النوري لـ«البعث»: اليوم أنا لا أبحث عن المنصب بل أبحث عن دور
تشكّل الانتخابات في أي بلد فرصة لإعادة تقييم أحجام المشاركين في المنافسة الديمقراطية، وبالتالي التأسيس للمرحلة التي تليها، ويعتقد الكثير من الباحثين والمختصين في الشأن السياسي أن مرحلة ما بعد الانتخابات هامة جداً وبالتحديد في إعادة تموضع الكثير من القوى والأحزاب من خلال التحالفات التي تبنيها للتعايش مع الوضع الجديد..
واليوم بعد أن أسدل الستار على فصل مهم من الحياة السياسية السورية المتمثل بالانتخابات الرئاسية، التي أقيمت لأول مرة بنظام التعددية وبوجود ثلاثة متنافسين ينتمون لتيارات مختلفة وانتهت بفوز الرئيس بشار الأسد بولاية جديدة، ما هو الواقع الجديد الذي يتشكّل، وهل سيكون لهذه الانتخابات التعددية دور في ظهور قوى سياسية جديدة؟.
البعث” التقت المرشح السابق للانتخابات الدكتور حسان النوري للحديث عن واقع المرحلة الجديدة وتصوراته ورؤيته لها.
> ما هو تقييمكم للعملية الانتخابية، وهل أنتم راضون عنها، ولماذا لم تسجّلوا أي اعتراض على سيرها لا في الدعاية ولا في أثنائها؟.
>> كان لدي بعض الملاحظات ولكنها لا تصل إلى مرحلة الاعتراض، والسبب أن العملية سارت بشكل ديمقراطي معقول، ولكن كان يعيبها ضعف ثقافة الانتخاب.. ثقافة التعددية الانتخابية والسياسية، ولم يكن السبب في الآلية، فلقد بقي الكثيرون يعتقدون أن هناك استفتاء، وبالتالي كان هناك ضعف في تفهّم العملية الانتخابية، كما أن هناك العديد من المشرفين على بعض صناديق الاقتراع حاولوا تمييز أحد المرشحين على الآخر، وهذا الكلام أستطيع أن أؤكده، لكنني وجدت أن العملية الانتخابية بمجملها سارت بشكل ممتاز ولدي دليل على نزاهتها، فقد كانت ابنتي في مدينة وارسو مسؤولة عن مركزي الانتخابي، وحضرت مع سعادة السفير السوري في بولندا كل العملية الانتخابية، وكانت تمثّلني في هذا النشاط، وجرى فرز الأصوات بحضورها، كما جرى فرز الصناديق أمام وكلائي وأمام المشرفين المباشرين عن حملتي الانتخابية، وكان هناك فعلاً دقة في الفرز، وإن كان هناك نوع من التوجه الجماهيري لاختيار الرئيس الدكتور بشار الأسد، وهذا الشيء ليس بغريب، وأنا قلتها في المؤتمر الصحفي: إنه رجل حكيم استطاع أن يقود سورية في أحلك الأوقات بحكمة ويحقق انتصارات كبيرة على الإرهاب.
كان هناك خط في الكثير من المؤسسات الحكومية يرى أنها يجب أن تقف مع الرئيس الدكتور بشار الأسد، وهذا ما اعتبره خطأ انتخابياً، ولكنه خطأ متوقّع لأنه لم تتوفر بعد الثقافة الانتخابية.
أما بخصوص الأخطاء التقنية، عندما يقول السيد رئيس مجلس الوزراء بأن الدولة أو الحكومة ستقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين، لم تقف الحكومة على مسافة واحدة، حاولت أن تقف وجهدت لكي تقف، ولكنها لم تستطع أن تقف على الحياد، ليس بسبب نيتها عدم الوقوف على مسافة واحدة، ولكن بسبب انعدام الثقافة الانتخابية، لقد شاب العملية قصور ليس فقط على المستوى الشعبي وإنما على المستوى الحكومي.
