سلايدمحليات

البضائع المستعملة و«التعفيش».. مهنة روّجت لها الأزمة

تلتقط العين منظراً زاد انتشاره في الأونة الأخيرة؛ لا سيّما في الأسواق الشعبية، والمناطق السكنية التي تعجّ بالقاطنين الأصليين والنازحيين إليها، وهذا المنظر يلفت الانتباه لخروجه عن المألوف.. أدوات كهربائية كثيرة، وقطع أثاث بألوان غريبة، وملابس من كلّ القياسات، وأحذية ولوحات وكتب وحواسيب وغيرها… فبين يوم وآخر تتغير ترتيب الأدوات المعروضة للبيع إمّا ازدياداً بأدوات جديدة أو نقصاً مفاجئاً.

 لكن من أين تأتي هذه الأدوات؟ وكيف تكثر مصادرها؟ وكيف تستقبل زبائنها؟ كلّ ذلك وأسئلة كثيرة تبقى بلا إجابات في الوقت الراهن.

بيع الأدوات المستعملة أصبح لها محلات، وأصبحت تجارة مهمة في أحداث الأزمة السورية، وتتحكم بها ظروف تبين لنا أنّها غير منحصرة برقم صغير. ((سامي)) موظف في الدولة ويومياً لديه طريق يسلكه إلى مكان الوظيفة بالقرب من جسر الثورة تحدث عن هذا الموضوع: “في كلّ يوم أرى مزيداً من البضائع التي تحملها سيارات الشحن من أماكن مجهولة، ويتقاضى سائقوها أجرتهم ويرحلون، وفي كلّ يوم أرى أشكالاً وألواناً جديدة، فأحياناً كنبايات، وأحياناً غسالات أو طاولات أو كهربائيات، وحتى ملابس بموديلات… وهذه الظاهرة لم تكن موجودة على هذا الشكل قبل الأزمة في بلدنا”. وعندما سألنا سامي هل اشتريت لك شيئاً منها فأجاب: “لا.. مطلقاً ، فمصدر هذه البضائع مجهول، ولا أريد حتى السؤال من أين تأتي”.

من الملفت للنظر أن تجار هذه المصلحة (إن انطبقت التسمية عليها)  باتوا كثراً، فهل هي مسروقة أمّ أنّ أصحابها اضطروا لبيعها بأسعار زهيدة طلباً للهجرة خارج البلد أمّ لأسباب غير مطروقة.

معظم تجار هذه المصلحة يرفضون التحدث عن مصادر البضاعة… واحد منهم فقط قبل بالتحدث مشترطاً عدم التعريف عن نفسه كاشفاً عن أن “كثيراً من البيوت هجرها أصحابها فباتت دون سكان، ومع مرور الوقت أصبح من السهل الدخول إليها لا سيما وأنّ مناطق كثيرة غير مراقبة اليوم، ويمكن للبعض التخفي والتسلل إليها بحجّة أنّهم أصحابها، وأنّهم يخرجون أغراضهم منها، وبالتالي يتمّ خلع الأبواب بطرق متنوعة، وإخراج الأغراض منها، وبيعها بأسعار غير محددة، وهذا هو المصدر المباشر للموضوع. كلّه”.

على الرغم من إشارات الاستفهام الكثيرة والكبيرة إلا أنّ المسألة تبقى محيّرة عندما نرى إقبال قسم من الناس على شراء مثل هذه البضائع، ولدى سؤال ((مراد)) عن سبب شراءه لغسالة أوتوماتيكية قال: “سعرها الزهيد شجّعني لشرائها، فبالنسبة لي كعامل بناء أتقاضى أجراً قليلاً لن أتردد باقتناص الفرصة، لكنّني على معرفة بأنّ الموضوع قد يكون بعيد عن الحلال، ولذلك بمجرد أنّ تتحسن أحوالي الماديّة سأتخلص من هذه القطعة بسرعة”.

خلال الحديث مع ((مراد)) واجهنا مجموعة من الأشخاص، ويبدو أنّهم على صلة بتجارة هذه الأدوات والبضائع، لكنّهم يعلنون بكلام مشتت وعشوائي بأنّ مثل هذه البضائع تمّ شراؤها من أصحابها الأصليين، فهم يأتون إلى المنطقة بإرادتهم ويبيعونها كونهم يستعدون للرحيل إلى مناطق سكنية أكثر أماناً!؟ لكنّ هؤلاء المتحدثون عارضوا الإجابة على أيّ سؤال أو استفسار آخر عند طلب توضيح بسيط: «لماذا انتشرت هذه التجارة في أيّام الأزمة ؟».

كان جوابهم السريع بأنّها كانت موجودة وبكثرة قبل الأزمة، وأنّ الناس لا تنتبه لذلك الأمر من قبل!

((هارون)) شاب في مقتبل العمر، يستعد للزواج، ويجهز لعشّ الزوجية صرّح: “كثيراً ما رغبت في شراء لوازم البيت الجديد، لا سيّما الغالية الثمن منها، من هذه الأسواق المنتشرة بين مناطق دويلعة وجرمانا والطبالة، لكن والديّ رفضا الأمر بتاتاً، فالأمر غير مرغوب به أبداً بالنسبة لهما، كوني مقبل على حياة مستقبلية جديدة، إضافة لأنّ البضائع قد تكون مغشوشة، وتحمل أعطاب لا يمكن للبائع أنّ يضمنها بعكس ما يمكن شراؤه من مؤسسات الدولة أو المحلات الخاصّة، ولذلك أقلعت عن الفكرة لأتكلّف وقتاً ومالاً إضافيين لم أكن قد حسبت لهما الحساب الكافي”.

تبقى الأمور غير واضحة، فالبعض يحاول إلغاء الرؤية السلبيّة عن الموضوع إذا كان له مصلحة في البيع أو الشراء، في حين ينفر المشتري منّها لاسيّما من امتلك المال، على الرغم من رغبة عينه في مراقبة هذه المشاهد التي لا بدّ من ضبطها بشكلٍ أو بآخر.

 البعث ميديا ||عامر فؤاد عامر

1

8

3