مساحة حرة

«فضائل» أزمـتنـا

حسبنا ألّا ننكأ جراح أنفسنا، إن حاولنا مقاربة، بتفاؤل، ذيول الأزمة التي صدّرها إلينا المتأبطون شرّاً لسورية، والحاذقون في توضيب وتغليف “أطنان” الكآبة، وبعثرتها في  أربع جهات الدنيا.

وليعذرنا المتحفّظون إن نظرنا لما ابتلينا به على مرّ سنواتٍ ثلاثٍ ونيّف من زاوية الفضائل، وتحدّثنا عن “فضائل أزمة”، فثمة فضائل حقيقية لابد من التفاتةٍ إلى الوراء لمعاينتها، ونحن نطوي سفراً بغيضاً قوامه الألم والدم، ونستعد لمصافحةٍ دافئةٍ مع المستقبل، وتتويج انتصاراتنا بلمسات الديمقراطية، ونفحات الإصرار على البناء والإعمار.

أزمتنا علّمتنا كيف نحنو على “أمنا” سورية، فرعاية الأم المجروحة واجب مقدّس، وأفرزت ثمّ لفظت رُكاماً غير مأسوفٍ عليهم من “العاقّين”، فكانت رحلة اصطفاء صاخبة وقاسية.. لكنها كانت أيضاً مُجدية.

وعلّمتنا أن لا وجود لمصطلح الرّمادية ومرادفاته في قواميس الانتماء، وأن السّاقطين في أدبيات الحياة هم ذاتهم الراسبون في امتحانات الوطنية.

كما علّمتنا أن حقائق مفهوم النعمة لا تقف عند حدود الكفاية المادية وولوج بوابات الرزق، بل ثمة نعمة أعمّ وأشمل تبدو في نفحات الوحدة الوطنية الغامرة، وتجلّيات كاريزما قائد وطني صمد بشعبه، وقارع جحافل المرتزقة ومصّاصي الدّماء وأكلة قلوب وأكباد البشر، وانتصر معلّقاً أوسمة الشرف على صدور السوريين.. كل السوريين الوطنيين، وهي أرفع أوسمة انتصار يتبادلها قائد مع شعبه، والعالم يراقب ويسجّل ويؤرّخ.

من نعمة القائد والشعب ومعاني الانتماء، إلى معاني النماء والتنمية، فإن كنّا قد ردّدنا طويلاً مفردات الحرص على أن “نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع”، كان درس الأزمة كافياً لنعرف بلا تردّد معنى ألّا نزرع ولا نصنع، وهي فضيلة أزمة نفضت عنّا غُبار الترف الأجوف، ورائحة الاسترخاء المغلّف بنزعات الاستهلاك السلبي، والغرق في دوامة بطالة وسائل إنتاج حيّدناها جانباً في زمن البحبوحة، وعلى الأرجح سوف تسجّل عدّادات الإحصاء التنموي من الآن فصاعداً أرقام فورات إنتاج العائدين إلى أراضيهم وورشهم ومطارح النمو الحقيقي، ففي مدننا  وأريافنا كنوز وثروات بلا حدود، وموارد عالية الدسم تنتظر الاستثمار.

إن كان هذا ما تعلمناه من دروس، نصرّ على إدراجها تحت بند “فضائل أزمة”، فإن ما تعلّمه الآخرون ممن ناصبوا سورية العداء علناً، أو “تلطّوا” بأثواب الزيف بانتظار اتجاهات الحسم، كان الفضيلة الأكبر لأزمتنا، وهذه حقائق وليست إرهاصات نشوة الانتصار، التي تعترينا نحن السوريين هذه الأيام بإملاءٍ من وقائع الميدان المُشرّفة.

تعلّموا أن في سورية قائداً وشعباً لا يؤخذ على حين غرّة، وأن الصمود في العرف السوري، ليس شعاراً لتزيين واجهات أروقة السياسة، بل خصوصية بلد صانها أبناؤها سابقاً ويصونونها اليوم، بإصرار المنافحين عن قدسية المقدّسات، وقدسيّة الوطن علامة فارقة في ثقافة السوريين الشرفاء.. وتعلّموا -وأغلب الظن أنهم لن ينسوا بعد الآن- أن سورية كالأحجار الكريمة والمعادن الثمينة، لا تزيدها “الرضوض” إلّا صقلاً وبريقاً، حاصروها لإركاعها فارتقت شموخاً، حاربوها لإضعافها فازدادت قوّةً، وحاولوا اختراقها فغدت أكثر مِنعةً ووحدةً وتلاحماً…

وسيكونون بعد نصف شهر من اليوم على موعدٍ مع درسٍ جديد مُذّيل بتوقيع كل السوريين عنوانه “الديمقراطية بطعم الانتصار” ولعله الدرس المطلوب في زمن سقوط وانكشاف أكاذيب ديمقراطياتهم الوهمية.

نـــاظـم عــيــد