مساحة حرة

انكفاء بعصا مكسورة

كُسرت العصا الأمريكية من المنتصف، وسيكون على “رعاة البقر” العودة إلى زمن الهنود الحمر، واللهو بلعبة العصا المعقوفة “البوميرانغ”، المعروفة أميركياً، والتي تعود إلى صاحبها بهدف أو بدون هدف، وقد يكون هو هدفها إن لم يحسن تلقفها.

كُسرت العصا الغليظة وسيسجّل التاريخ أن “الكاسر” كان هنا في المضمار السوري، وعلى الأرجح سنقرأ كثيراً هذه العبارة أو دلالاتها معاً في المستقبل، نحن وكل من لم تسعفهم مداركهم وملكات الاستقراء المفترضة لديهم، لفهم حقيقة المتغيرات والانعطافات الحادّة التي أحدثتها “المسألة السورية” على المستويين الإقليمي والدولي، بتوقيع جيش وشعب وقائد، وهي ثلاثيّة الانتصار التي ستكون أيضاً مثار أبحاث وتحرّيات في أروقة الاستخبارات ذاتها التي صاغت وصفات السم المُعلّب والمُصنّع للضّخ والترحيل باتجاه المقصد السوري، خصوصاً في البلدان المنشغلة اليوم بلعق جراحها كما الذئاب الجريحة.

كُسرت العصا الأمريكية، وبُترت أيدي الملوّحين بها في أصقاع الدنيا، على إيقاعات تقهقر “منظومة” التآمر على سورية، وهذا ليس إنشاءً من إيحاءات جذوة الانتصار، بل ثمة معطيات باتت حقائق راسخة، لا يجادل فيها إلّا الساقطون في “المستنقعات الجرباء” وقد تكون المكابرة هي ذلّة التورط في دوامات الدفاع عن الشيطان.

ففيما كانت هتافات أبطال الجيش العربي السوري تختلط بهدير محركات الدبابات، احتفاءً بفك الحصار عن سجن حلب المركزي، بكل ما ينطوي عليه الإنجاز من دلالات استراتيجية، كانت يدا مندوبي روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي مرفوعتين لـ “فيتو” أبطل مفاعيل مكيدة جديدة تمّ تدبيرها لسورية، على شكل ملف جاهز للترحيل إلى محكمة الجنايات الدولية..

وفيما تتواتر حلقات المصالحات الوطنية في سورية، بكل ما تحمله من صفعات لمروجي صفقات الشِّقاق، كان العالم يراقب مشاهد المناورات الروسية الصينية وإشارات التحدّي الواضحة التي أطلقها زعيما البلدين، وفي ذلك رسائل يجيد قراءتها الأمريكي و”صبيانه” حتى لو صمتوا ولم يعلّقوا..

ولم تمض ساعات على الإعلان عن “الاتفاق العملاق” بين روسيا والصين بما يحمله من آفاق تشاركية رحبة على مسار التصنيع العسكري ومسارات الاقتصاد والتجارة بأطيافها الواسعة، حتى جرى الإعلان عن اتفاق سوري روسي يرسم ملامح اقتصادية واعدة للعلاقة بين البلدين..

وعلى إيقاع إصرارنا نحن السوريين لتلبية الاستحقاق الرئاسي، تتوالى إشارات وتطبيقات الإصرار الروسي الصيني الإيراني على صياغة نظام عالمي جديد..

هي وقائع سنصحّح لمن اجتهد وقرأ فيها مقدمات إيجابية لمشهدين اثنين، الأول يتعلق بمجريات الحرب على سورية، والثاني ذو صلة ببلورات المشهد الدولي الجديد، ونؤكد ما تؤكده الحقائق الواضحة لكل راغب بالمعاينة المتصالحة مع الموضوعية:

أولاً الحرب على سورية ليست في طريقها إلى الحسم، بل حُسمت نصراً للسوريين، وانكفاءً مُذلاً لكل من النافخين في النار وعلى ألسنة الّلهب لإحراق سورية والشعب السوري، ولعلّنا لن نتأخر لنسمع “جلبة وصراخ” تصفيات للحسابات ذاتها التي تجري عادة في صفوف المهزومين، وقد سمعناها هنا في الداخل بعد كل ضربة قاصمة يتلقاها الإرهابيون، لكن الصدى سيكون أقوى في الخارج حيث الرؤوس المدبّرة وخزانات التمويل المفتوحة بلا حساب..

ثانياً النظام العالمي الجديد ليس في طريقه للتبلور، بل تبلور، وعلى العالم الآن أن يوقّع “شهادة ميلاد” أقطاب جدد، وربما يستعد لتوقيع” شهادة وفاة” لزمن القطب الأوحد وأصحابه.

حقّاً كُسرت العصا الأمريكية، ولا نعتقد أن ثمة من سيجبرها، ولا حتى من يحاول، فحسب خاسري الرّهان عليها أن يحفظوا ما يخالون أنه بقي من ماء وجوههم، الذي أهرقوه في رحلة اللعب بالنار السورية.

نـاظـم عـيد