مساحة حرة

عـرسال.. والـمـلـيار السعودي؟!

بعد وضوح صورة الأحداث بتفاصيلها ومجرياتها في المنطقة العربية كلها لم يعد أحد يستطيع أن ينكر أنّ الهدف الأساس الذي تقام لأجله كل تلك الحروب الإرهابية المتوحشة وكل تلك الفظائع وأنواع التخريب والتدمير وتقويض الجيوش بعد إنهاكها إنما هو لخدمة كيان العدو الإسرائيلي وتفوقه على الجميع قولاً واحداً.

ولعل الإيعاز للمجموعات الإرهابية المكدسة في عرسال لفتح جبهة جديدة باتجاه لبنان لا يخرج عن هذا السياق إن لم يكن في صميمه.. ففي حسابات أصحاب الحرب الإرهابية على سورية كانت عرسال منذ بداية الأحداث من أهم نقاط الارتكاز الخلفية لضخ الإرهابيين وتمددهم في العمق السوري ولاسيما باتجاه حمص والقلمون عبر القصير، ولعب هذا الخزان الإرهابي المتصل بمستودعات الإرهاب القديمة في طرابلس دوراً خطراً في تفاقم العمل الإرهابي الإجرامي على مساحة واسعة في غرب ووسط سورية, وليس عبثا أو مصادفة أن يتزامن فتح جبهة عرسال مع احتدام العدوان الهمجي الإسرائيلي على غزة فصمود غزة الأسطوري ومواجهتها للهولوكوست الصهيوني ضدها طوال شهر بأيامه ولياليه أجبر الاحتلال على الاعتراف بقوة المقاومة الفلسطينية بل تحطمت على صخرة صواريخ المقاومة التي طالت كل الأراضي المحتلة، ليس فقط القبة الحديدية وإنما نظرية الأمن الإسرائيلية برمتها ما يعطي مصداقية للتحليلات التي تحدثت عن أنّ فشل «إسرائيل» في تحقيق أهداف عدوانها على غزة، دفع أصدقاءها وحلفاءها في الساحة العربية وخارجها، إلى فتح جبهة في الساحة اللبنانية انطلاقاً من بلدة عرسال على الحدود مع سورية، على أيدي عصابات إرهابية بتمويل أغلبيته من النظام السعودي، ووسط هذا كله، تصاعد الحديث عن «الشرق الأوسط الجديد»، حيث تناقلت تقارير صحفية غربية وعربية صوراً لخرائط ووثائق تقول: إن هناك خطّة لإعادة تقسيم دول الشرق الأوسط وإقامة «الإمارات» بما ‏يتّفق مع المصلحة الأميركية والقوى الإقليمية في المنطقة وتأمين مصلحة «إسرائيل» في الدرجة الأولى وعلى وجه الخصوص.. وتالياً، تكون الجهة الوحيدة القادرة على تمويل مثل هذا المشروع الضخم الذي سوف يغير المعادلات الدولية جذرياً هي خزائن المملكة السعودية وقد أبدى حكامها حماسا منقطع النظير في هذا الاتجاه.