لذلك لا أرغب بإفساد هذا العرس الديمقراطي الذي جرى للمرة الأولى في سورية بطريقة التعدديـة، فالعملية الانتخابية كانت مقنعـة ومقبولة، وبالتالي فإن القيام بالاعتراض فقط من أجل أن أظهر أنني أعترض هو غير مبرر، كنت أرى أن الشعب يسير خلف القائد الرئيس بشار الأسد، وهناك مسافة كبرى بين المرشح الأول والمرشح الثاني، كما أن هناك مسافة بين المرشح الثاني والثالث، لذلك عندما نريد أن نتنافس من أجل الأصوات، فأي اعتراض سوف لن يغيّر حتى لو بنسبة واحد بالمئة في النتائج، لأنها كانت عملية دقيقة وصادقة 100% ، وأتمنى في المراحل القادمة أن نتعامل بمفهوم الاعتراض بذكاء، لا نعترض لمجرد الاعتراض. نعترض عندما نستطيع أن نحقق تغييراً من خلاله، لذلك أؤكد أنني لم أرغب أن أفسد أجواء العملية الانتخابية من أجل فلاش إعلامي، وأن المرشح الرئاسي الدكتور حسان النوري قد طعن أو اعترض على إجراء ما، لأنه لم يكن هناك إلا القليل من الأخطاء التي لا تُذكر.
> هل توقعتم النتائج كما صدرت والنسب التي سجلت، وما هو تفسيركم للنسب المسجلة للأوراق الملغاة، هل هو عائد إلى ضعف ثقافة الانتخاب أم لا ولماذا؟.
>> كنت أتوقع أن نسبة التصويت ستكون كبيرة لصالح الدكتور بشار لأنه قائد وطني بامتياز، حكم سورية بحكمة واستطاع أن يحقق انتصاراً كبيراً على الإرهاب، والشعب لديه أولوية الأمان والأمن كأساس في هذه المرحلة، وأيضاً أعتبر أن الرئيس الأسد بدأ يحقق إنجازات من خلال المصالحات الوطنية والعفو العام، في حين استطعت أن أبرز من خلال برنامجي الوطني الكثير من الأمور الضرورية، وهي هامة بالنسبة للكثير من المواطنين، ولكنهم كانوا يعتبرونها في المرتبة الثانية في قائمة أولوياتهم.
أما بخصوص النسبة التي حصلت عليها، فقد كنت أتوقع الحصول على عدد من الأصوات يقل عن المليون ولكن أكثر مما حصلت عليه حالياً، وأن أتجاوز نسبة 6% بالمئة، لذلك أعتبر أنني حققت نتيجة معقولة، ولو اقتربت من عدد مليون صوت لكنت حققت نتيجة أكثر من رائعة.
بطبيعة الأمر أعتز بعدد الأصوات التي حققتها في العملية الانتخابية رغم الفارق الكبير بيني وبين الفائز السيد الرئيس، لأن الحصول على أكثر من خمسمئة ألف صوت بحملة انتخابية لم تتجاوز 23 يوماً، فهذا لوحده يؤسس لمرحلة جديدة، اليوم أقول: إن الانتخابات ولّدت عند الكثيرين مفهوماً هو أنني أصبحت رقماً صعباً في السياسة السورية، وأقصد بذلك أن لدي رؤية استراتيجية متكاملة حول الاقتصاد والإدارة، هذا لوحده كان حالة انتصار بالنسبة إليّ، من خلال انتزاع الاحترام والتأييد الشعبي تجاه برنامجي الانتخابي، والحقيقة أن البلد لا يُدار من منصب رئاسة الجمهورية فقط، وأن هناك العديد من المواقع المهمّة التي تستطيع أن تقدّم نفسك فيها من خلال عمل سياسي ناضج ووطني، واليوم أنا لا أبحث عن المنصب بل أبحث عن دور، وهناك فرق بين المنصب والدور.
أما بالنسبة للأوراق الملغاة، فهذا عائد إلى وجود ثقافة انتخابية لدى البعض من أبناء شعبنا، وهناك ضعف في فهم آلية الانتخاب لأن الوقت قصير، ورغم محاولة الإعلام الوطني في هذا المجال فإن الكثير من الناس فاتها ذلك بسبب ظروف مختلفة منها قطع الكهرباء مثلاً.
> ما هو تعليقكم على ردود الفعل الدولية الرافضة لنتائج الانتخابات، ولا سيما أن البعض اعتبر ما جرى مسرحية هزلية، وأنكم شاركتم فقط لإضفاء الشرعية عليها؟.
