مساحة حرة

الأقصى فلسطين.. سابقاً!

لم يكن المغفور له أبقراط ليعتقد أنّ السّياسة تستفيد من مهنة الطبّ! وتنفذ إجراءاتها، سعياً إلى علاج الحالات المزمنة، والمستعصية؛ بدءاً بالتحاميل المسكّنة مروراً بالجرعات العالية المهدّئة، لتنتهي إلى الاستئصال الكامل! ولا جدال في أنّ الأميركيين تفوّقوا على المرحوم أبقراط؛ لأنّ تطوّر الطبّ في العصر الحديث، منحهم فرصة قلب الأشياء رأساً على عقب! فهم يستطيعون صناعة الأمراض، واستئصال “المرضى” غير الخائفين منها، تمهيداً “لزراعة التحاميل المهدّئة مجّاناً”، للمواظبين على برامج مصحّاتها، ومشافيها!.

ولاشك أننا نحن العرب قدّمنا خدمةً جُلّى للإنسانية، عندما “تطوعنا” لنكون حقل التجارب الحيّ، والنوعيّ، لمراقبة نتائج برامج المعالجة السياسية، للقضايا التي كانت توصف “بالمصيرية”، قبل أن تتحوّل بفعل المعالجة إلى مجرّد زكامٍ بسيط، يمكن استئصاله بكأس دافئ من البابونج!

كان الشارع العربي يضجّ مستنكراً صمت الحكّام العرب، وتخاذلهم عن نصرة فلسطين، فأصبح يحتفظ باللّافتات الملطّخة بالشّعارات المندّدة، ليقيم طقساً “روتينيّاً” من الاحتجاج “العاقل”، في الذكرى السّنوية لاغتصابها! وهذا مؤشّر على فعالية ما تستورده وزارات الصحة العربية، من مهدّئات تحوّل الغضب إلى “حكمة”!.

ولابد من الاعتراف، أنّ المضادّات الحيويّة للحسّ الوطني، والقومي، كانت بالغة الفعاليّة؛ أخذاً بعين الاعتبار، الطبيعة “الجلفة” للمواطن العربيّ، ممّا يستدعي رفع الجرعة إلى حدّها الأعظميّ، ليتحوّل الغضب، والحكمة، معاً إلى مجرّد تعبير رصين، يُختزل في تكشيرة تفهّمٍ صفراء، أو هزّة رأس متعاطفة، لدى أصحاب النشاط المفرط!.

ولكي لا يتهمّني البعض، ممن أنعم الله عليهم بسوء الظنّ، أنني أُحمّل المسؤولين العرب، وزر إنتاج هذه التحاميل والأدوية، فإنني أحيلهم إلى المراجع المختصة، في الـ CIA، لكي يتأكدوا أنّ هذا الإبداع، هو “ماركة مسجلة” للمشروع الصهيوني، الذي بدأ تنفيذه بوعد بلفور، ويبدو أنه سينتهي في حانوت “أبو حسين أوباما” للمواد البلاستيكية، وحقوق الإنسان! ذلك أنّ “المرضى” العرب، كانوا مصمّمين على تحرير فلسطين، ثمّ اكتفوا بتحرير الأراضي العربية المحتلة عام 1967، ثمّ عولجوا من وهم التحرير، ونُقلوا إلى مصحّات التفاوض، وبعد عشرين عاماً، أو أكثر، من المفاوضات “الشّاقة”، أصبح قصارى جهدهم أن لا يدنّس الصهاينة المسجد الأقصى! وصار الغضب، والرّفض، والتّنديد، مقتصراً على دخول الجند بأحذيتهم إلى الحرم الشريف، وكأنّ هؤلاء الجنود، دخلوا فلسطين، واغتصبوها حفاةً! أو كأنما كان بوسعهم أن يدخلوا المسجد الأقصى، لولا دخول فلسطين!.

اختُزلتْ فلسطين في المسجد الأقصى، الذي يجري العمل الآن على معالجة “حالتنا” إزاءه! وسيتحوّل الموقف قريباً إلى شراكة بين ديانتين، لاقتسام قدسيّة المكان، ثم ستستولي “إسرائيل” عليه بالكامل، لبناء أصنامها، وهيكلها المزعوم. ولاشك أننا عندها- لن نغضب؛ لأنّ “علاجنا” جعلنا عقلاء جدّاً، وسوف نكتفي بهجرانه تحت شعار: لاحول ولا قوّة إلا بالله!.

ومن لم يصل بعد- إلى مرحلة ناجحة من التعقّل، بفعل المعالجة، فسوف يحوّله الأميركيون إلى برنامج” داعش لعلاج الرّاعش”! وهو برنامج لا يستخدم الطاقة الشمسيّة، في تسخين المنطقة؛ لأنّ تلوّث البيئة هنا غير مهمّ، لكنّه يلجأ إلى نمطٍ جديد من الحقن البيولوجية، تؤدي إلى ارتجاف في الرّكبتين، يُقنع “أنصاف الرجال”، أنّ الأرض هي التي تهتزّ تحتهم، فيقعون ركّعاً، وسجّداً، مسبّحين بحمد الأميركيّ، ونعمته التي أتمّها عليهم، برضاه عنهم!.

لم يذكر الطبريّ، ولا غيره من المؤرخين، والمستقبليين العرب، أن “داعش” نشأت في بلاد مابين النهرين، لكنّ المختبرات الأميركية، تعرف تماماً- أسماء الفيروسات التي تنتجها، وتُحدّد لها الأجساد التي يجب أن تعيث فيها إرهاباً، لكي تتمكن لاحقاً- من بيع التحاميل المهدّئة، في احتفال عالميّ، يعود ريعه لحماة العروش، بقوة التحالف الدّولي، القائم على القناعة الرّاسخة، بأنّ البعير العربيّ يجب أن يستعيد دوره، كأهمّ وسيلة نقل! لأنّ “دواليبه” لا تنغرس في الرمل، ولا يستهلك الوقود، فضلاً عن أهمية روثه في تخصيب النخيل!.

جمع الأميركيون دولاً “بكامل هيبتها”، لمحاربة داعش! وحشدوا الطائرات، والصّواريخ، تحدّياً منهم لعلوم أبقراط، الذي كان يعتقد ببدائية ساذجة أن العلاج يوصف بعد المرض! فأصرّ الفقهاء الأميركيون على صناعة الأمراض أولاً، ثمّ العمل مع “الأسرة الدولية”، على معالجتها ثانياً! وهم من التواضع بحيث لا يطالبون لأنفسهم بجائزة “نوبل”، بل يكتفون بتحديد “الجزية”، التي ينبغي على “الناجين” دفعها؛ لأنّ تمويل الأبحاث المتعلقة “بالتّدجين، والتلقين، ومختلف أنواع الخصاء السياسيّ” هو واجب مستحق على الجِمال المستفيدة منه، وجرّب أن تُغضب جملاً إن كنت بطلاً!.

 

 

عصام خليل