تعليقاً على حوار «البعث» مع الرفيق أحمد: مراوحة الحزب في المكان أسبق من الأزمة
يثير الحوار الذي أجرته صحيفة البعث مؤخراً مع الرفيق يوسف أحمد عضو القيادة القطرية للحزب رئيس مكتب التنظيم الكثير من الأسئلة والملاحظات، وإذا كان من كلمة في البداية فإنني أسجل للرفيق أحمد هذه المبادرة والتي حملت في طياتها أفكاراً وإشراقات من شأنها أن تضيء على العديد من المسائل الهامة في مسيرة الحزب الفكرية والتنظيمية حاضراً ومستقبلاً، وأسجل فيما يلي بعض ملاحظاتي على ما جاء في هذا الحوار المهم:
1- فيما يتعلق بالقول: إن الحزب يراوح في نفس المكان على عتبات الأزمة فقط هو قول مجحف، فالمراوحة التي تطورت إلى حالة من العطالة المرضية سبقت بدايات الأزمة بكثير وتم تشخيصها ليس فقط من خلال عمل القيادة السابقة وإنما أيضاً من القيادات المتعاقبة التي سبقتها.
2- إن أزمة الحزب الحقيقية هي تنظيمية بامتياز وليس فقط في الوسائل والأدوات وهذه الأزمة التي بدأت تستفحل بدءاً من تعليق بعض مواد النظام الداخلي للحزب واكتملت مع التعليق الكامل للنظام الداخلي لتخرج بعدها القيادات باجتهادات تنظيمية فعلت فعلها في تحطيم البناء التنظيمي للحزب وتعطيل مفاعيل العوامل الحيوية في حياة الحزب الداخلية، مما فتح الباب واسعاً لانتقال الأمراض الاجتماعية الفتاكة إلى عقول الحزبيين لتصبح أحد المرتكزات التي يعتمد عليها في بناء المؤسسات الحزبية والتي اعتمدتها القيادة الحالية في جولاتها في تشكيل معظم قيادات الفروع الجديدة وإن كان بأسلوب مغاير لما اصطلح على تسميته بعملية الاستئناس الهدامة وإن كانت النتيجة لم تتبدل على الأقل بشكل جوهري. وهذا مرده لغياب النظام الداخلي العصري والديمقراطي الذي يحكم حياة الحزب الداخلية والذي هو عماد أية حركة سياسية، ولولا السيروم الفكري والسياسي الذي ضخه القائد الخالد حافظ الأسد ومن ثم الرئيس الدكتور بشار الأسد والذي هو خلاصة النجاحات السياسية والاقتصادية لهذين القائدين العظيمين لكان الحزب انتهى إلى حالة الموت السريري المطلق، علماً أن أية حركة سياسية لا تحلّق إلا بجناحين: العقيدة التنظيمية والعقيدة الفكرية والسياسية وفي حزبنا غابت الأولى وانتعشت الثانية، وهذا ما أفضى إلى اندفاع جماهيري باتجاه الحزب وحدث التراكم الكمي ولعل الرفيق أحمد من أكثر الناس ذاكرة لهذه المسألة والتي بدأت معالمها تتوضح بعد انتصار تشرين وما نتج عنه من تطور شمل كافة الميادين وهو الذي كان عضواً في قيادة فرع جامعة دمشق آنذاك والتي بدأت فيها هذه الظاهرة أكثر وضوحاً لتشمل الحزب في كل المواقع على امتداد الوطن.
3- إن القول بأن الاجتماع الموسع للجنة المركزية شكل بنتائجه حركة تصحيحية جديدة داخل الحزب هو قول مجاف للحقيقة، فالذي حدث أن ذلك الاجتماع لم يكن اجتماعاً موسعاً للجنة المركزية ولا اجتماعاً عادياً للجنة المركزية إنما هو اجتماع تشاوري فرضته الظروف الأمنية الاستثنائية وما نتج عنه هو استثنائي ومؤقت له مبرراته والتي أنا في غنى عن تعدادها الآن رغم أن بعضها يحمل الكثير من الصوابية والضرورة، إلا أنه في حد ذاته لا ينسجم مع التقاليد التنظيمية للأحزاب السياسية خاصة ما نتج عنه من اختيار أعضاء قيادة جديدة رغم أنني أقدر للبعض منهم تجاربه النضالية في كثير من المواقع التي شغلها في الحزب والدولة.