>> إن كان موضوع إضفاء الشرعية من أجل انتصار الوطن فأهلاً وسهلاً، ولكن هذا الكلام غير صحيح، فأنا أعلنت ترشيحي للانتخابات الرئاسية في وارسو 17/12/2013 أثناء عقد الطاولة المستديرة حول سورية مع البرلمان الأوروبي برعاية الحزب الديمقراطي الأوروبي، وهناك دلائل وإثباتات تؤكد ذلك، لذا لن أسمح لأحد أن يطعن برغبتي الوطنية بالمساهمة في هذا العمل.
وأنا وجدت في نفسي الكفاءة لكي أكون رئيساً لسورية، ولاسيما أن أحداً لم ينتقد أداء الحكومة خلال العشر سنوات الماضية، كما انتقدتها أنا في حملتي الانتخابية، وكنت أحاور الرئيس الأسد، ولكن كيف أنتقد ثوابته الوطنية، وهي ثوابتي الوطنية، كيف أنتقد إيمانه بالوطن كما هو إيماني بالوطن، كيف أنتقد حكمته في قيادة الدولة كما يقودها خلال الأزمة، كيف أنتقد انتصاره على الإرهاب وقيادته للجيش العربي السوري، كيف أنتقد تماسك مؤسسات الدولة ووحدة الصف الوطني خلف قيادته خلال أربع سنوات من الأزمة، لم أجد مؤسسة وطنية أو قطعة عسكرية انشقت، وهذا يُسجل للرئيس الأسد وقيادته الحكيمة خلال الأزمة.
وعندما أنتقد أعتبر نفسي معارضاً وطنياً، لكنني أُعرّف معارضتي بشكل مختلف عن المعارضة الموجودة، فالمعارض هو من ينتقد ويكشف الأخطاء، هو من يصحح أو يقدم رأياً بناءً، والمعارض لا يدمّر ولا يهدم وطناً، المعارض لا يخون، المعارض لا يرتبط مع أجهزة أمنية واستخباراتية خارجية، وبالتالي إن لم يكن لدي برنامج وطني إصلاحي، فالأفضل أن أبقى في المنزل حتى إشعار آخر، لذا قدّمت نفسي أمام الإعلام كمنافس جدي استطعت أن أغيّر من مقولة إن هذه الانتخابات كانت مسرحية، لأنه جرى التأكيد على أن وجود المرشح الدكتور حسان النوري في هذه الانتخابات دلالة على أنها نزيهة وشفافة، هذا مع التأكيد أنني لم أكن مرشح أحد الأحزاب، كما في حالة السيد الرئيس بشار الأسد، كما لن أنال التأييد من أية أحزاب.
وأرى أيضاً أن موضوع التشكيك الخارجي بالعملية الانتخابية لا يهم، والمهم بالنسبة لنا كسوريين هو إرادة الشعب، الذي لم يقلل من أهمية هذه الانتخابات، والدليل ما جرى يوم التصويت ونزول 11 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع، فكيف يقللون من أهمية هذه الانتخابات، إنه رقم قياسي أن تُسجل نسبة 73% من عدد الذين يحق لهم التصويت.. فكان الموقف الوطني لهذا الشعب واضحاً وهو اتخذه ليس من أجل التصويت لشخص إنما للوقوف مع سورية.
> التقاكم السيد الرئيس بشار الأسد بعد إعلان النتائج، ما هي انطباعاتكم عن اللقاء، وهل يمكننا أن نحصل على بعض ما دار فيه ولا سيما أن ما تناوله الإعلام قليل جداً؟.
>> لقد كان من واجبنا أن نهنّئ السيد الرئيس بشار الأسد على انتخابه وفوزه، وعلى التفاف الشعب السوري خلف قيادته، وقد أكدت لسيادة الرئيس على تمنياتي له بالتوفيق، وأن يحقق أداء وطنياً يمكّنه من قيادة المرحلة القادمة بالشكل الذي يحقق الازدهار والنمو لسورية نحو الأمام، وأكدت لسيادته أن وجودي في المعادلة السياسية لأخدم الوطن والشعب، وتحدّث السيد الرئيس عن مجمل العملية الانتخابية، وكان سعيداً بوجود التعددية السياسية وبوجود أكثر من مرشح ومنافس.
