطن العربي لعقود تالية، لما حملته الحركة التصحيحية المباركة التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد من أفكار خلاقة ورؤى استشرافية لمستقبل الأمة لم يزل تأثيرها يُعطي نتائجه المشرِّفة على الأرض السورية حتى يومنا هذا بعد أربعة عقود ونيف كانت مليئة بالأحداث والوقائع ، عبرت الحركة خلالها عن تطلعات وطموحات الجماهير العربية ، وكانت صرخة أمل صادقة نحو تحقيق أهدافها في الحرية والاستقلال الفعلي، سيما وأن حزب البعث العربي الاشتراكي ولد من رحم الأزمة القومية الكبرى على أنقاض اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور المشؤومين.
جاءت الحركة التصحيحية المباركة في السادس عشر من تشرين 1970 كرد فعل موضوعي لما وصل إليه حال حزب البعث جراء تسلط العقلية المتصلبة المغلقة عليه التي تأثرت بأفكار الأحزاب الشمولية بطريقة القالب الجامد ، وما حمل معه من مخاطر على مستقبل الحزب ، كاد أن ينتج فرقة دائمة بين قيادة الحزب وأعضائه من جهة وبين جماهيره الشعبية التي أخذ الخوف والقنوط يتسلل إلى تفكيرها من جهة أخرى ، حتى أعلن القائد الخالد حافظ الأسد ولادة الحركة التصحيحية المباركة التي التزمت منذ انطلاقتها الأولى التمسك بحزب البعث كحركة جماهيرية منفتحة على الشعب وتهدف إلى الدفاع عن مبادئ الحزب ومنجزاته وتعهدت بالعمل على تحقيق أهدافه الإستراتيجية انطلاقاً من الثوابت التي حددتها أدبياته الفكرية ومنطلقاته النظرية على الساحة الوطنية والقومية بآنٍ معاً .
عملت الحركة وقيادتها فور تسلم مقاليد السلطة على تحليل الواقع العربي بدقة وطالبت بحشد الطاقات العربية المشتتة وتوجيهها في سبيل تحرير الأرض العربية المغتصبة والدفاع عن كرامة الأمة التي أوهنتها ذكريات الهزيمة ، فطرحت التضامن العربي كحل مرحلي بديل عن هدف الوحدة الذي يواجه مصاعب لا يُمكن تجاهلها أو القفز فوقها ولا مجال لذكرها مفصلاً بهذه العجالة، وقد لاقى الطرح قبولاً عربياً واسعاً تحققت بنتيجته منجزات قومية هامة في مقدمتها الدعم العربي الواسع للدول التي تقف في مواجهة المشروع الصهيوني التوسعي ، وكان من أولى نتائج التصحيح الانتصار الكبير في حرب تشرين التحريرية بعد أقل من ثلاث سنوات من عمر الحركة .
لا يسعنا أن نتناول منجزات الحركة التصحيحية المباركة بهذه المساحة الضيقة ، كونها تحتاج إلى مجلدات لكن لا بد من الوقوف أمام أهمها والتي كانت نتيجة طبيعية لتلازم الأقوال مع الأفعال على مدى عمر المسيرة ، فقد أكد بيان القيادة القطرية المؤقتة الذي وجهته قيادة الحركة لجماهير الأمة على تنفيذ برنامج عمل شامل على الساحة الوطنية والقومية والعالمية بما يُلبي مطالب الشعب ويُحقق أهداف الأمة .
ففي المجال الداخلي أكد البرنامج على حشد كافة الطاقات التقدمية والشعبية على ساحة الوطن في معركة التحرير وذلك من خلال إقامة جبهة وطنية تقدمية تضم الأحزاب الرئيسية على الساحة الوطنية بقيادة حزب البعث ، وتشكيل مجلس الشعب ليقوم بدوره الوطني في التشريع ووضع دستور دائم للبلاد ، وإصدار قانون للإدارة المحلية ، وانتخاب القائد حافظ الأسد رئيساً للجمهورية باستفتاء شعبي حر وديمقراطي ، ثم تلا ذلك إنشاء التنظيمات الشعبية والنقابات المهنية التي تُعطي مجالاً واسعاً للجماهير في ممارسة الديمقراطية الشعبية المنظمة ، وكان الاهتمام بتطوير المجتمع من خلال التعليم في كافة مراحله ، وخاصة في مجال التعليم العالي حيث صدر قانون الاستيعاب الجامعي الذي تلاه قرارات عديدة للتأهيل العلمي العالي وقد نجحت الحركة في تحقيق مستوى عالي من التطوير في مجال التعليم والبحث العلمي .
