line1عربي

حدادة: نخوض والبعث معركة مصير وحل الأزمة يبدأ بمواجهة الإرهاب

لم تكن ساعتان من الزمن فسحة كافية للحديث مع خالد حدادة، “رجل الواقعية السياسية” في لبنان، عن مجمل تداعيات سنوات رديئة مضت، وأخرى تأتي، فجدول أعمال “الآخر” في إقحام منطقتنا بكل ما هو صادم يتواصل فصولاً مأزومة النهايات في العقل والسلوك، وبما يجعلنا– نحن دعاة الدولة المدنية المقاومة- لا نكاد نطوي لجة الألم من أسئلة صادمة مرة المذاق، حتى تداهمنا أسئلة أشد مرارة!.
تلك حال “إمساك الزمن” الذي كعادته “يفر” سريعاً عند إجراء أي حوار نقدي، وهي حال تزداد صعوبة إذا ما اقترنت بالحيرة في طَرقِ بداية توافقها معرفة، وتفتح الطريق أمامها مواقف وتحليلات، خاصة أن الكثيرين يرون أن البدايات غالباً ما تكون مبهمة وعصية على الاستدلال، والإمساك بتلابيبها، ولكن حين يكون “المخاطب” خالد حدادة، الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، فإن الحال تشذ عن رؤيتهم تلك، لجهة توقّع حوار متماسك يجتاز حجة إمساك الزمن، ولعل ما يساعد على هذا التوصيف، أنه حوار مع قائد سياسي مسكون بالواقعية، ما يسمح بالنفاذ مباشرة نحو عمق الحقيقة، وليس مجرد تأويلها.
الشيوعي والبعث في خندق واحد
إذاً، وفي آخر زيارة لزعيم المدافعين عن السنديانة الحمراء، خالد حدادة إلى دمشق، وكانت قبل أيام، وفيها التقى قيادة حزب البعث، وقوى وطنية وحزبية، ووزراء، ومسؤولين، أسعدني الحظ بإجراء هذا الحوار معه، وأنا الذي التقيته من قبل، وكان ذلك في عام /2011/، وكانت حمى “الربيع العربي” على أشدها في المنطقة، وقد بدأت تفتك آنذاك بالجسد السوري، وأذكر أن زيارته تلك كانت من أجل لقاء قيادة حزب البعث، وكنت حاضراً فيه، والحوار عما يمكن أن تفعله الأحزاب القومية، والقوى اليسارية والتقدمية تجاه الرد على هستيريا “الآخر” في تجهيلنا، وبعثرتنا، والقضاء على أي تطلّع نحو دولة مدنية لكل مواطنيها.
وبالطبع، فقد ذكرّته في بداية حوارنا الجديد بذلك اللقاء،  وكان متوقعاً أن أسأله: ما الذي تغير بين ذلك اللقاء، وبين لقائك اليوم مع قيادة البعث، وكان رده أنه بخلاف الأحداث العاصفة التي مررنا بها معاً، والتحولات والاصطفافات التي نتجت عنها على مستوى المنطقة والعالم، فإن لقاءاتنا مع البعث ذات أفق مفتوح، نلتقي باستمرار، نتحدث بصراحة من دون حواجز أو قيود، نتبادل الآراء، محددين بدقة جوانب التقاطع والاختلاف من كل قضية، هناك احترام متبادل أساسه الكثير من القواسم المشتركة على صعيد الفكر، والسياسة، والاقتصاد، والدولة المدنية، وهنا نؤكد أننا والبعث في خندق واحد، نخوض معركة مصير ضمن مشروع وطني يعمل من أجل حاضر المنطقة ومستقبلها، ومن أجل الدولة المدنية الحضارية التي تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية لكل مواطنيها، كما نعمل معاً ضد المشروع الأمريكي والصهيوني الهادف إلى تفتيت المنطقة، وضد أدواته المتمثّلة بالإرهاب، والرجعية، وأنظمة العمالة العربية والإقليمية، مازلنا والبعث على هذا النهج، ولن نتوقف.

