الشريط الاخباريثقافة وفن

تأثيرات الأزمة على المرأة السورية

 قدمت المرأة السورية أمثلة عظيمة للبشرية في العطاء والصمود والتضحية فكانت شريكة في صنع المجد والنصر وكذلك شريكة في الآمال والآلام، فللمرأة النصيب الأكبر من أزمات الشعوب. وعن هذا تحدثت  آمال عزو الباحثة في شؤون المرأة  في محاضرتها “التأثيرات النفسية والاجتماعية والاقتصادية للأزمة على الأسرة السورية” في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة حيث قالت: إن سورية من أوائل الدول الرائدة لضمان حقوق المرأة بعيداً عن نوازع الجهل، و يخطئ من يعتقد أن المرأة هي الأضعف في الأزمات، وكان دورها يتصاعد بفضل الرعاية السياسية التي أولت المرأة كل اهتمام وفتحت أمامها المجالات واسعة، وذلك ضمن مشروع التطوير والتحديث الذي يقوده سيادةالرئيس بشار الأسد لدعم المرأة، ولكن الحرب أفرزت ظواهر لا إنسانية تتناقض مع جهود سورية لدعم المرأة، ومع كل المبادئ الإنسانية والتشريعات والأديان السماوية، فقد جاءت هذه الظواهر مع الحرب الذي يقودها تكفيريون يفرغون عقدهم ونواقصهم بدعم من دول لم تتوان عن بذل الأموال ال،طائلة وتحريض الطاقات لتدمير التماسك الاجتماعي والأمني والاقتصادي لسورية.

كما ميزت عزو بين الأزمة والحرب فقالت: يجب أن نفرق بين الأزمة والحرب فالأزمة تعني أن هناك تناقضاً وتناحراً بين الجماعات أدى إلى اشتباك ميداني دون تدخل خارجي والواقع يدل على عكس ذلك، وحقيقة الأمر أن ما تشهده سورية هو حرب حقيقة وليس أزمة، وهذا ما يستدعي تصحيح المصطلح مما يفرض مقابلة مختلفة لعناصر الساحة العربية والمرأة تحديداً.

وأضافت عزو: لقد أثبتت المرأة السورية أنها النموذج المقاوم لكل هذا العدوان رغم تعرضها للتعذيب وللاغتصاب والقتل والتشرد، هذا الألم لم يطل الجسد الأنثوي فحسب، بل طال الروح أيضاً، حيث أُدخلت المرأة في دوامات عديدة وعاشت ظروفاً اجتماعية واقتصادية وأخلاقية غريبة عنها وعن مجتمعنا، مما انعكس سلباً على المرأة التي  واجهت صعوبة في التكيف مع آليات الحرب، فكل هذا يخترق البنية النفسية للفرد والجماعة وهذه الممارسات النكراء تمثل خرقاً صارخاً لما تربى عليه مجتمعنا ولقيمنا ومبادئنا التي بنيت على احترام الإنسان والمرأة.

والتأثيرات الاقتصادية التي  تعرضت لها المرأة السورية جراء الحرب كبيرة تحدثت عنها عزو بقولها: انتقلت المرأة من توازن اقتصادي إلى خلل شديد في الانتماء، وقذفت الأزمة بـ 80% من النساء إلى ما تحت الشريحة الوسطى، أي نحو الفقر المدقع، فالظروف الاقتصادية أدت إلى ارتفاع الأسعار واختفاء ضرورات العيش وازدياد الصعوبات، مما أدى إلى ضغوطات نفسية واجتماعية جديدة، وخسرت المرأة أعمالها أو اضطرت إلى العمل بأعمال لا تليق بها، مما خلق نساء غير واثقات وغير راضيات وناقمات على المجتمع الذي أوصلهن إلى هذا الحال، بالإضافة إلى توقف مشاريع التنمية المتعلقة بالمرأة.

أما بالنسبة إلى التأثيرات الاجتماعية فأوضحت عزو أن المستوى الاقتصادي وسلبياته انعكس على الصعيد الاجتماعي وأثّر على الدخل الأسري وعلى قدرة المرأة في الانخراط في البنية الاجتماعية، وأزيحت المرأة من العملية الإنتاجية سواء في القطر أو خارجه كما زادت نسبة الأرامل واليتامى والعنوسة، وأدى ذلك إلى انتشار الأمية والأخلاق السلبية، كما أدت الحرب إلى تراجع المشاريع التنموية وخروج العديد من المدارس من الخدمة ونزوح الأسر التي لا تملك أي عناية تربوية أوتعليمية أو طبية، كما أدى أيضاً إلى انتشار زواج القاصرات وتزايدت نسبة الطلاق بشكل كبير وملفت، وتضاعفت نسبة العنف الأسري إضافة إلى الظروف الأمنية وصعوبات التنقل.

