نمر: “البعث” يستطيع أن يلعب دوراً رئيساً في استنهاض حركة التحرر الوطني العربية
*سؤال: تمرّ الذكرى الثامنة والستون لتأسيس الحزب في ظل الأزمة السورية التي دخلت عامها الخامس، والتفكك العربي غير المسبوق والظروف الإقليمية والدولية المتوترة، كيف تنظرون إلى دور الحزب ومشروعه القومي؟.
يُحسب لحزب البعث العربي الاشتراكي أنه بُني على أساس قومي، بهدف تحرير الأمة العربية من الاستعمار الغربي وتوحيدها في دولة واحدة، ونحن الشيوعيين وكما يقول لينين قائد ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى: “إن هناك قوميتين، الأولى هي قومية الأمة الظالمة، والثانية قومية الأمة المظلومة” وكما قال ماركس المفكر الكبير العظيم تعليقاً على توحيد الولايات الألمانية على يد بسمارك عام /1871/: “إنه يقوم بجزء من عملنا” ونحن جزء من قومية الأمة المظلومة التي خضعت للاستعمار العثماني عدة قرون، وأخذت تناضل للتحرّر من الاستعمار الغربي الذي تلاه، وتشير مختلف الأدبيات والمواقف التي اتخذها الحزب الشيوعي السوري إلى تأييده للوحدة العربية وانخراطه في النضال القومي ضد الاستعمار والصهيونية منذ بداية تشكيل مشروعها الاحتلالي.
ولم يقتصر إطلاق المشروع القومي على حزب البعث بمفرده، بل برز في عقد الأربعينيات من القرن الماضي تيار حركة القوميين العرب مثل قسطنطين زريق وساطع الحصري وجورج حبش، كما برز العديد من المفكرين القوميين في سورية ولبنان ومصر.
ونتذكر هنا الدور التاريخي للزعيم الراحل جمال عبد الناصر في نشر الروح القومية على امتداد الوطن العربي وترسيخ مصر جزءاً منه على الضدّ من الروح الانفصالية والفرعونية التي سادت مصر في حقبة من الزمن.
ولكننا نلحظ في جميع هذه المشاريع القومية العربية بعض النزعات التي أدّت إلى إضعاف فاعليتها ومنها:
– الاستهتار بالمسألة الاجتماعية وبالفكر الطبقي وعدم ربطه بالفكر القومي وتحوّل القومية إلى قومية رومانسية.
– عدم الاهتمام بمسألة الأقليات القومية في البلدان العربية واعتبار بعضها دخيلة على الأمة العربية وتعامله معها بطريقة متعصّبة، وهذا لا ينفي وجود بعض الحركات القومية ذات النزعة الانفصالية ووفق ما جرى من تفتت في السودان.
– الابتعاد عن النضال الأممي الذي يمثل الوجه الآخر للنضال القومي العربي، حيث إن المشتركات بينهما كبيرة جداً والعدو واحد وهو الامبريالية العالمية.
لاشك أن المشروع القومي العربي الذي حقق في حقبة الخمسينيات وبعض الستينيات تقدّماً كبيراً قد آل إلى التفكك، لأسباب تعود إلى ما ذكر قبل قليل، وبعضها الآخر يُعزى إلى شدّة الهجوم الإمبريالي الصهيوني الذي تجلى في هزيمة 1967 وما تلاها من تداعيات وتعاظم دور الرجعية العربية، وخاصة الخليجية بما تملكه من ثروات نفطية هائلة ووفاة عبد الناصر وتعثر الأنظمة الوطنية العربية، نتيجة تفاقم نزعة الانفراد بالسلطة في داخلها، وابتعاد الشعب عنها، وغياب الديمقراطية، وصعود الفكر الديني الظلامي الذي تمكن من ملء الفراغ الحاصل نتيجة تراجع الفكرين القومي والاشتراكي، وتنامي ظاهرة الفساد التي خرّبت عقول وضمائر قطاعات واسعة، وبروز الحلول الفردية والانتهازية وغياب خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، وجاء انهيار الاتحاد السوفييتي أوائل التسعينيات ليشكل الخسارة الأكبر لحركة التحرّر الوطني العربية.