في هذا الوقت، تجاوزت السعودية دور مسدد فواتير الحروب الإرهابية إلى تحريك أدواتها التكفيرية لزعزعة استقرار البلدان العربية وتركيب أنظمة وفق مقاساتها الوهابية الظلامية، وبالطبع كان هاجسها المركزي استهداف الدولة السورية، ولما لم تنجح  حتى الآن ووصلت إلى مشارف الخسارة الكلية كابر أمراء الإرهاب فيها ولم يعترفوا بهزيمتهم أمام الصخرة السورية وصرّح المدعو سعود الفيصل -وزير الخارجية في أكثر من مناسبة، أن السعودية لا تستطيع أن تتحمل خسارتها في سورية، وهذا يفسر لهاثها لإطالة أمد الحرب الإرهابية وفتح جبهات جديدة تطيل من عمر الإرهاب، وفتح جبهة العراق على مصراعيها كان حلقة من حلقات هذه السلسلة وها هي اليوم، تلجأ إلى فتح جبهة في الساحة اللبنانية، وتحديداً في عرسال، على أيدي عصابات إرهابية بتمويل أغلبيته من النظام السعودي، وتهدف من ورائه إلى هدفين اثنين، الأول: إشغال اللبنانيين في ساحة متفجرة هي على  تماس مع «إسرائيل»، وتحريضهم ضد قوى معينة في هذه الساحة، والهدف الثاني: هو إنهاك الجيش اللبناني ومنع أي إمكانية تدخل من جانب المقاومة اللبنانية لمصلحة المقاومة الفلسطينية في تصديها للعدوان الإسرائيلي، وكما أنكرت  المملكة بخبث شديد علاقتها بأحداث العراق تنكر اليوم علاقتها بما يجري في عرسال ووصل المكر والدهاء إلى حد دفعت صنيعتها الحريري الابن ليعلن عن «مكرمة ملكية» بمليار دولار تقدم للجيش اللبناني لمساعدته بمكافحة الإرهاب بعد أن شعرت بظهور إجماع لبناني على الالتفاف حول الجيش في معركة عرسال وذلك دفعا للتهم بأنها وراء مساعدة الإرهاب وتبييضاً لصفحة الحريري الذي تورطت كل جماعته في طرابلس باحتضان المجموعات الإرهابية في الشمال اللبناني من طرابلس مروراً بعكار وصولاً إلى عرسال وقبلها احتضان وتشغيل حركة الإرهابي الأسير في الجنوب.

وكما يقول المثل على من تنفخ  مزاميرك يا داوود فلو كان أسياد الحريري في المملكة جادين فعلاً في مكافحة الإرهاب وإخماد جذوته لكان أسهل عليهم من دفع المليار أن يغلقوا صناديقهم المفتوحة على الآخر لتمويل العصابات الإرهابية فتجفيف منابع تمويل الإرهاب، ومعظمه قادم من السعودية، هو الذي يقضي على الإرهاب وليس تقديم مليار دولار له طابع دعائي واستعراضي بعد أن وقع الفأس بالرأس في عرسال نتيجة تسمينهم الوحوش الملتحية في طرابلس وحشو جيوبهم بالمال السياسي وإطلاقهم الفتاوى التكفيرية صباحاً ومساءً، وبث الفتن المذهبية والطائفية، إذ تحولت طرابلس وبتمويل من الحريري إلى مرجل لشحن الأحقاد وتصديرها، وما الدماء التي تسيل يومياً في لبنان إلا من جراء ذلك ووصلوا إلى حد شنّ حملات على مؤسسة الجيش اللبناني وإثارة البغضاء والعداوة ضده ومع معركة عرسال بدأ أصحاب العمائم الفاسدة في طرابلس بإصدار الفتاوى التي تحلل دماء أفراد الجيش اللبناني على المكشوف, ومن الخطأ أن يظن أحد أن معركة عرسال معركة عابرة أو منفصلة عما جرى في الموصل أو ما يجري في سورية أو بعيدة عن العدوان الوحشي الإسرائيلي على غزة واحتمالات أن يطول أمدها واردة وأن يتوسع نطاقها في عموم الشمال اللبناني أكثر من وارد واستهداف الجيش اللبناني بالتلغيم والتفخيخ يمكن أن يتصاعد ويتفاقم وقد بدأ فعلا حتى قبل السيطرة على عرسال وجوارها واحتلال ثكنات عسكرية فيها ما يعني أن على الحريري بدلا من أن يتباهى بالمليار السعودي لدعم الجيش ويحولها لحفلة للتهجم على سورية ومحور المقاومة ويستغل هذه المناسبة ليكيل التهم لإيران وحزب الله، عليه قبل ذلك أن ينصح محازبيه وأعوانه في الشمال أن يكفوا عن التحريض على الجيش واستباحة دم أفراده.

لبنان أمام لحظة الحقيقة والحريق الإرهابي الكبير بدأ في عرسال وغير معلوم إلى أين يصل والمليار السعودي جاء لذر الرماد في العيون وإخفاء الأصابع السعودية في دعم المجموعات الإرهابية سابقاً ولاحقاً وما لم تتوحد إرادة اللبنانيين بمختلف فئاتهم وتتم مواجهة حواضن الإرهابيين بلا تردد ويقوم تعاون تام مع سورية وجيشها فمن الصعب إطفاء النار الزاحفة إلى كل أنحاء لبنان

د. تركي صقر