الخامس والعشرون من أيار.. يوم الانتصار العربي
في الخامس والعشرين من أيار عام 2000 تحقق ما لم يكن وارداً في حسابات الدول الاستعمارية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية العدو الحقيقي للعرب والمسلمين والراعي الأساسي للمشروع الصهيوني العنصري في المنطقة، في هذا اليوم الأغر استعادت المقاومة اللبنانية البطلة ما افتقده العرب من مكانة وكرامة في التاريخ الحديث، حيث استطاع مجموعة آلاف من الشباب العربي المقاوم إلحاق أكبر هزيمة ينالها جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي كان يُعتبر من الجيوش التي لا تُقهر والذي كان يوصف بأنه القادر على الوصول إلى أي مكان في الوطن العربي يُريد أن يستهدفه، كما كان يتبجح حكام الكيان الصهيوني ، ليجد نفسه هذا الجيش الأسطورة بين ليلة وأخرى مهزوماً مدحوراً مذلولاً أمام ضربات المقاومين اللبنانيين الأشاوس الذين سطروا صفحة ناصعة البياض في تاريخ العرب الحديث.
لم يكن يوم تحرير لبنان يوماً عادياً في حياة الكيان الصهيوني حيث كانت وسائل إعلامه تصف جنوده بالمهزومين وتسخر منهم وتصفهم كيف كانوا فرحين عندما نجوا من ضربات المقاومة اللبنانية، بل يؤكد المراقبون الإسرائيليون بأنه كان زلزالاً حقيقياً على الكيان الصهيوني وعلى جيشه، وأدت نتائج الهزيمة إلى زعزعة البنية السيكولوجية في قوام جيش الاحتلال الإسرائيلي وأفقدته الثقة بقدراته الحقيقية وأثبت له غباء حكومته وفشل سياستها على كافة المستويات العسكرية والسياسية والاجتماعية، كما يؤكد الخبراء في العلوم العسكرية بأن يوم تحرير لبنان كان لحظة انطلاق فعلي لتغير قواعد اللعبة بكاملها على الساحة السياسية في منطقة الشرق الأوسط والعالم، أخذت دراسة وتحليل انتصار المقومة اللبنانية وقتاً طويلاً في مراكز الأبحاث العسكرية والإستراتيجية الدولية، خاصةً بعد أن ثبت لهذه المراكز انتهاء زمن السطوة العسكرية الإسرائيلية التي كانت توهم العالم بها إلى غير رجعة، وقد تأكد ذلك مرة ثانية في عدوان 2006 عندما انتزعت المقاومة اللبنانية النصر الإلهي المذهل على آلة الحرب الصهيونية التي بدت على حقيقتها أمام الرأي العام العالمي بأنها ليست أكثر من أداة تدمير وتخريب عاجزة عن صناعة أي انتصار حقيقي على الأرض رغم كل ما سببته من دمار، وأثبتت الأحداث أن من يمتلك الأرض والإرادة الطيبة المخلصة، لا يُمكن أن يُهزم مهما كان عدوه قوياً ومدعوماً من قوى الشر في العالم بأسره، لذلك كله كان لا بدَّ من توجيه الضربة الكبرى إلى الدولة التي رعت المقاومة وقدمت لها وسائل القوة و ساهمت في إحياء الفكر المقاوم لدى الشارع العربي وروجت له ونشرته حتى أصبح ثقافة العصر الحديث عند العرب المخلصين والشرفاء، لذلك كان لا بدَّ من ضرب سورية قلعة العرب والصخرة الصلبة في وجه المشروع الأمرو- الصهيوني، ولكي تُمرَر الضربة من داخل المجتمع العربي تم اختلاق فكرة ما سمي “بالربيع العربي” انطلاقاً من الدول الموالية لأمريكا والتي لعبت فيها المخابرات الأمريكية والإسرائيلية لعبتها، وأعلنت التخلي عن أدواتها في الحكم في تحالف مريب مع التيارات الدينية المتطرفة من أجل شق الصف العربي الشعبي عن طريق تأجيج الفتنة الطائفية بين المسلمين، وعندما وصلت رياح “الخريف العربي” إلى جدران دمشق اصطدمت بقلعة العروبة الصامدة وتعثر مرورها طويلاً على الرغم مما أحدثته من كوارث وآلام يحتاج ترميمها والتخلص منها لوقت ليس بالقصير، ومع ذلك تمكنت الدولة السورية بمكوناتها الشعبية والرسمية والدينية من كشف خيوط المؤامرة باكراً وواجهتها