«إيقاع الحياة».. جدارية على سور نهلة زيدان
تجدها من بعيد لوحة مزركشة، قوية، ناصعة الألوان، ومختلطة الأشكال؛ لكنّها منتظمة بطريقة ساحرة رغم عدد الألوان الكبير الذي يدخل في تشكيلها، وعندما تقترب تصاب بالذهول والدهشة، فهي توالف بيئيّة منوّعة ما بين أدوات منزلية مكسّرة، وأنابيب معدنية، وقطع من السيراميك والمرايا، هذا هو الوصف الحقيقي لتجربة فريق إيقاع الحياة بين مظهر بعيد ورؤية قريبة، وكلّ ذلك نجده حالياً على جدران مدرسة الشهيدة المربية نهلة زيدان، الواقعة على أوتستراد المزة في العاصمة دمشق.
فريق إيقاع الحياة هو ورشة فنيّة طوعيّة، مؤلفٌ من مجموعة مدرسي الفنون ناصر نبعة، علي سليمان، رجاء وبّي، صفاء وبّي، حذيفة عطري، وعدنان عبد الله، والإشراف لموجّه التربية الفنيّة في دمشق الفنان موفق مخول، وتحت رعاية وزارة التربية. والفنّ لديهم لا يتقيد بالظروف الصعبة، ويعتقدون بأن صعوبة الظرف يجعل من لغتهم الفنية فعّالة أكثر.
وأهمّ عامل جمع الفريق هو المحبّة والتعاون والتفاعل في العمل، والبعض من تلاميذ المدرسة يرغب في المشاركة فنجدهم أحياناً يساهمون في وضع قطعة ملونة للوحة تحت إشراف أعضاء الفريق.
الفنان التشكيلي ناصر نبعة حدثنا عن هذا النشاط: يعتمد عملنا على توالف بيئيّة من معادن، وزجاج، وقطع مكسّرة، وأدوات تالفة، وهياكل معدنية، وغيرها، نأخذها لنحوّلها من منظر جارح للعين إلى منظر جميل من خلال حرفها بزاوية 90 درجة، فتصبح بتشكيل فني جميل. كان لنا تجربة سابقة باتت معروفة في منطقة التجارة بمساحة 1200 متر على حيطان مجموعة مدارس، والسيد الوزير هزوان الوزّ لاحظ نجاح التجربة؛ فطلب منّا القيام بواحدة جديدة هنا في المزة على جدار مدرسة الشهيدة المربية نهلة زيدان.
يقف الأطفال للفرجة معجبين، ويتعلمون بأنّه من الممكن استخدام مواد مهملة ليصنعوا منها شيئاً جميلاً، ويضيف لنا الفنان ناصر نبعة: «أذكر حادثة وأنا أعمل وكان أحد التلاميذ يلعب بزجاجة فارغة فاقتربت منه، وقلت له بإنّها ستؤذيه في حال كُسرت وعرضت عليه بأنّ يعطيني إيّاها لأصنع منها جزء من اللوحة الجدارية فوافق فوراً، وهو الآن يأتي يومياً ليري رفاقه بأنّ هذه هي زجاجته التي ساهم بها، وبالتالي خلصته من احتمالية أذى، وفي نفس الوقت وُلد لديّه حالة اهتمام جديدة تفعّل مسألة الخيال والعطاء، فمع بداية الدوام ونهايته يأتي ليزور زجاجته».
هو فنّ حديث معاصر حرّ مؤلف من مواد بسيطة هي إسمنت، ورمل، ومواد لاصقة؛ تشكّل لوحة جميلة، لا يمكن لها أنّ تتلف حتى بوجود الشمس أو الشتاء، والتجربة الماضية لفريق إيقاع الحياة أثبتت نجاحها وجودتها، والتلف الذي يمكن ذكّره له علاقة بتخريب متعمد من قبل أيدي عابثة، أمّا المادة المشكّلة فلا يمكن أنّ تتلف أبداً بل تزداد لمعاناً مع المطر، وبريقاً بسقوط أشعة الشمس عليها، وعندما مرّت أخت الشهيدة نهلة زيدان أثناء عمل فريق إيقاع الحياة ازداد سرورها وقالت بإعجاب “ستصبح مدرسة أختي نهلة بهذا البهاء والروعة!”
هناك فائدة من جانب آخر هو تخليص الطبيعة من هذه التوالف، والتي من الممكن أن يقطع الشخص مسافات كبيرة حتى يرميها بعيداً عن مكانٍ يقطن فيه، ولكن هنا الكثير من السكان يقدّمون هذه التوالف لكي يوظّفها الفريق في اللوحات الجدارية.
الفنان علي سليمان ذكر لنا بأنّ للعمل الذي يشارك به مع فريق إيقاع الحياة سمات فهو تربوي وفني وبيئي، فمن الناحية التربوية
يتمّ العمل على حيطان المدرسة؛ والأطفال في دخولهم وخروجهم يتفاعلون مع الحدث من خلال أسئلتهم ومشاركتهم لنا، وكذلك الناس المارة يسألون ويتعلمون وينقلون النظرة الجمالية إلى بيوتهم وحاراتهم، والكثير من التلاميذ يأتون لالتقاط الصورة، وهذا يدلّ على عامل الفرح المولود لديهم، فمدرستهم تتزيّن. أمّا فنياً فهي تشكيلات فنية نصنعها من بقايا التوالف والحصى الملوّنة، فالمكان بحاجة إلى اللون كونه مفقود على حيطان المدارس ولا لمسات فنية وجمالية، واللون محبّة وحكاية، وهو مريح للرؤية. وبيئياً يتمّ تدوير النفايات بطريقة فنية بتعاون الناس مما يقدموه، والجميع يشجّع ويدّعم.
وعن الواقع الفني التشكيلي في سوريا أضاف لنا الفنان موفق مخول موجه التربية الفنية قائلاً: في سورية الواقع الفني أفضل من باقي الدول العربية، والفن التشكيلي في سورية هو أرقى الفنون التشكيلية فهو في مستوى لا يُستهان به مطلقاً، والحقيقة أن الفنانين التشكيليين لدينا متطورون ومثقفون، والفنان السوري هو الأكثر ثقافة بين الفنانين الآخرين – وما أكثر المدّعين من الممثلين والمطربين المتشدقين بأنهم الأكثر ثقافة ـ وقد يحصل تفاوت في المستوى بين أبناء الفن على امتداد مساحات الوطن، وأحياناً أخرى يحكم مبيع اللوحة على المستوى بين الفنانين إذ يقيّم الناس هذا الأمر على أنه دليل رقي ومهارة الفنان، وعموماً هناك تقصير من قبل القائمين على الموضوع في الاهتمام بالفنانين التشكيليين السوريين، فالمساعدات قليلة كالمعرض السنوي الذي يقدّم لنا في نهاية العام، والدولة لها دور مهم في الثقافة ونشرها بين كافة شرائح المجتمع والفنان يكافح ويناضل ويتعب ومهما كان الوضع فاللوحة التشكيلية في سورية متطورة.
البعث ميديا || عامر فؤاد عامر