وتابعت عزو: لقد تغيرت التركيبة الاجتماعية في سورية، وظهرت ظواهر اجتماعية غريبة وأصبح التعامل يغلب عليه الجشع والاستغلال والغش والمتاجرة بالمواد التموينية الأساسية، وحالات فساد كبيرة، كذلك ظهرت للعلن ظاهرتان لم تكونا في مجتمعنا هما الدعارة والتسول، فإذا كانت الأولى أخذت مشروعيتها من الفتاوى، فإن الثانية أخذت منحى خطيراً داخل القطر وخارجه.وكان للأزمة أكبر الأثر على المستوى النفسي  والسيكولوجي للمرأة السورية  حيث قالت عزو: كان التأثير على المرأة  أكثر من الرجل ومن أهم أسباب هذه الاضطرابات السيكولوجية هو فقدان الأحبة، فأصبحت المرأة دائمة القلق والتوتر ومحتارة بين شعورها بضرورة الذود عن الوطن وبين الخوف على فقدان من تحب، وأصبحت الزوجة أما وأباً ومعيلاً لعائلتها، بالإضافة إلى المعاناة التي تعيشها بعد اضطرارها للنزوح، وعدم الاستقرار والحاجة إلى الأمان، بالإضافة إلى فقدان المكان فالمرأة السورية تؤنسن المكان الذي تعيش فيه، وترتبط بالموجودات ارتباطاً عضوياً ففقدان المكان أحد أهم أسباب الخلل النفسي

وأشارت عزو إلى ما تتعرض له اللاجئات السوريات حيث يُعاملن معاملة لا إنسانية خارج سورية وهناك متاجرة بمعاناتهن ويتم التلاعب بهن، وهناك قصص كثيرة لنساء تعرضن للتحرش والاغتصاب، بالإضافة إلى الفقر والجوع والتشرد، وما تعانيه المرأة  داخل سورية لا يقارن بما تعانيه من هن خارجها، واللاجئون بشكل عام  يعانون من  تفشي الأمراض وعدم وجود رعاية صحية وأطباء وسوء إدارة وسرقات وانتهاكات مختلفة.

وتحدثت عزو عن تجنيد النساء للقتال في سورية وهما قسمان: الأول نساء الانترنت اللواتي  يعملن على  جذب الرجال إلى الجهاد في سورية. والثاني: الجهاديات والمقاتلات في المناطق الساخنة وهؤلاء الفتيات هم ضحايا غسيل دماغ ديني. ولم تغفل عزو التأثير السلبي للأزمة على الأطفال فقالت فأوضحت أن الأطفال كان لهم النصيب الكبير من تبعات الأزمة حيث ظهرت عناصر ومفاهيم جديدة بدل التسامح والمحبة، وظهر العنف والقتال، وقام الإرهابيون باستخدام الأطفال واستغلالهم، فالطفل يشارك في المعركة ويقاتل ويقتل، هذا عدا عن ثقافة المجازر التي يشكل الأطفال الواجهة الأساسية لها لشحن المشاعر.

وعن الإجراءات المطلوبة   للحد من تأثيرات الأزمة بيّنت عزو أنه لابد من إيجاد حل سريع وميداني ولكي نقدم حلولاً حقيقية لابد من أرقام حقيقية حول هذه الظواهر وحتى الآن لا توجد إحصاءات دقيقة، لذا يجب أن يكون هناك مراكز أبحاث توثق حالات الانتهاك، كما لابد من اتخاذ عدة إجراءات كالتواصل مع النساء المعنّفات وفتح مراكز لتأهيل اللاجئين وإشراك المنظمات الشعبية والنقابات المهنية، وإيضاح المعنى الحقيقي للإسلام، وختمت عزو محاضرتها بالقول: على مدى  التاريخ  كان  للمرأة دور فعال  في النضال، ولذا يجب التأكيد أن المرأة  يجب أن تكون شريكة كذلك في السلام، فالمرأة السورية كما دمشق ولدت قبل التاريخ ولا يمكن أن تكون إلا شامخة.

البعث- لوردا فوزي