سياسة المقامرة والمكابرة!!
محمد عبد الكريم مصطفى
لم تكن مفاجأة لأحد مسارعة الإدارة الأمريكية ممثلةً بوزير خارجيتها ” جون كيري ” لضرب مؤتمر جنيف2 منذ اليوم الأول عندما حشر انفه بما لا يعنيه ونصب من نفسه محامي غير نزيه عن الشعب السوري دون أن يوكله أي مواطن سوري بذلك ، وتحدث خارج سياق الدور والمهمة و التعهدات التي تم الاتفاق عليها مع الراعي الروسي ، كما لم يكن يتصور السيد ” كيري ” شكل وحجم الرد السوري الذي لم يتأخر كثيراً على تدخله المرفوض والمدان في الشأن الداخلي السوري ، ونتيجة للتفوق المميز للوفد السوري الرسمي على مجريات الجولة الأولى بأيامها العشرة ، وللنجاح الكبير الذي حققه الإعلام الوطني السوري المرافق للوفد والقدرة الفائقة على نقل حقيقة ما يجري في سورية للرأي العام الدولي ، كشر الذئب الأمريكي عن أنيابه من جديد عبر جلسة سرية للكونغرس الأمريكي معلناً استمرار تسليح المعارضة السورية ” المعتدلة “، وقام بتوجيه مملكة الرمال الوهابية على لعب دور فوري في توحيد العصابات الإرهابية في سورية في محاولة يائسة لتغيير الواقع العسكري على الأرض قبل موعد الجولة الثانية التي بدأت في العاشر من شباط الجاري ، مُعيدةً للأذهان في ذلك استخدام سياسة المقامرة والمكابرة التي استخدمتها الولايات المتحدة خلال العقود الماضية وخاصة في المشهد العراقي ، فهي تُقامر اليوم بآخر أوراقها في المنطقة في إطار عملية ضخ الحياة القسريَّة في جسد النظام السعودي الهرم الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة – دون أسف عليه – مع قرب استنفاذ دوره الخياني ضد الأمة العربية ومصالحها ومستقبلها الإستراتيجي ، وتأتي زيارة الرئيس الأمريكي المرتقبة للرياض خلال الشهر القادم ضمن خطة جديدة لإعادة توزيع الأدوار على العملاء في المنطقة ، سيما بعد تحييد حكومة العدالة والتنمية وتهميشها في الملف السوري ، وكل ذلك يأتي ضمن عملية مكابرة على الواقع الجيوسياسي الجديد الذي ولد من رحم الأزمة السورية وأدى إلى هزيمة قاسية للمشروع الصهيو – أمريكي وللسياسة الأمريكية الهادفة لتخريب المنطقة .
الأردن مرشح الآن للعب دور جديد في الخارطة البديلة والتي تم إعدادها بعناية فائقة من قبل الاستخبارات الإسرائيلية وقام ” نتنياهو بتسليمها ” شخصياً للملك الأردني ، في محاولة جديدة لتحريك الجبهة الجنوبية على الحدود السورية الأردنية ،وقد تم التأكيد على وصول طائرة أسلحة أمريكية إلى مطار عمان في الأسبوع الماضي لدعم العصابات الإرهابية في سورية وإشعال نار الحقد الأمريكي على الشعب السوري انطلاقاً من الحدود الأردنية – السورية التي تشهد حالة توتر وترقب لافتة مع بداية الجولة الثانية من اجتماع جنيف التفاوضي ، بينما الأردن الذي لعب طيلة الأزمة السورية على وتر شعرة معاوية مبدياً تقلبه وتأرجحه في المواقف حفاظاً على مستقبله المهدد وضمان طريق العودة ، بدأ اليوم يُعلن دوره القديم المتجدد الذي كان يعمل عليه في السر لصالح المشروع الصهيوني في المنطقة منذ ستينات القرن الماضي ، بهدف ضرب القضية الفلسطينية وقبول مبدأ الوطن البديل بتأييد من السعودية وفق المعلومات التي تسربت عن كلمة عبد النسور أمام مجلس النواب الأردني في الثاني من شباط الجاري ، وما تلاه من غزل وقح قام به رئيس استخبارات السعودية السابق ” تركي الفيصل ” في مخاطبته ” تسيبي ليفني ” قائلاً : ” إنه بإمكان إسرائيل لعب دور حيوي في المنطقة …” في إشارة لتبادل الأدوار بين المملكة الوهابية وشريكتها الأردنية بعد أن سقطت أوراق التوت التي كانت تُغطي الهيكل العظمي لمملكة آل سعود .
