«الأطفال الباعة» تشرد وتسول وحرمان من الأمان
فرضت الأزمة وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية نفسها على المجتمع بكافة شرائحه وخاصة متوسطي ومحدودي الدخل، لتبرز من دون ذلك الظاهرة الأخطر على مستقبل البلد، وتتمثّل بظاهرة الباعة الجوالين من الأطفال الذين يفترشون الطرقات والأرصفة وجسور المشاة وحتى المنصفات، والصورة التي باتت مألوفة للجميع عرض بضائع متواضعة وبسيطة للبيع بشكل يوحي بالتسوّل أكثر من البيع، كل ذلك أملاً بكسب لقمة العيش.
بائعة الكبريت!
قد تكون الظاهرة عادية للبعض، ولكنها ربما تشكّل حالة متفاقمة تتحول إلى أزمة يصعب وقتها الحل الذي لا يتجاوز الآن الحلول البسيطة تجنباً للوقوع في إشكالية كبيرة تتحدى الجميع، وربما سيكون المجتمع عاجزاً عن استيعابها ولاسيما أن هناك أعداداً ليست بالقليلة منهم ضمن ظروف قهر حقيقي، وجلّ ما يثير المشاعر ويجيش الأحاسيس وجود نماذج حقيقية تجسد بائعة الكبريت تلك الرواية التي طالما زرعت الحزن والأسى، فكيف عندما نراها مجسّدة على أرض الواقع؟!.
هم أطفال لا تتجاوز أعمارهم السابعة من العمر بثياب رثة وأطراف متجمّدة وشفاه زرقاء من شدة البرد، يتدافعون من سيارة إلى أخرى بقصد بيع بعض ما يملكونه من أشياء متواضعة لتأمين لقمة العيش المريرة، هم فئة من الأطفال تموضعوا وتواجدوا في أماكن ليست لهم وتركوا أماكنهم الحقيقية ومقاعد دراستهم، حتى باتوا ظاهرة مألوفة في شوارعنا وتحت أنظار القاصي والداني، بلا أدنى اكتراث من قبل المعنيين وحلولهم، وإيجاد الطريقة المثلى لحفظ ماء وجه الطفولة التي أراقتها الأزمة؟!.
تساؤلات واستفسارات؟!
تزايد عدد هؤلاء الأطفال في الشوارع وعلى مفترقات الطرق يطرح اليوم تساؤلات واستفسارات عدة بخصوص من سيحتويهم، ومن سيدفع بهم إلى بر الأمان، من سيفرد فوقهم مظلات الحماية والرعاية المعيشية والتربوية والتعليمية؟؟.
كما يسأل البعض عن حقيقة أوضاعهم، وفي ما إذا كانت الحاجة هي الدافع أم أن ثمة من يستغل الظرف ليستثمر في تشغيل الأطفال ؟!
ضرورة المعالجة
الدكتورة ليلى شريف اختصاصية في الصحة النفسية أكدت أن ثمة تحدياً كبيراً أمام الدولة من جهة والمجتمع الأهلي من جهة أخرى وأمام المؤسسات الدينية أيضاً، مشددة على ضرورة قيام الدولة بمأسسة كل أشكال الرعاية لهؤلاء الأطفال، إضافة إلى زيادة عدد الجمعيات الخيرية المتخصّصة لرعايتهم والترويج لفتح دور خاصة بهم من قبل المنظمات الأهلية، والسعي لإيجاد مشرفين متخصصين نفسياً ومدرسين متدربين على كيفية التعامل معهم وتربيتهم نفسياً وسلوكياً.
وأضافت شريف: إنه من الضروري معالجة هذه الظاهرة بأسرع وقت ممكن وتفادي الوقوع في خطرها، لأننا سنكون أمام نتائج كارثية بعد أن يطفو هؤلاء على سطح المجتمع ويصبحوا بالغين بلا عمل ولا منهج إن لم نعالجهم ونسيطر عليهم!.
إن الالتفات إلى هذه المشكلة لم يعد خياراً ترفيهياً، بل لزاماً على الجميع تقفي أثر خطورة النتائج ليس على مستوى الأطفال الذين دخلوا سياق “التشرد”، بل على مستوى مستقبل المجتمع عموماً، وهذا شأن لا نعتقد أنه من اختصاص جهات رسمية وحكومية وحسب، بل هو مهمة تشاركية لابد من إدراج المجتمع الأهلي والأفراد فيها.
البعث- دمشق- حياة عيسى