مساحة حرة

خلافة الدّولة!

تقترح المفردات دلالاتها الخاصة، عندما تطلقها مصادر “مسؤولة”، أو ما يعادلها من ناطقين رسميين ومشتقّاتهم! ولكن عندما تكون الحقيقة أقرب من المدى المجدي لصواريخ توماهوك، لن يكون بوسعنا تصديق الانفجارات الصادرة عن مكبرات الصوت في البيت الأبيض!

لم يعد بوسع “الحاج” أوباما أن ينتظر وقتاً إضافياً، لاستكمال المشروع الأميركي، في تفكيك مفهوم الدولة الوطنية، وإنشاء مجموعات بشرية عابرة للقارات، بلا ولاءٍ، ولا انتماء،لأن الحرب القادمة على مصادر الطاقة، يجب أن تتجاوز ولاء الحكام لبلدانهم؛ وما لم تكن مصالح الولايات المتحدة أولوية “ذات سيادة”، لن يكون الاستقرار من الملامح المعتمدة في حياة شعوب، وأمم، ترى مصالحها أهم من الشركات، والمصانع الأميركية. ولذلك أنتجت مراكز الدراسات الأميركية “فيروس” التطرف الإسلامي، وقامت بتعميمه “حقناً أيديولوجية”، لتتمكن من إعادة تشكيل العالم، وفق حاجاتها المستجدة، المتصلة بوجوب استمرار دورها الإمبراطوري المسيطر، بما يكفل إجهاض أي محاولة لنشوء كيان سياسي يقاسمها السيطرة، بعد أن بدأت روسيا الاتحادية، العمل ـ بجدية ـ على استعادة دور فاعل في المشهد السياسي الدولي، يرافقها دور “خجول” للصين الشعبية، وتساندها منظومة البريكس، بكتلتها الاقتصادية العملاقة.

وبما أن الصيغة السياسية الدولية الراهنة ـ التي استقرت بعد الحرب العالمية الثانية ـ أصبحت تمثل عائقاً أمام استمرار العصر الأميركي، وتدفق “الكوكاكولا” بدلاً من مياه الآبار المحلية؛ اخترع الخبراء الأميركيون صناعة ثقيلة جديدة، هي صناعة الثورات، التي تمكنهم من غزو الأسواق، على حساب المستهلكين أنفسهم، وبلا حسابات لمخاطر تلوث البيئة، أو ارتفاع كلفة “الإنتاج”!

تمزيق الجغرافية “بالثوّار الداخليّين”، أجدى، وأعمق تأثيراً من الصواريخ الجالسة على “مقاعد الاحتياط”! حتى يتمّ استنزاف اللاعبين، وينتهي التمديد للأشواط الإضافية، ثم يتدخل “الحَكَم” الأميركي، مطلقاً صاروخ النهاية على الملعب كله، ماسحاً سجلّ الأهداف المحتسبة، ليعيد صياغة النتائج بما يراعي مصلحة مكتب المراهنات، التابع لوزارة المالية الأميركية، صاحبة الولاية “الحصرية” في جباية الأرباح!

وبما أن العقل النائم في الغبار، هو الأقدر على تثبيت الزمن في لحظة انعدام الوزن، لجأ الأميركي إلى استثمار التكنولوجيا، في غيبوبته المدمّرة! تاركاً مصير السماء معلّقاً بين كثافة اللحى، وخفّة الرأس! حتى يتمّ تعميم اللون الأسود، على الممرات الإجبارية “للثوّار” السائرين في درس “النظام المنضم”، على الإيقاع الأميركي، نحو تفكيك الجبال، وإعادة رسم مجاري الأنهار، وبناء “جمعيات سكنية”، للوافدين من أصقاع الضلال لحصاد النساء في الجنة!

ولن يكون بمقدور أحدٍ أن يلوم “الحاج” أوباما على نصرة “تعددية الدين”، طالما أن خادم الحرمين يعمل في خدمة التفسير اليهودي له، مجنّداً أتباع المال “الحلال” دعاةً له على منابر التحريض، وخبراء تسويق لبضاعته القاتلة، باسم الدين المعتقل في غوانتانامو، والخارج بسند كفالة، حتى يتمّ القضاء على الأذان باللغة العربية، تحت ستار دعم، ومساندة دولة الدين، والخلافة الضائعة بين طربوش أردوغان، ودور الأزياء في باريس، والغائبة عن الوعي بسبب رائحة الغاز الطالعة في صحراء قطر.

لا…ليس بوسعنا أن نلوم أميركياً يخدم مصالحه، وليس بوسعنا اللجوء إلى المصطلحات الأخلاقية، في القواميس المهجورة على قارعة الضعفاء، لأن الدول مصالح، وليست جمعيات خيرية، تقدم ميزانيتها الختامية مشفوعة بالفاتحة، أو بصلاة “أبانا الذي في السماوات”!

الدول ـ بصيغتها الراهنة ـ ليست النموذج الأمثل، الذي دفعت البشرية ملايين الضحايا في حربين عالميتين، حتى وصلت إليه؛ ولكنه يظل مؤسساً على مبدأ قانوني محترم، هو سيادة الدول، وهو ـ بالضبط ـ المبدأ الذي يعمل الأميركيون على إلغائه من قواميس العلاقات الدولية، ويحشدون من أجل تحقيقه إرهاباً متعدد الجنسيات، يندفع بغرائزه الوحشية، زاعماً أنه يسعى لإقامة دولة الخلافة، وهوـ بكامل رصاصه ـ في خدمة مشروع خلافة الدولة!

عصام خليل