مساحة حرة

ثوابت ومستجدات… هل بدأت حرب الأقمار الصناعية؟

يبدو المشهد الميداني السوري أكثر وضوحا من جهة تقدم وحدات الجيش العربي السوري وحلف المقاومة على كافة جبهات القتال المشتعلة، ويبدو أيضا أن قرار المحور المقاوم قد اتخذ بالقضاء الاستباقي على بؤر الإرهاب المستجلب والمغذى دوريا التي تشكل خطورة استراتيجية تؤثر سلبا على مجريات التقدم السياسي الديبلوماسي لكل من ايران وسورية ورؤى البلدين المستقبلية، فيما يواصل تنظيم داعش الإرهابي الرد القذر بإيعاز صهيوني مباشر بتدمير الإرث الحضاري والإنساني في سورية خاصة والعراق، يقينا منه أن هالته التي عمل جاهدا على إبرازها كقوة أسطورية لا تقهر ولا يمكن هزيمتها وسحقت يمكن لها أن تحافظ على بعض منها عبر التدمير الممنهج وعدم الاكتراث للتاريخ وهالته العظمى، الذي بطبيعة الحال يؤرق عراب داعش الأصيل ألا وهو الأميركي فدول بلا تاريخ وحضارة توازي أميركا وإسرائيل ويرضي كليهما، لذلك نرى اهتماما باهتا لما يحدث من جريمة بحق الانسانية جمعاء..

اتخذت حكومات البلدين خطوات استباقية لحماية ما تبقى من هذا الإرث المجيد، في حين طورت القوات السورية قدراتها القتالية ولأول مرة تستعين القوات الجوية السورية بالأقمار الصناعية الصديقة لتحديد مواقع وأوكار الجماعات الإرهابية المسلحة موجهة ضربات نوعية مباغتة، أولاها في ريف ادلب حيث أطلق سلاح الجو طائرة بلا طيار مستهدفة بصاروخ نوعي استراتيجي قادة كبار لجبهة النصرة، وضربة أخرى على بعد كيلو واحد من فلسطين المحتلة لغرفة قيادة وتحكم لما يسمى الجيش الأول الارهابي وهو ما يطلق عليه أميركيا بالمعارضة المعتدلة والحصيلة قادة بارزين قتلى وأيضا بطائرة بلا طيار، وبهذا تكون سورية وحلفائها قد وجهوا رسالة قوية وغير مسبوقة لحلف العدوان: أن ما في جعبتنا لا علم لكم به وغير مسبوق، وكلما تماديتم بمواصلة الحرب كانت بانتظاركم مفاجئات نوعية صاعقة وقاصمة للعمود الفقري لإرهابييكم وربما تسارع الأحداث سينتج ردودا لا ترغبون بتحمل عواقبها وعليه، لا تراهنوا على معتدلين أو غير معتدلين فاللعبة انتهت وما كتب قد كتب..

في العراق يبدو المشهد مختلفا عن السابق بدرجة كبيرة، فحاضنة داعش صارت اليوم كتفا بكتف وفي خندق واحد مع الجيش العراقي والحشد الشعبي وهذا ما سرع زيارة مارتن ديمبسي للعراق بعد أن استبق الزيارة بكلام طائفي مقيت مضمونه تهديد مبطن وابتزاز لحكومة بغداد، وما أن وطأت قدماه أرض العراق حتى صدم من هول ما رأى وإذ بالعشائر العراقية تعلنها صراحة وبصوت مرتفع هذه المرة بلا خوف أو وجل: أن إيران صديقة لنا وأن الحشد الشعبي أخوتنا جاؤوا للدفاع عنا بعد أن أوغل داعش سفكا في دمانا وهتكا لأعراضنا، وأن الجيش العراقي حامي العراق وكلنا تحت رايته نقاتل وطرحكم الطائفي المقيت سيد ديمبسي مرفوض، إما أن تدعمونا بلا شروط وإما سندحر الإرهاب عن بلدنا بقدراتنا الذاتية وتكاتفنا سوية بدعم الأصدقاء وعلى رأسهم ايران، وما تسارع المطالبات العربية عبر الجامعة العربية المتهالكة لتشكيل قوة عربية لمكافحة الإرهاب إلا لتعطيل وتخريب الدعم الإيراني الصادق والنزيه للعراقيين ولن تقوم لهكذا قوة قائمة، لأن لا قوة عربية بمقدورها القيام بذلك فالدول العربية بالكاد تحمي حدودها كيف لها بالقتال خارج الحدود!؟