إن إحياء المشروع القومي التحرّري يبدأ أولاً بإنقاذ سورية من أزمتها الحادة لتتمكّن من استعادة دورها القومي التاريخي، وإعادة بناء نظامها السياسي على أسس التعدّدية السياسية عبر تنشيط الحياة السياسية، وإطلاق الحريات الديمقراطية وحرية الصحافة، وجعل الإعلام في متناول الأحزاب والمجتمع، وانتهاج سياسات اقتصادية بعيدة عن الليبرالية الجديدة.
إن الانطلاق من سورية الجديدة نحو الآفاق العربية هو أمر ممكن، لأن الركيزة الأساسية للمشروع الإمبريالي في المنطقة العربية هي تقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ.
إن حزب البعث يستطيع أن يلعب دوراً رئيسياً في استنهاض عوامل القوة في حركة التحرّر الوطني العربية إذا تمكن من الخروج من الأخطاء التي رافقت مسيرته في السلطة حيثما حكم، ولكنه لا يستطيع بمفرده في سورية ولا في غيرها، أن يلعب هذا الدور المنوط به، وينطبق كل ذلك على جميع الفصائل اليسارية والوطنية والقومية الأخرى في الوطن العربي.
*سؤال: كيف تقيّمون علاقتكم بحزب البعث، وهل ما زالت الجبهة الوطنية التقدمية صيغة صالحة للواقع السوري الذي شهد تغيّرات هائلة في السنوات الأخيرة؟.
لا شك أن للأداة الثورية دوراً كبيراً في إنقاذ المشروع الوطني والقومي العربي من السقوط، لقد أثبتت تجارب الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية السابقة وبلدان حركة التحرر الوطني، أن التعدّدية الحزبية والسياسية عبر صيغ الجبهات الوطنية والتقدمية هي التي تعبّر عن الحاجة الموضوعية للمجتمع وتنسجم مع تركيبه الطبقي المتعدّد، ولا يوجد أي تناقض بين التقدمية والديمقراطية فالحريات الديمقراطية للجماهير وقواها الوطنية التقدمية هي الرافعة الأساسية لعملية التقدم الاجتماعي وتحقيق المهام الوطنية والقومية أيضاً، ويجب أن نجعلها سلاحاً بيدنا وليس مبرراً أو حجّة بيد القوى الليبرالية أو القوى الرجعية في المجتمع.
وعلى هذا الأساس بنينا علاقتنا التحالفية مع حزب البعث طوال نصف قرن من الزمن سواء من خلال التحالف الثنائي أم التحالف الجبهوي، ويمكن القول إن الجبهة الوطنية التقدمية القائمة حالياً قد أدّت دوراً مهماً في تمركز القوى الوطنية وتأطير قواها، لكن ضعف الحياة السياسية في البلاد ووحدانية السلطة، أعاقا قوى الجبهة عن أن تقدّم نفسها أمام الجماهير، وأن تتحوّل إلى شريكة فاعلة في إدارة شؤون البلاد.
والأمل معقود الآن على صدور ميثاق جديد وإقرار بنية تنظيمية جديدة لها، لتنسجم مع معطيات الدستور الجديد الذي حدّد نظام الحكم في سورية بأنه نظام تعدّدي ديمقراطي.
*سؤال: كيف تنظرون إلى الأحزاب الجديدة المرخّص لها، وما مدى قدرتها على التأثير في الحياة السياسية؟.
نحن رحّبنا بظاهرة تشكيل أحزاب جديدة مرخّصة في البلاد، فهي الخطوة الأولى نحو التعددية السياسية، ولكننا لم نكن واهمين حول حجم الدور الذي ستلعبه هذه الأحزاب في الحياة السياسية خلال الفترة القصيرة من عمرها.
إن الحياة السياسية الفاعلة والتعددية في المجتمع السوري تساعد على نشوء قيادات أو كوادر سياسية مجرّبة.
ولكن القيادات تولد في خضمّ النضالات الاجتماعية والسياسية، وفي خضم المعركة الوطنية نفسها، وهناك ضرورة لأن تعطى هذه الأحزاب فرصة أطول للبرهنة على قدرتها على الاستمرارية والتطور.
ونحن في أحزاب الجبهة، التي من ضمنها أحزاب عمرها تسعون عاماً مثل الحزب الشيوعي، مستعدّون للتعاون مع هذه الأحزاب وإفادتها بخبراتنا الطويلة.
صحيفة البعث | البعث ميديا