مساحة حرة

خلافة «داعش» الإسلامية.. وخطوط الغرب الحمراء

أسقط تنظيم “داعش” من تعريفه اسم الشام والعراق، معلناً قيام دولة الخلافة الإسلامية، ومبايعاً أبا بكر البغدادي أول خليفة للمسلمين في تسجيل صوتي للمتحدث باسم التنظيم أبي محمد العدناني، يصرح فيه للمرة الأولى بالاسم الحقيقي لأمير المؤمنين وهو عبد الله إبراهيم بن عواد من مواليد سامراء، الزعيم القاعدي الذي بقي شخصية غامضة طوال الفترة السابقة، مطلقاً على نفسه اسم «الشبح» جاهداً لإخفاء صورته، لولا التسريبات المخابراتية، وتسريبات وزارة الداخلية العراقية التي نشرت صورته.

بن لادن الجديد يحرك أتباعه من وراء الستار، لفرض سيطرتهم على طول المساحة الممتدة من الجزيرة السورية إلى حدود العاصمة العراقية بغداد، مع وجود مجموعات تابعة له في مناطق متفرقة من الأرض السورية تعيث فساداً وإرهاباً، وخلايا أخرى نائمة أو شبه ذلك في الأردن والكويت وبلدان عربية أخرى، تنتظر  الأوامر للتحرك، بعد أن سعى الغرب وأمريكا طوال السنوات الثلاث الماضية لتقويض عمل الجيش العربي السوري في ضرب الإرهاب التكفيري تحت مسميات عدة بات الجميع يعرفها، وغض الطرف عن أتباعه في الخليج وليبيا والأردن الذين مولوا هذه الجماعات وسلحوها وأصدروا الفتاوى اللازمة لاستنهاض أصحاب النفوس الضعيفة، ماسمح لهذا التنظيم الأكثر عنفاً في العصر الحديث بالتمدد كيفما شاء.

تاريخ نشوء هذا التنظيم يعود للعام 2006 حين اجتمعت قبل ثماني سنوات فصائل مسلحة تابعة للقاعدة في العراق، وتحديداً في 15تشرين الأول، وأسسوا الدولة الإسلامية في العراق، وشرعت هذه المجموعات بشن عمليات إرهابية في العراق كعملية البنك المركزي، ووزارة العدل، واقتحام سجني “أبو غريب” و”الحوت”.

ومع اندلاع الأزمة السورية توفرت للتنظيم العراقي بيئة مناسبة للتمدد، فأرسل أحد أتباعه، أبا محمد الجولاني، إلى سورية الذي شكل جبهة النصرة أواخر سنة 2011، وأعلن البغدادي في رسالة صوتية دمج جبهة النصرة مع دولة العراق الإسلامية تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» أو ما يعرف باسم “داعش”، ليتسع مع الوقت نفوذ التنظيم الجديد في الداخل السوري، مع وجود بؤر متطرفة وتوافد مجموعات جهادية من خارج الحدود، بعد أن فتحت معظم دول الجوار حدودها، أو غضت الطرف وأصبحت معبراً لإرهابيي العالم، وسط تجاهل كامل من المجتمع الدولي، خاصة دول أوروبا والولايات المتحدة، بشكل مقصود، إن لم نقل: منهم من دعمهم بشكل مباشر، لتحقيق مآربهم في إنهاك وتدمير الدولة السورية، متناسين أن من يلعب بالنار لابد سيحرق أصابعه.

