مساحة حرة

ما سرهذا السخاء المفاجئ ؟؟

د. تركي صقر

هبة المليارات الثلاثة السعودية لتسليح لبنان ليست لوجه الله في هذا الظرف تحديدا فهي اولا رشوة جديدة لاضعف رئيس فرنسي وصلت شعبيته اقل من 25% لاول مرة في تاريخ الجمهورية الغرنسية والذي تحول الى تاجر متنقل لبيع المواقف السياسية الفرنسية لمن يدفع والسعودية التي لم تنفذ واشنطن رغبتها في العدوان على سورية ولم تتجاوب مع المشروع السعودي في ضرب ايران وتوشك ان تخرج من سورية ولبنان والعراق والمنطقة مهزومة بحاجة الى حليف دولي يناصرما تبقى من احلامها في تدمير بقية الدول العربية وبقاء نفوذها في المنطقة فوجدت في هولاند المنبوذ داخليا والمبعد امريكيا والفاغر فمه للمال السعودي  ضالتها المنشودة ..

لايمكن ان يكون السخاء السعودي لتقوية الجيش اللبناني ضد اسرائيل وتحرير مزارع شبعا وتلال كفر شوبا معاذ الله والسعودية هي الوحيدة التي انكرت على لبنان انتصاره في حرب تموز 2006 كما لايمكن ان تتم صفقة السلاح الفرنسية السعودية من وراء ظهر الحكومة الاسرائيلية التي تتحالف مع السعودية علنا بعد الاتفاق النووي الايراني ولايمكن ايضا ان تكون هبة السلاح السعودية  لمكافحة الارهاب التكفيري الذي امتدت مخالبه من سورية الى لبنان وضرب الضاحية والسفارة الايرانية واغتال شخضيات من حزب الله  ويعسكر في طرابلس و عرسال وصيدا ويرضع من الصدر السعودي جهارا نهاارا معاذ الله ايضا وايضا ..

اذن ما سر هذا الكرم السعودي المفاجئ .. هل فقط لشراء الموقف السياسي الفرنسي في مؤتمر جنيف 2 في حال انعقاده ؟؟ وهو وارد ولكن الامر ابعد من ذلك .. هل لشد عزيمة تيار المستقبل المرشحة لمزيد من الضعف ؟؟ وهو وارد ايضا ولكن الامر ابعد من ذلك .. هل لضمان التمديد لميشيل سليمان المنتهية ولايته قريبا والاصرار على ابعاد حزب الله عن اية حكومة يمكن ان تتشكل في لبنان وهو ما لايمانعه سليمان ؟؟ وهو وارد الى حد ما ..ولكن السر المخفي الهام هو نقل ساحة الصراع السعودي الايراني الى لبنان باشكال جديدة ومحاولة  التخلص من سلاح حزب الله اولا بتوجيه السلاح الفرنسي الجديد الى صدر الحزب ومنسوبيه بيد الجنود اللبنانيين ان امكن استمرارا لشعارهم المفضل دمر نفسك نغسك .. وتقوية جناح في الجيش اللبناني وعلى رأسه الرئيس سليمان وهو الرئيس الاعلى للجيش يؤمل ان يوفر دعم لوجستي للارهابين السعوديين في سورية بعد سلسلة الضربات القاتلة التي تلقوها ويتلقوها كل يوم على يد الجيش السوري في مختلف المحافظات السورية ..

كان الرئيس ميشيل سليمان المنتهية رئاسته في ايارالمقبل قد خصص ختام زياراته الاخيرة الرئاسية للمملكة عندما ابلغه الملك بالمليارات الثلاثة بحضور وترتيب من سعد الحريري وتحت غطاء تسليح الجيش اللبناني على اعتبار ان هذا الغطاء يلقى قبولا من الجميع علما ان قسما كبيرا من جماعة تيار المستقبل تكن الحقد والعداء للجيش اللبناني وجرى اصطدام مسلح معه في اكثر من مناسبة ومنها مايجري في طرابلس وما حدث في صيدا اثناء الاصدام المسلح مع الشيخ الاسيرالمدعوم مباشرة من بهية الحريري والسنيورة وقد نسي الرئيس سليمان لشدة فرحته بالهبة انه رئيس لبنان فخرق كل الاعراف السيادية والدبلوماسية عندما ختم اعلانه عن الهبة بقوله عاشت المملكة العربية السعودية في سابقة من الخفة لم يفعلها اي رئيس دولة حتى لو كانت بلاده تحت الوصاية او الانتداب ..هل ثلاثة مليارات دولارغير معروفة حقيقتها تستحق ان يباع شرف لبنان السيادي والوطني من اجلها  في سوق النخاسة السعودي  .؟؟

