جنيف2: متى وكيف وبمن؟
أحمد حسن
> صحيح أن موعد “جنيف2” لم يحدد بعد، لكن مبدأ عقده أصبح ثابتاً، وفي أسرع وقت متاح، وبالطبع تختلف الدوافع عند الطرفين المعنيين به، ففيما تريد سورية -ومن يقف في صفها- من المؤتمر وقف التمويل والتحريض والتهويل الخارجي لإتاحة الفرصة أمام إطلاق مسار الحوار بين السوريين بهدف الوصول إلى “الوطن الموحّد القوي الآمن التعددي الديمقراطي”، تسعى واشنطن، باعتبارها القائد الفعلي للجبهة المقابلة، ليكون المؤتمر مجرد احتفالية “بصم” أعمى على حل يصاغ وفق إرادتها ومصالحها وشروطها، وبالتالي لا تريد من السوريين الحاضرين سوى التصفيق والتهليل لحصولها بالسياسة على ما عجزت عنه بالعسكرة، وبالحد الأدنى: لتثبيت مصالح معينة في منطقة تسعى للابتعاد عنها، بعد القرار الاستراتيجي المعروف بالتوجه شرقاً.
بهذا المعنى يمكن لنا فهم صراع الإرادات القاسي حول دور “جنيف2” ومهمته وحتى تفاصيله الإجرائية، باعتباره -أي الصراع- يهدف لخلق وتثبيت حقائق تتعدى سورية إلى صورة المنطقة والعالم لأعوام وعقود مقبلة، إلا أن نظرة متعمّقة للأمور تنمّ عن تغيّرات كبرى حصلت في البيئة الاستراتيجية “الحاضنة” للمؤتمر في الأشهر القليلة الأخيرة، وإذا كانت صورة الميدان السوري أهمها، فإن صورة الهرولة الأمريكية لعقد تسوية حول الملف النووي الإيراني، وصورة الاجتماع المصري الروسي الرفيع المستوى، وغيرها من الصور التي كان مجرد التفكير بها في الماضي القريب يعدّ ضرباً من العته السياسي، تشي بنوع الحقائق المستجدة، وأولها وأهمها حقيقة ساطعة كبرى مفادها: ما كان يمكن أن تكون عليه صورة “جنيف2” ونتائجه لو عقد قبل أشهر قليلة، ليست هي الصورة والنتائج التي سيكون عليها لو عقد اليوم، وهذه الأخيرة لن تشبه صورته لو عقد غداً أو بعد شهر واحد أو أشهر معدودة أخرى.
بهذا الإطار، وبعيداً عما يخطط له الآخر، بل وبسببه أيضاً، ولأننا ندفع، كسوريين من دمائنا يومياً، ثمن ذلك، فإن مسؤوليتنا أكبر من الجميع. واليوم ليس من المهم أن نعي حجم التغيّرات الاستراتيجية الحاصلة فقط، بل من الضروري والمصيري الاعتراف بها، وبالتالي المسارعة إلى ممارسة السياسة كما هي، لا كما نظن ونريد ونرغب، وأهم خطوة في ذلك هي العمل على تذليل كل العقبات أمام الحل السلمي، وتقديم كل العوامل المساندة له، وليس تواجد الوفد الرسمي السوري في موسكو اليوم سوى خطوة حديثة أخرى على طريق طويل، ودليل بيّن على رغبة الحكومة السورية وإرادتها بالسير فيه، ما يعني أنه على بقية السوريين، الراغبين في الحل السلمي، الخروج من دائرة حيرتهم المستدامة، على نمط التنمية المستدامة وكوارثها، والمسارعة لتقديم ما يلزم للحل من جهتهم، أما تمترسهم خلف فكرة فرض شروطهم، فهذا لا يعني إلا أمرين اثنين، الأول: أن تكون فكرة الإقصاء والإلغاء، التي يقولون إنهم ثاروا عليها، مكوّن جوهري وثابت في بنيتهم الفكرية، وتلك كارثة كبرى، والثاني، أن يكون الخوف على صورتهم الشعبوية المفترضة هو ما يدفعهم لذلك، وتلك مصيبة أدهى وأمر، لأن السياسة الشعبوية، كما هو معروف، تفيد وتنفع عند الاستحقاقات الانتخابية وفي حالات الاستقرار السياسي والاجتماعي، لكنها، وكما أثبتت التجارب التاريخية، سياسة مدمرة في المفاصل التاريخية، وهذا أحدها بامتياز، فالمفصل التاريخي، يحتاج إلى ساسة وطنيين كبار يعترفون بحقائق الواقع المستجد ولو احتفظوا بهدف تغييره لاحقاً، لا إلى ساسة لم تغيّر أزمة ممتدة على مدى ثلاثة أعوام تقريباً، شهدت تبدلات وأنتجت تغيّرات استراتيجية كبرى، من مفهومهم للعمل السياسي وطريقتهم في ممارسته.
وبالمحصلة: “جنيف2” قادم غداً أو بعد غد، وتأخر البعض عن مواكبته، في الداخل أو الخارج، لا يعني، بحكم الحقائق المستجدة والمتغيّرة بوتيرة لافتة، سوى أن الحجوزات حول الطاولة قد تلغى أو تجير لمصلحة آخرين أكثر واقعية ووطنية، أو تصبح للصورة التذكارية في أحسن الأحوال، فهل من يقرأ ويعتبر؟!.
البعث