الإعمار يفتح شهية «البزنس» على العطاءات الحكومية
قضايا فساد تم الكشف عنها سابقاً وطالتها التحقيقات، أو معروضة أمام المحاكم للنظر فيها منذ عشرات السنين، هي في الأساس تدور حول عطاءات أحاطتها الشبهات، لأنها لم تلتزم القواعد المعتمدة في إنفاق المال العام ويتم تجييرها لجهات أو أشخاص يعرفون “من أين تؤكل الكتف” على حساب المتقدمين الآخرين، الذين لا يجيدون اغتنام الفرصة ويعتقدون أن التزام الإجراءات السليمة يمكن أن يحقق الفوز في نيل العطاء المطروح.
ومع اقتراب مرحلة بدء الإعمار تكون شهية المقاولين والشركات العملاقة مفتوحة والكل يسعى جاهداً إلى اقتطاع حصة من كعكة السوق المغرية جداً بأرباحها؛ ودون أدنى شك هي قضايا ساخنة من النوع الثقيل لدى الجهات المعنية بمكافحة الفساد في موضوع العطاءات، ومنها هيئة المنافسة ومنع الاحتكار التي وضعته ضمن أولوياتها، حسبما ورد في خطة الهيئة السنوية لعام 2014، ليؤكد مدير عام الهيئة أن الموضوع مهم جداً وهناك الكثير من الخلل في هذا الأمر والهيئة تسعى إلى الدخول في هذا الموضوع بما يحقّق الاستقرار ويخدم المصلحة العامة، لافتاً إلى أن التركيز على هذا الجانب إقرار “مبدئي” لعدد من المشاريع الاستراتيجية لتعزيز قدرات البنية التحتية في البلاد، في ظل ضبابية الأسعار وتذبذبها في الأسواق، مشدّداً على سعي الحكومة الداعم للمساهمة في بناء شركات وطنية وتصنيفها وتأهيلها كي تكون قادرة على تنفيذ المشاريع المطلوبة منها.
تدنّي الجودة
الشروط التمييزية الخاصة بالعروض والعطاءات الحكومية، والتعسف في استخدام السلطة في اتخاذ قرارات تؤثر في المنافسة، لا يؤدّيان فقط إلى هدر الموارد المالية للحكومة -كما يعتقد بعض خبراء الرقابة ومكافحة الفساد- وإنما ينعكسان سلباً على الجودة في الإنتاج والخدمات أيضاً.
وثمة من يشكك في إمكانية تعزيز النزاهة والشفافية في العطاءات الحكومية أو التقدم خطوة واحدة فيها ، على اعتبار أن الأوامر التغييرية في العطاءات تطرأ عليها بعد إحالتها إلى المتعهدين بالتنفيذ؛ وفي كثير من العطاءات “الدسمة” يجري تغيير أهداف المشروعات وغاياتها دون مبررات حقيقية، وذلك في حال تغيّر المسؤولين، هكذا دون “إحم أو دستور”.
آليات مفقودة
وبناءً على تفاؤل كبير أبدته هيئة المنافسة في الحدّ من هذه التلاعبات إلى أقصى قدر ممكن، طلب خليل علاء الدين نائب مدير الجهاز المركزي للرقابة المالية من مدير الهيئة إجراء واحداً يكفل الحدّ من عمليات التواطؤ في العطاءات؟ في وقت تنعدم فيه آليات البحث والتحري داخل المؤسسات الحكومية المعنية بإرساء العقود وتكاد تكون شبه مستحيلة، وخصوصاً في ظل الظروف الحالية التي دفعت قضايا إلى دائرة الاهتمام مثل الاحتكار وتضخم الأسعار، قياساً بعملية التمييز في منح العطاءات؟!. ومن هذا المنطلق يرى علاء الدين ضرورة تماشي عمل الهيئة مع السياسات الاقتصادية المستجدّة ومن خلالها تحدّد أولوياتها.
إن إجراء دراسات جدوى اقتصادية واجتماعية وبيئية للمشاريع الحكومية كخطوة أساسية تسبق التنفيذ لأي مشروع حكومي، أمر في غاية الأهمية للوقوف على كل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمالية لأي مشروع، كما أن مواجهة آفة اقتصادية خطيرة كالعطاءات التي تتشابك في مواضع عدة مع جهات حكومية وغير حكومية، آفة تتطلب الكثير من الشفافية والمساءلة، وهما كفيلان في الحدّ من انتشار الفساد في لعبة العطاءات الحكومية، إضافة إلى إحكام التشريعات ذات العلاقة لكل الحلقات التي تعبر منها ومن ضمنها كيفية اختيار اللجان ورئاستها وأعضائها والتدقيق في مختلف المراحل التي يمر فيها العطاء الرسمي أياً كان نوعه بدءاً من تقييم أي مشروع وعملية طرحه وإدارته والإشراف على تنفيذه وتنظيم الرقابة الفاعلة عليه من خلال ضبط حكومي يتفادى حصول أي نوع من الفساد الذي يهدر المال العام في ظل أزمة تستوجب النزاهة والشعور بالانتماء إلى الوطن.
تسريب المعلومات
ومن الأدبيات التي تقتضيها الشفافية في العطاءات – على سبيل المثال – مدى الحرص على ألا يتم تسريب أية معلومات للمتقدمين إلى المناقصة أو العطاء، وذلك من خلال إجراءات التقييم وتحديد عدد الأشخاص المطلعين على المعلومات السرية واختيار المسؤولين الرئيسيين في اللجان من ذوي السمعة الطيبة والبعيدين عن المصالح المالية، على أن يكونوا مؤهّلين لمواجهة احتمالات التدخل والضغوط الشديدة من النافذين في جهاز الدولة أو من خارجه.
في الختام نجد أن تفعيل جانب المساءلة للمسؤولين عن التقصير، الذي قد ينشأ في أي مرحلة من مراحل المشروع، وعدم التساهل في حقوق المالك في حال ثبوت التقصير مع فرض غرامات مالية، إجراءات مهمة جداً للحدّ من الفساد في العطاءات الحكومية، إن توفّرت النيّات المخلصة؟!.
البعث