مساحة حرة

كيف قرأت «إسرائيل» قرار تشكيل قوة عربية؟

لقد اعتدنا منذ نشوء كيان الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين أن تقوم حكومة الاحتلال بحملة دولية ضد أي لقاء ثنائي بين الدول العربية ناهيك عن أي توجه عربي لتشكيل جبهة عسكرية موحدة، وعلى هذا الأساس بقيت معاهدة الدفاع العربي المشترك حبراً على ورق منذ خمسين عاماً، واستطاعت إسرائيل وحلفاؤها الغربيين شق الصف العربي في أكثر الظروف استثنائية، وأعني خلال حرب تشرين التحريرية.

لكن أن يخرج علينا «الإعلام الإسرائيلي» ممجداً ومرحباً بقرار الجامعة العربية تشكيل قوة عربية مشتركة قوامها 40 ألف جندي، فهو مدعاة للتأمل والتندر في آن معاً، فكيف لعدو الأمة العربية أن يرى في قوة عربية مشتركة «مصلحة إسرائيلية»؟!!

فقد رأت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أن إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة «يخدم إسرائيل», ومن هذا المنطلق لم يخرج أي تصريح رسمي أو غير رسمي من مسؤولي سلطات الاحتلال ينتقد أو يعلق بشكل سلبي على هذا القرار، بل على العكس رحبت«إسرائيل» بهذه القوة لأنها ترى وتجزم من موقع «المطلع والعليم» أنها قوة موجهة ضد إيران وبعض «التنظيمات الإسلامية المتشددة» وربما ضد بعض الحكومات العربية وليس ضد تل أبيب. وما تقوم به السعودية من عدوان على اليمن يثبت صحة التفسير الإسرائيلي.

ليس هذا فحسب، فإن إنشاء قوة عربية مشتركة بحسب تسفي برئيل محلل الشؤون العربية بصحيفة «هآرتس»، أمرٌ لا يقلق إسرائيل، بل «يجعلها تطير من فرط السعادة؛ ذلك لأنها ترى في هذه القوة جزءًا لا يتجزأ من ركائز أمنها، وهي تمتلك في هذه القوة أسهماً ممتازة». كيف لا وهي تدرك أن القوة العربية المشتركة التي يجري التحضير لتشكيلها لن تستخدم ضدها في يوم ما، بل على العكس تأمل أن يتم استخدامها ضد حركة حماس في قطاع غزة، في ظل تصنيف مصر للحركة كمنظمة إرهابية ومطالبة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس القمة العربية في شرم الشيخ باستخدام «عاصفة الحزم» ضد حماس في قطاع غزة على غرار ما تقوم به في اليمن باعتبار الحركة انقلبت على الشرعية الفلسطينية!!

ما هي الأسهم «الإسرائيلية» في القوة العربية المشتركة؟

يبدو أن تلاقي المصالح والأهداف بين السعودية و«إسرائيل» ومصر يجعل من القوة العربية ذراعاً إسرائيلياً لضرب العرب المناهضين للاحتلال الإسرائيلي، وما عاصفة الحزم إلاّ دليل على ذلك. فقد كشف الفريق أمير إيشيل رئيس سلاح الجو في جيش الاحتلال لصحيفة “يلي” الإسرائيلية أنَّ سلاح الجو الإسرائيلي يشارك قوات “عاصفة الحزم” بقيادة السعودية في ضرب اليمن بسرب طائرات. وأضاف أنَّ الإسرائيليين يثبتون الآن للعالم أنَّ «إسرائيل» ليست مجرد جسد مريض بين الدول العربية، بل إنَّ هذه الدول تستعين بها اليوم للتخلص من أحد أصدقائها. هذه بعض الأسهم الإسرائيلية في القوة العربية وما خفي أعظم!!

باب المندب «أمن قومي إسرائيلي – مصري»

يرى الدكتور «يهودا بلينجا» الباحث في جامعة بر إيلان في تصريح لموقع (إن. آر. جى) الإخباري الإسرائيلي أن توسع النفوذ الإيراني في اليمن استراتيجي وله آثار كبيرة على المنطقة كلها، وإن سيطرتها على البحر الأحمر تمثل تهديداً لم تشهده «إسرائيل» منذ عصر جمال عبد الناصر الذي أغلق مضيق تيران، لأنه يهدد حركة السفن الإسرائيلية التجارية، والطائرات الإسرائيلية المدنية المتجهة إلى الشرق الأقصى.

التعليق يتطابق مع التصريحات المصرية من أن سيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب يشكل تهديداً للأمن القومي المصري.. بالأمس كان جمال عبد الناصر تهديداً للأمن الإسرائيلي واليوم الحوثيين في اليمن تهديد لأمن مصر و«إسرائيل» معاً، ويا لها من مفارقة.

القوة ستحارب النفوذ الإيراني

لم تخرج صحيفة «معاريف» عن سياق الموقف العام الإسرائيلي فرأت أن «مصر ستساهم في هذه القوة بوحدات عسكرية، بينما ستقدم السعودية «بيت المال» التمويل اللازم، والهدف سيكون مواجهة التأثير والنفوذ الإيراني في الخليج، ومحاربة داعش والقاعدة«. الصحيفة «توقعت» أن يتم استخدام القوة من قبل المملكة العربية السعودية ومصر وحلفائهما للتدخل بقوة في مناطق «ساخنة بالشرق الأوسط»، ليس من بينها فلسطين المحتلة «الساخنة» منذ 68 عام.

ختاماً نقول أنه ليس جديداً على آل سعود شن حرب على الشعب اليمني المعروف بانتمائه العروبي ومواقفه القومية تجاه قضية فلسطين وكيان الاحتلال الإسرائيلي، لكن الصورة في بلاد النيل من القاهرة إلى الخرطوم تثير الريبة والشك حيال التورط الفاضح والانضواء المهين تحت عباءة ممالك الرمال والنفط.. والتاريخ سيسجل أن الجماهير المصرية حملت خلال حملة الانتخابات الرئاسية صوراً للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع صور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تيمناً بأن يسير على خطاه .. فهل يخذل السيسي شعب مصر عند أول منعطف؟ وهل نفاجئ بسادات مصر جديد أم هو أخطر؟!! أسئلة تنتظر قادمات الأيام.

 

عبد الرحيم احمد