4- إن أي خطوة حقيقية للإصلاح التنظيمي تبدأ أولاً من صياغة نظام داخلي جديد للحزب يطرح للنقاش على كافة مؤسسات الحزب القاعدية وعلى كوادر الحزب من أصحاب الخبرة النضالية والسياسية يختتم بمؤتمر موسع تشاوري للجنة المركزية تُدعى إليه كافة فروع الحزب والكوادر القيادية السابقة والطاقات الفكرية التي يزخر بها الحزب ليتم فيه إقرار هذا النظام الذي سيأتي ملبياً لتطلعات قواعد الحزب ومحاكياً للحالة الوطنية والقومية والعالمية، إن في ذلك إرساء للضوابط القانونية والعلمية لتثبيت العضوية في الحزب وليس هيئة مكتب في القيادة وليس حتى القيادة نفسها، لأن إقرار النظام المشار إليه يثبت الضوابط الحقيقية من كافة الوجوه التنظيمية والسياسية والأخلاقية لبناء عضوية عاملة في الحزب فعّالة ومؤثرة في تنامي مسيرة الحزب وعودة الديمقراطية الحقة الى الحياة الداخلية للحزب درءاً لكل الشوائب والظواهر المرضية ليشرق الحزب على جماهيره بحالة من التألق الوهّاج شكلاً ومضموناً.
5- عودة الى المسألة الجوهر والمتعلقة بالتراكم الكمّي في الحزب الذي امتد على ما يقرب من ثلاثة عقود في الحزب قطرياً وقومياً والذي فرضته حالة التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي لسورية بقيادة القائد الخالد حافظ الأسد والتي بدأت مع انتصار حرب تشرين والتطور في كافة مناحي الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية وهو تطور غير مسبوق، وتجلّى في السبعينيات والثمانينيات على الرغم من كثافة التآمر في تلك الفترة والذي بدأ داخلياً وتنوعت أدواته على اختلاف انتماءاتها الفكرية من أقصى اليسار الى أقصى اليمين وهنا تأتي مسؤوليات القيادات المتعاقبة في تقاعسها عن العمل في صقل وتصنيع ذلك التراكم الكمّي في الحزب واستنباط أدوات ووسائل عصرية تفضي الى بنية نوعية تزيد من فعالية الحزب وحيويته وبالتالي تحذف تلك التأثيرات السلبية التي نتجت عن ذلك التراكم الكمّي في صفوف الحزب، ويذكر من يريد استحضار التاريخ الحديث كيف أن القائد الخالد حافظ الأسد وفي مواجهة العدوان الأمريكي وعنوانه حاملة الطائرات (نيو جرسي) كيف استطاع وبأيام قليلة استنهاض قواعد الحزب ومنظماته الجماهيرية التي تداعت لعقد مؤتمراتها الاستثنائية ينتظم الشعب كل الشعب في عملية المواجهة الفعّالة لمواجهة العدوان والتي كانت محط إعجاب وتقدير عال من كافة قوى الحرية في العالم، كما أن أية حالة ارتدادية واحدة لم تظهر في صفوف الحزب أو منظماته الشعبية ولا في جماهير سورية الواسعة، كما لم تتبرعم أو تنبت أية ظواهر مرضية أو انحرافات غرائزية على امتداد مساحة الوطن.
6- نعم يجب أن نعترف وبكل شجاعة وجرأة أن حزبنا في أزمة تنظيمية حقيقية وما تلك الأدوات المتخلّفة والعاجزة وتلك الظواهر المرضية المزمنة والمدانة إلا مخرجات منطقية لتلك الأزمة وأن التسليم بذلك يشكّل المقدمة المنطقية للعلاج، فأساس العلاج الحقيقي والفعّال هو التشخيص الدقيق والسليم.
نحن نملك كل المقومات المؤهلة لتصحيح شامل ومتطور – قائد استثنائي ترسم خطواته ومواقفه منهجية سياسية وفكرية عصرية تتطلع إليها أجيال مزوّدة بكل وسائل العلم والتكنولوجيا ننتقل بها ومعها الى مقدمة الصفوف نتبوأ المكان الذي نستحق في سلم الأمم نصنع منه بالتعاون مع كل قوى الخير في العالم حضارة إنسانية جديدة زاهية أساسها العدل والديمقراطية والحرية.
د. محمد ديب