اكثر ما يزعج حكام المملكة ويؤرقهم الان ليس فقط الاتفاق النووي الايراني وانكفاء امريكا عن ضرب سورية وانما تحول المشهد الدولي من اسقاط الحكم في سورية الى مكافحة الارهاب التكفيري والدولي وهو ما جعل الامراء النافذين والواقفين وراء هذا الارهاب  في السعودية يتحسسون رؤوسهم فامروا بفتح كل خزائن المملكة واغداقها لكل من يبعد هذا الشبح ويطيل من اعمارهم من خلال استمرار الازمات وخلق بؤر جديدة توفر طوق الحماية لسدنة عرش المملكة وبالمال ولا بالحال كما يقول المثل.. ولذلك لامبالغة ان تكون السعودية المرتجفة وهولاند المهزوز اكثر المخربين لجنيف 2 والمعطلين لأي حل سياسي في سورية آملا في ديمومة هذا النزيف لاستكمال المشروع الوهابي التكفيري السعودي ..

مليارات السعودية الثلاثة المشبوهة هي غيض من فيض مما تغدقه المملكة على الجماعات الارهابية الاجرامية في سورية وارجاء مختلفة من الوطن العربي والعالم واطنان الدولارات السعودية يبدو انها بدأت تتحول سلاحا ومتفجرات بيد منظمات الارهاب الوهابي في كل مكان حتى وصلت أخيرا الى أعالي الفولغا في الاتحاد الروسي انتقاما من موقف روسيا تجاه الاحداث في سورية والاتفاق النووي الايراني وتنفيذا لخطة بندر الارهابية في تعطيل الالومبياد العالمي الشتوي في سوتشي وهي الخطة التي قيل ان بندر لوح بها اثناء لقائه الاول لعقد صفقة مع بوتين في موسكو .. بمعنى  آخر ان الارهاب السعودي قد بات ارهاب دولة منظم واضحى ارهابا عالميا بلا حدود وخطره لايستثني احدا ..

لايساورنا شك ان الشراكة الفرنسية السعودية الجديدة لن تريح اللاعب الامريكي الذي يعتبر الخليج برمته ساحته الرئيسية ويعتبر السعودية وماتملك من حصته وقد يقبل باعطاء بعض الفتات لرئيس فرنسا الذي يتخبط في ادارته السياسية والاقتصادية ولكن في المحصلة ستبقى السعودية تحت جناح النسر الامريكي مهما حرد امراؤها وغضبوا من عدم تنفيذ واشنطن لرغباتهم المريضة وفي المقابل لن تستطيع فرنسا الخاسرة برئاستها الحالية ان تعوض السعودية عن امريكا كما لايستطيع هولاند ووزير خارجيته الفاشل في كل معاركه الدبلوماسية ان يحققوا  احلامهم في تنفيذ سياسة ملء الفراغ في المنطقة على ما يبدو لهم من انكفاء امريكي في الشرق الاوسط ..

ولم يمض وقت طويل حتى تسرب من ثنايا الهبة السعودية وترجمتها بصفقة السلاح الفرنسي ان الصفقة ستراعي الامن الاسرائيلي بمعنى من المعاني ان الاسلحة الفرنسية لن تمس امن الكيان الصهيوني فهي اذن اسلحة لمعطيات داخلية وليست لدواعي خارجية تتعلق بدفاع لبنان عن نفسه بوجه العدو الاسرائيلي الذي تخرق طائرته يوميا الاجواء اللبناني دون توقف ويقوم بنصب منصات التجسس عليه في العمق وبالمحصلة فلم يظهر اي اعتراض اسرائيلي على الصقفة بل ذكرت القناة الاسرائيلية العاشرة ان اسرائيل ستستفيد من صفقة التسليح فكيف ؟؟ ويسجل بانه المرة الاولى التي ترضى بها اسرائيل عن صفقة اسلحة للجيش اللبناني  ..!!

لكن غاب عن الفرحين بالمليارات الثلاثة و بالرصاص والسلاح الفرنسي بالدولارات السعودية ان سلاحهم لن يفيد آمانيهم في تغيير معادلة الداخل اللبناني  الخلبي في لبنان فبيئة الجيش اللبناني بيئة حاضنة للمقاومة وستبقى والكرم السعودي المشبوه سيرتد فشلا جديدا على اصحابه ..

tu.saqr@gmail.com

البعث ميديا