هناك من يؤكد بأن الإدارة الأمريكية تعيش حالة ارتباك غير مسبوق ، عكسته تصريحات ” جون كيري ” واعترافه بفشل السياسة الأمريكية في سورية ، لتعود المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية وتنفي ذلك حيث قالت : ” ما من أحد في الإدارة يعتقد أن ما نقوم به كاف ما لم تحل الأزمة الإنسانية ويوضع حد للعنف ..مشيرةً إلى أنها حضرت اجتماع كيري مع أعضاء مجلس الشيوخ ..ولم يُعلن كيري في أي وقت أن السياسة الأمريكية تجاه سورية أخفقت ” ، ووفق جريدة ” الواشنطن بوست ” يقر وزير الخارجية الأمريكي بفشل محادثات السلام في جنيف كذريعة لاستمرار تسليح ” المعارضة ” في سورية ، والصحيح أن الإدارة الأمريكية عملت وتستمر بالعمل على إفشال مؤتمر جنيف2 من خلال حصر وفد المعارضة بأقزام الائتلاف القطري – السعودي الذين لا يُمثلون أحد على الأرض ، وقد أكدت مراكز البحث الإستراتيجية إن الولايات المتحدة تعيش حالة تناقض في صناعة القرار وهي في وضع اقتصادي وعسكري لا تُحسد عليه ، لذلك تُمارس سياسة شد الحبل في منطقة الشرق الأوسط لتأمين أكبر قدر ممكن من مصالحها الحيوية في المنطقة من خلال الاستمرار باعتمادها سياسة المراوغة في كافة القضايا الكبرى بما فيها آلية حل الأزمة السورية التي أخذت بعداً مختلف كلياً عن جميع النزاعات الدولية الأخرى ، ففي الوقت الذي تتحدث فيه الإدارة الأمريكية عن حتمية الحل السياسي للأزمة في سورية ، ترسل السلاح والمال للإرهابيين من أجل استمرار النزاع العسكري من جهة أخرى ، متجاهلةً بذلك كل القوانين والتشريعات الدولية والعرف القائل : بأن أحد أهم عوامل النجاح السياسي هو وقف الإرهاب وسد منابع الإمداد له من أية جهة كانت ؟
لم يُخف الوزير الروسي ” لافروف ” امتعاضه من سياسة الإدارة الأمريكية المتقلبة خلال كلمته في ملتقى ميونخ الأمني ، وحمل دول أوروبا مسؤوليتها الدولية تجاه انتشار الإرهاب العابر للحدود وخاصة في سورية التي أصبحت مقر وممر للإرهاب ، حيث قال: ” إنه لا بد من التعاون مع الدول الأخرى لإيجاد حل يُرضي السوريين جميعهم ، مُذكراً ..بأن سورية تقع في منطقة قريبة من أوروبا ودون توحيد الجهود لن يتحقق النجاح لحل الأزمة فيها ، وروسيا لا تستطيع فعل شيء لوحدها ولا بد للتعاون مع الدول الأخرى إذ إن لأوروبا دوراً كبيراً في هذا المجال ..” في إشارة إلى خطورة انتشار الإرهاب الذي ستكون أُولى ضحاياه أوروبا .
من جهتها الحكومة السورية تتمسك بالحل السلمي عبر الحوار الوطني الشامل بين السوريين وهذا يتطلب مشاركة جميع أطياف الشعب السوري دون الاكتفاء بشريحة محددة وغير فاعلة ، سيما وأن وفد ائتلاف ما يُسمى ” بالمعارضة ” لا يُمثل أحد على الأرض سواء شعبياً أو مسلحين ، وإن نجاح أية مفاوضات يحتاج تأييد شعبي واسع .
Email: Mohhamad.a.mustafa@Gmail.com
البعث ميديا