في المجال الاقتصادي لم نزل حتى تاريخه نقطف ثمار الرؤية الاقتصادية السليمة التي اعتمدتها الحركة التصحيحية في مجال اعتماد مبدأ التشاركية الحقيقية بين القطاعات الاقتصادية المختلفة العام والخاص والمشترك ، وقد حقق ذلك استقراراً وتوازناً في الاقتصاد الوطني عجزت دول كبرى عن تحقيقه على الشكل الأمثل ، مع إطفاء الشمعة الرابعة والأربعين من عمر الحركة نستطيع أن نؤكد بأن منجزاتها طالت جوانب الحياة العامة بكل أبعادها ، وأسست لبناء الدولة العصرية القوية ، ولا نغالي إذا قلنا بأن قيم ومبادئ الحركة التصحيحية كانت مشروع بناء اجتماعي واقتصادي ناجح أدى إلى تحصين المجتمع ضد كل الأمراض الكامنة أو الواردة عبر الوسائل المختلفة ، قال القائد الخالد في هذا المجال : ” لقد سلكنا دائماً طريق الصدق مهما كانت الصعوبات ، وحافظنا على كرامة الوطن والأمة مهما كلفنا ذلك من ثمن ، وحرصنا في كل خطوة على الاسترشاد بمشاعر الشعب ورغباته لأنها المرشد الصادق الحق ، ولن يضل الدرب من يهتدي بمشاعر الشعب ورغباته ، وبنتيجة ذلك حافظنا على الثقة المتبادلة بين القيادة والجماهير ..” .
لقد حققت الحركة التصحيحية أهدافها المرسومة بدقة عبر نجاحات كبيرة في تحقيق مشروع تنموي شعبي متكامل وأسست لمستقبل آمن عبر تنظيم الجيش الوطني العقائدي الذي أثبت جدارة منقطة النظير في تماسكه وتعاضده ضد الهجمات المعادية ، وجعلت الحركة وأفكارها الناضجة من سورية دولة قوية وهامة في المنطقة لا يُمكن لأيٍ كان في هذا العالم أن يتجاهل دورها الحيوي ومكانتها في رسم السياسة الدولية ليس في المنطقة العربية فحسب بل في العالم كذلك ، وقد حققت قيادة السيد الرئيس بشار الأسد الذي تعهد منذ توليه منصب رئاسة الجمهورية تبني فكر الحركة التصحيحية المتجدد على قاعدة الالتزام بالثوابت الحيوية والابتعاد عن السكون القاتل أو الانقلابية اللاواعية ، واعتماد الذهنية العلمية المبدعة لتطوير المؤسسات انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية والعمل على محددات الفعل المنتج ، و إنّ ما تحقق من صمود في سورية على مدى قرابة الثلاث أعوام من عمر الأزمة بقيادة الرئيس بشار الأسد كان قد أذهل العالم ، بعد أن حاول أكثر من نصف دول العالم القضاء على سورية من خلال حرب كونية لم تشهدها دولة أخرى من قبل ، وإن انتصار سورية القريب على أعداء العروبة من الأعراب وأسيادهم ، سيُشكل نقطة انعطاف تاريخية و هامة في تاريخ المنطقة العربية ، وسيكون رافعة حقيقية لنهضة الأمة وانبعاثها من جديد نحو غدٍ أفضل وإن انتصارات الجيش العربي السوري البطل ستكون مدرسة حقيقية تُدرس وتُدرَّس في مراكز البحث الإستراتيجية الدولية ، لأنها كانت قوة جديدة مُضافة على قدرات جيشنا الباسل في أسس صموده في وجه أعداء الأمة و مواجهة الأخطار من أي نوع كانت .