كما تبادلنا الحديث حول بياني الانتخابي وحول المفهوم الاقتصادي والإداري الذي طرحته، وشكرت سيادته على اهتمامه بما قدّمت، وأكدت له أننا في خندق واحد ضد الإرهاب من أجل الوصول إلى انتصار كامل وسريع، وتحسين معيشة المواطنين، وتأهيل الاقتصاد والتطوير الإداري لمؤسساتنا الوطنية، كما تطرّق الحديث إلى أهمية الحوار الوطني والإصلاح الاقتصادي والإداري، فنحن اليوم نواجه مشكلة لا نستطيع إعادة الإعمار واستقدام 80 مليار دولار لهذه العملية دون أن يكون هناك وعاء اقتصادي متمكن وشفاف قادر على جذب هذه الاستثمارات، فنحن بحاجة إلى مفهوم إصلاحي للاقتصاد وبعد إداري جديد لمؤسسات الدولة، وبرأيي فإن مؤسسات الدولة تكلّست وهي بحاجة إلى إعادة تشكيل وتكوين.
أنا كنت منافساً للسيد الرئيس وقلتها في السي إن إن وبي بي س: لقد كنت منافساً له، ولم أكن خصماً له، وبالتالي فإن منافستي له انتهت عند إعلان النتائج.
> هل تعتقد أن مشاركتكم في الانتخابات قد منحتكم فرصة جديدة للدخول إلى العمل السياسي من باب واسع وبماذا تفكرون في هذا المجال في قادم الأيام؟.
>> طويت مرحلة سابقة وانتقلت إلى مرحلة جديدة ليس من السهولة بمكان أن أبتعد عنها بعد اليوم. الوطن ناداني وسورية أمانة لكل المواطنين، وأنا منهم، وبالتالي عليّ أن أخدم شعبي بأمانة، فأنا رجل اقتصادي وأستاذ جامعي، لدي أكاديمية ومؤسسات صناعية خاصة والعديد من النشاطات المحلية والخارجية وخبرة في الإدارة التسويقية أستطيع أن أوظفها في خدمة وطني بشكل إيجابي وأحفز قدوم الاستثمارات إليها، ولكن هناك دوراً أهم علينا أن نساهم جميعنا فيه وهو المصالحة الوطنية، وأن نساهم جميعاً في خلق نسيج محبة بين ألوان الشعب المختلفة التي يجب أن تعود كما كانت سابقاً تحت علم سورية.
أنا أعتبر نفسي أنني أمتلك الكفاءة التي تؤهلني كي أكون في أي منصب آخر، أما تحديد منصب معيّن، كرئيس وزراء مثلاً، فهذا له حسابات خاصة، والرئيس الفائز هو من يحق له أن يختار من كتلته الحزبية من يشكّل الحكومة طالما نحن في عملية ديمقراطية، ولكن قد يكون هناك اعتبارات وحسابات أخرى، مثلاً أن تكون هناك حكومة ائتلاف وطني أو تصوّر آخر، وهذا من حق الرئيس الفائز وليس لأحد في الخارج أو الداخل أن يفرض ذلك، وأنا على استعداد أن أخدم وطني في أي موقع كان.
أنا أعتبر نفسي من حزب الرئيس بشار الأسد حزب الوطن والشعب حزب المحبة والانتماء الكامل للوطن، إذا كنت أعتبر معارضاً فإنني أنظر إلى الرئيس بشار الأسد كزعيم للمعارضة الوطنية لأنه رجل إصلاحي.
> يعرف المهتمون بسيرتكم الذاتية الغنية من حيث الفاعلية والخبرة ماذا تشكّل لك مشاركتك في هذه الانتخابات؟.
>> لقد غيّرت من مجرى حياتي، وضعتني أمام تحد وطني كبير بأن أكون قادراً وكفوءاً وأهلاً له لأستمر في خدمة وطني وشعبي في أي موقع كان، أما موضوع تشكيل تيار سياسي فسابق لأوانه. الانتخابات فتحت أمامي آفاقاً جديدة، والمجالات المفتوحة هي كبيرة وأستطيع أن أقدّم فيها الكثير.
أخيراً: أشكر جريدة البعث، هذه الجريدة المحترمة التي أتابعها منذ سنوات طويلة على ما تقوم به من دور إيجابي، وأنا سعيد بلقائكم، فجريدة البعث هي جريدة كل السوريين حزبيين ووطنيين ممن يحبون وطنهم.