بقوة وعزيمة عالية حرصاً منها على الحفاظ على ما تبقى من مكانة وكرامة عربية في وجه العدوان الغربي المتجدد دائما على المنطقة العربي، ومن المؤسف والمذل ما قامت وتقوم به مشيخات النفط القذر من دور خياني عميل لتدمير سورية كأهم مركز دعم لمقومات القوة والمنعة عند العرب. إن يوم تحرير لبنان ودحر الجنود الصهاينة كان من الناحية الإستراتيجية تاريخاً مفصلياً في حياة القضية العربية الكبرى، قضية فلسطين، ودرساً جديداً سيُعتمد في آلية قيادة الحروب القادمة ومقدمةً حيوية لإنعاش الذاكرة العربية وتعزيز الثقة بالقدرة على المبادرة وانتزاع النصر، وتحريك مفهوم لغة الدفاع الذاتي وأثره الايجابي على قيامة مشروع تحرير فلسطين المحتلة بكاملها من جديد، بعد أن كان القنوط قد تسلل إلى عقول العرب نتيجة المواقف المُذِلّة للحكام المرتهنين للغرب، ودبَّ اليأس في نفوس الجماهير العربية الواسعة جراء سياسة الانبطاح والهرولة للفوز برضا إسرائيل، مما فتح الطريق واسعاً أمام أدوات أمريكا وإسرائيل في قطر والسعودية وغيرهما من دول المنطقة لتسليم ما تبقى من أراضي في فلسطين المحتلة وغيرها هدية للكيان الصهيوني تحت يافطة “المبادرة العربية” تارةً وتعديل المبادرة أخيراً تنفيذاً للمشروع الصهيوني الكبير وإقامة مملكة يهوذا الكبرى، مقابل حماية عروشهم المهزوزة ودعم استمرار تسلطهم على رقاب الشعب الذي بدأ يتلمس مستقبله واخذ يُنظم صفوفه للقيام بالتمرد الكبير على حكمهم وطاغوتهم، لذلك يرى مشايخ النفط وشركائهم في الحرب على سورية أن انتصار سورية والمقاومة على المشروع الصهيو- أمريكي في المنطقة هو هزيمة لهم وخطر على مستقبل بقائهم في السلطة، انطلاقاً من ذلك حشدوا كل أدواتهم من الإرهابيين على الساحة الدولية للقتال في سورية وقدموا لهم كل أنواع الدعم المالي واللوجستي والإعلامي للقضاء على سورية الدولة العربية الوحيدة التي لم تزل تدعم المقاومة وتمدها بالسلاح ووسائل الدعم الأخرى ، لكنهم هذه المرة وقعوا في الفخ الكبير الذي لا مخرج منه، وكانت لهم سورية وشعبها وقيادتها بالمرصاد متيقظة ومتأهبة لهذه المعركة التي فرضوها عليها، حيث استطاع الجيش العربي السوري البطل صد الهجمات المعادية والقضاء على العديد من الإرهابيين في طريقه للإجهاز عليهم جميعاً وتطهير سورية والعالم من إجرامهم، وإن انتصار سورية في هذه الحرب الكونية هو انتصار للمقاومة العربية في كل مكان وتعزيز لثقافة المقاومة التي تُعقد عليها وحدها آمال الشعوب في تحرير فلسطين وبقية الأراضي العربية المحتلة بما فيها دول مشيخات النفط المحتلة من قبل أمريكا وحلفائها ، وإن المقاومة هي الكفيلة بحماية الأمة من الاندثار وقيامة العرب من جديد التي ستتم على أيادي الجيش العربي السوري الباسل وشركائه في محور المقاومة العربية ضد الكيان الصهيوني ومشرعه الاستعماري الواسع.
في عيد الإباء والكرامة نقف بكل فخر واعتزاز أمام انجازات المقاومة العظيمة سابقاً وحاضراً وما ننتظره مستقبلاً، ونحيي مقاتليها الأبطال الذين امتزجوا في صفوف الجيش العربي السوري دفاعاً عن مستقبل الأمة، ونترحم على أرواح شهداء المقاومة الذين كان لهم الفضل الأول في تطهير التراب العربي في لبنان من رجس العدو الغاصب، ونهدي التحية إلى أرواح الشهداء من أبطال الجيش العربي السوري الذين ضحوا بدمائهم الزكية لتنعم سورية والوطن العربي بالحرية والاستقلال، وإلى عناصر الجيش العربي السوري الباسل وهم يُقدمون يومياً التضحيات فداءً عن كرامة العرب ومصيرهم .
محمد عبد الكريم مصطفى
Email: mohamad.a.mustafa@gmail.com