لكن وبعد أن دب الخلاف بين فرعي القاعدة “داعش” وا”لنصرة” بدأت الصورة أكثر وضوحاً والتهديدات المتبادلة بين التنظيمين كشفت عن مدى امتداد نفوذ كليهما في دول الجوار، العربي وغير العربي، وعبارات الوعيد لاتستثني أحداً، لا الأشخاص ولا الدول خاصة الدول التي تدعم وتتبنى “جبهة النصرة”، حيث هدد تنظيم “داعش” بنقل الحرب ضد جبهة النصرة إلى الكويت والسعودية بعد كشف الرياض عن اعتقال تنظيم تابع لها واعتقال مجموعة من أعضائه، وما تم اكتشافه من أعضاء التنظيم قد لايذكر أمام خلايا أخرى نائمة، والكشف المتأخر يؤكد وجود خرق أمني كبير، لن تستطيع معه الرياض، التي مولت المتطرفين في المنطقة اعتقاداً منها أنها تبعد لهب الجهاديين عن أرضها، وقف المد الجهادي، خاصة أن أعضاء التنظيم بايعوا أميراً وأقاموا شبكة اتصالات كاملة مع تنظيم داعش وجمعوا حوالي 250 ألف دولار كتبرعات، وعند الجارة الشمالية للسعودية الأردن باقي التفاصيل، حيث بُثت تسجيلات مؤخراً على موقع يوتيوب أظهرت عدداً من مقاتلي “داعش” وهم يوجهون تهديدات للأردن باستهدافها بأطنان من المتفجرات، كما تحدثت الأخبار الرسمية الأردنية أكثر من مرة عن إحباط محاولات تسلل لمسلحين من جنوب سورية إلى داخل البلاد، وفي معان حيث يتواجد متطرفون وهم من التيار السلفي الجهادي معظمهم قاتل في درعا ثم عاد، حسب ما أفادت  المعلومات مع اندلاع أحداث هذه المدينة، والتي تشابهت في وقائعها مع ماجرى في درعا، بداية الأحداث من إحراق للمقرات الحكومية واستهداف قوات الأمن، فهل تصبح أو أصبحت معان “الخاصرة الرخوة” للسعودية المحاطة أساساً من الجنوب بتنظيمات تتبع للقاعدة في اليمن، وهل تصبح أو أصبحت هذه المساحة الجغرافية الصغيرة منطلق عمليات القاعدة في الأردن والسعودية؟! خاصة وأن جماعات تابعة للتيارات التكفيرية في معان خرجت أكثر من مرة بعد احتلال داعش للموصل في تظاهرات رفعت فيها أعلام التنظيم، والأمر ذاته حدث تقريباً في الكويت.. ظهر العلم لكن لم يظهر واضعه.

لكن وصول الخطر القاعدي إلى حدود مناطق النفوذ الأمريكية في الأردن والخليج واقتراب النار من مشعليها، دفع الولايات المتحدة لرسم خطوط حمراء للتنظيم، الذي غضت الطرف عن إرهابه في سورية، وبدأ وزير خارجيتها جون كيري جولات مكوكية في المنطقة منذ سقوط الموصل، وجاء قرار أوباما بتسليح الكتائب المتصارعة معها تحت مسمى المعارضة المعتدلة، بعد أن كان اعتبر هذه الفصائل غير قادرة على إحداث تغيير على الأرض السورية لجهة إسقاط الدولة، لكن مهمة جديدة أوكلت إلى هؤلاء هي حماية مصالح الأمريكيين في المنطقة ومقاتلة “داعش” بالنيابة، بالعودة إلى أحمد الجربا ابن عشيرة شمر المنتشرة بكثافة على امتداد الحدود السورية العراقية، كما توالت التصريحات حول وجوب حماية الأردن تحديداً، كونها الهدف الثالث لـ”داعش” كما يبدو بعد سورية والعراق، ولم تتوانَ إسرائيل على لسان وزير خارجيتها أفيغدور ليبرمان عن إعلان تقديم الدعم للأردن في حال تعرضه لهجوم من داعش، فهو خط الدفاع الأول على حدودها الشرقية.

يبدو أن خطر “داعش” لن يقف عند هذه الحدود، والرسالة التي بعث بها التنظيم إلى زعيم “القاعدة” أيمن الظواهري يهاجمه فيها لتحيزه إلى “جبهة النصرة”، تؤكد أن أهداف “داعش” تتخطى الحدود المتوقعة، وفي الرسالة يبين التنظيم أن الجيش المصري هو أيضاً هدف له، كذلك الجيش التونسي واليمني.

محمد عبد الرحمن شعبان