على الصعيد الدولي بدا واضحا الانقسام الأميركي الغير معهود بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فرسالة الأول لإيران تعد ضربة قوية لأوباما من منطلق كسر مهابة الرئاسة وتخطيها والأكيد أن للوبيات الصهيونية يد بذلك، إذن نتنياهو يترجم التحدي فعلا واقعا في حين كان الرد الأميركي الرسمي تسخيفا لما حدث من جهة ورفضا له ومنددا، وفي إيران يكاد يكون الرد نفسه من جهة أخرى فيما الأوروبيون منشغلون بمحاولاتهم الخروج من ورطة أوكرانيا واليونان، وما الحديث عن تشكيل جيش أوروبي موحد إلا من باب العنتريات المقلدة للأميركي لبسط نفوذ أبعد أن تكون، وهي فاشلة بكل الأحوال وهذا ما قاله الروسي علانية محذرا الأوروبيين اللعب بنار لن تبقي ولن تذر..

على صعيد متصل يبدو التخبط العربي جليا فتارة نرى الأردني حاطا رحاله في طهران وتارة نراه في البرلمان الأوروبي، في حين المصري يتمنى جيشا موحدا والسعودي يريده لقتال الإرهاب وإيران وسورية! في حين ليبيا تعد المعضلة الكبرى للجميع ناهيك عن نار البحرين التي لم يستطع النظام الإرهابي المجرم فيها إطفاءها لأنها نار حق مبين، وبهذا يكون المشهد العربي عموما متخبطا هزيلا ينتظر مآلات الأمور وما سيترتب على الاتفاق النووي الايراني إن تم، لتبقى مسألة اليمن هاجسا خليجيا كبيرا مهما حاولوا إذكاء ناره الأهلية سيخلصوا أن لا حل دون أنصار الله وهذا ما سيحدث حتما، وقريبا سيوعز لهم الأميركي لنرى تبدلا في المواقف وأفولا للعنتريات..

إن الأزمة السورية منتهية منذ الاتفاق الكيميائي، لكن السعودي وحقده الدفين لا يريد للحرب نهاية ولغايته يماشيه الأميركي ومعه العرب المؤجرة ضمائرهم، ويبدو أن العمل خارج نطاق الحدود لحلف المقاومة بات أمرا ملحا لردع ولجم هذا الحقد الأعمى الذي يسفك بسببه دم كثير مظلوم في كل من سورية والعراق، فلماذا لا يعمل الحلف المقاوم على تسليح المعارضة البحرانية والسعودية واليمنية في آن معا؟ أو لتكن الحرب لما بعد الحدود وهذا حق أصيل للدول إذا ما طالها خطر مجاور، حينها ربما يشعر المتآمرون بدنو الساعة والخطر القريب فيكفوا عن حقدهم والعدوان..

لا أفق للحرب ليفهم السعودي والأميركي والإسرائيلي وعربهم العاربة، سورية حزمت أمرها والعراق على خطاها والإرهاب إلى زوال والحرب وضعت أوزارها وإن طال لهيبها، إن الدماء السورية لا يمكن أن يغفر الله لمن سفكها وستؤول لعنة أبدية تلاحق كل من أوغل فيها، وعلى المتآمرين أن لا ينسوا أن الظلم ظلمات وإن دام دمر.. المستجد إصرار على النصر بحزم.. والحسم الاستراتيجي عنوان المرحلة الجديد فتنبهوا، والثابت حقد سعودي عميق مقيت أكل عليه الدهر وشرب، وما كان للباطل نصر على حق يوما إنما النصر للحق دوما.

 

عصام عوني