ليست حالة انتظار بل هي مخاض؟
بهذه الواقعية يصف حدادة علاقة الشيوعي اللبناني بالبعث، وبمثلها أيضاً يصف حدادة علاقة الشيوعي اللبناني مع مجمل الأحزاب والقوى اللبنانية التي يؤلمه أن عديدها لا يفكر بالبلد لبنان، فيخاطبها في واحدة من مقالاته تحت عنوان: “أية مراجعة لأي لبنان”، والتي تنشرها صحيفة “السفير” اللبنانية، بأننا كلنا بحاجة إلى نقد ذاتي، وهنا سألته أن البعض يرى أن لبنان في حالة انتظار، فكيف ترى نظامه السياسي، ومؤسساته الدستورية، وأحزابه؟.
يجيب حدادة: لبنان ليس في حالة انتظار، إنه في حالة مخاض، وهذا هو الشيء الإيجابي الذي يحصل، ومع أنه فعل اجتماعي لم يتحول إلى مخاض كبير بعد، إلا أنه مخاض على نار هادئة، ومن دون توترات أمنية،
لكن عليّ أن أشير هنا إلى أن الألم الحاصل هو من نوع آخر، فالبلد لبنان يعيش أزمة سياسية كبيرة، يمكن أن نسميها بـ: “أزمة نظام سياسي”، وقد وصلت حداً بات يهدد المؤسسات الدستورية، ومجلس النواب المعطل بالرغم من التمديد له، مع وجود حكومة غير قادرة على اتخاذ أي قرار، ومع فراغ في منصب رئاسة الجمهورية، كما طالت الأزمة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في عمق حياة اللبنانيين، وانسحبت على الخدمات التي هي إما غائبة، أو منقوصة، أو تقدم بشكل سيىء، وتمتد حزمة الخدمات هذه من القضايا الحياتية المباشرة، وصولاً إلى أزمة النفايات التي يصعب القول إنها حدثت في أية دولة في العالم، ويرافق ذلك تراجع اقتصادي، وغياب الاقتصاد المنتج، واقتصار الأداء الاقتصادي على قطاع المصارف والعقارات، وارتفاع نسبة العطالة عن العمل إلى مستوى قياسي عند حد /30%/.
هكذا يصف حدادة مجمل الوضع العام في لبنان، ويواصل بأن تداعيات أزمته طالت كل جوانب الحياة، كما أن مسؤوليتها تقع على عاتق نظام التحاصص الطائفي الذي يجعل لبنان يعيش أزمة تحاصص، وما يجعلها أزمة خطيرة أنها تترافق هذه المرة مع ظروف غير مسبوقة في المنطقة اجتماعياً، واقتصادياً، وسياسياً، وعسكرياً، وكي أكون واضحاً أكثر فإنه ولا مرة استطاع النظام السياسي في لبنان أن يحل أياً من مظاهر الأزمة التي عصفت به من دون تدخل خارجي، وكان لابد كي يجتاز أي مظهر لأزمته أن يحصل على توافق خارجي، ورعاية خارجية، وهذا يستدعي الإشارة إلى أن الأزمة لم تنته، وأن الذي انتهى هو مظهرها الذي ظهرت به هذه المرة أو تلك، لكنها لاتزال في جوهرها موجودة وبعمق، وسبب ذلك هو نظام التحاصص الطائفي!.

“لليسار نقول: طالت فترة الحمل”؟..
وهنا قاطعته بالقول: إذا كان الوضع بهذا التوصيف الصعب، فأين تقف الحركة الشيوعية في لبنان، وما توجهات حزبكم، ومجمل القوى الوطنية واليسارية داخل لبنان، وأنت الذي كتبت ذات يوم “لليسار نقول: طالت فترة الحمل”؟.
يجيب حدادة: لدينا في الحزب الشيوعي اللبناني اعتقاد ثابت بأنه من غير الممكن تجاوز الأزمات في لبنان طالما أن نظامه الحالي بهذا الشكل الطائفي، وأن ما نحتاجه هو إنقاذ حقيقي لمجمل نظامنا السياسي، وتجلياته السياسية، والإدارية، والاقتصادية، والاجتماعية، ولذلك دعونا في الحزب إلى مؤتمر إنقاذ وطني يضم فعاليات وطنية، وحركات نقابية مستقلة عن السلطة، واتحادات مهن حرة، ومنظمات نسائية وشبابية، وبهدف أن نتحاور حول كيفية الانتقال من الدولة الحالية بشكلها الطائفي التحاصصي إلى الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي تعمل على توفير الرعاية الاجتماعية، وسبل المعيشة لكل مواطنيها، ونؤكد هنا أن المدخل إلى إقامة هذه الدولة المدنية هو عبر إقرار قانون انتخاب نسبي يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة، وبعيداً عن القيد الطائفي.
يضم حدادة كفي يديه ببعضهما، وكأنه يطلق واحدة من مواقف الحزب، فيقول بلغة الجزم: إن هذا النوع من الدولة المدنية لم يعد حاجة لبنانية مرحلية فقط، وإنما حاجة لمواجهة الأزمات في المنطقة، ومن المهم لفت الانتباه إلى أن هذه الدولة المدنية ستكون إلى جانب قضايا مواطنيها، وإلى جانب المقاومة الوطنية في لبنان، وفلسطين، ومع السوريين في الدفاع عن وحدة وسيادة واستقرار سورية ومؤسساتها، وستكون بمواجهة المشروع الأمريكي، وضد الإرهاب والعدو الصهيوني.
إذاً، وفي مقاطعة جديدة، أسأله: طالما أن هذه هي رؤية حزبكم لحل الأزمة في لبنان، فماذا على قوى اليسار أن تفعل، وأية مراجعة يجب أن تقوم بها؟.
يضيف، وقد عدّل من جلسته، وأشعل “سيجارة”: إن أحد جوانب الأزمة التي تواجهنا هو أزمة البديل، بما في ذلك قوى اليسار، والقوى التقدمية التي تشتت برنامجها، ولم تقدر أن تحكم من خلال تحالف قوى ديمقراطية ينطلق من ثلاثة ثوابت: يتعلق الأول منها بمواجهة العدو الصهيوني، وما يتفرع عنه من إرهاب، والثاني بالبناء العلماني الديمقراطي، وخاصة ما يجب أن يقدمه للشباب، والثالث بالانحياز إلى الفئات الاجتماعية الفقيرة التي ساهم النظام السياسي التحاصصي في إفقارها، والذي جعل الشباب أمام احتمالين لا ثالث لهما: أولاهما أن يصبح تابعاً لأمراء الطوائف والزعامات للحصول على وظيفة ومورد رزق، وثانيهما أن يقصد أبواب السفارات الأجنبية بانتظار تأشيرة سفر وهجرة، ومن المهم هنا القول: إن هذا اليسار وقواه ومفكريه ومؤيديه مدعو اليوم إلى مراجعة برنامجه، وشعاراته، وخططه، وبناء تحالفاته وفق نسق جديد يصب في الدولة المدنية ومواطنيها.

نحو مشروع ديمقراطي عربي مقاوم
ولكن، هل يجب أن أفهم من دعوتك اليسار إلى مراجعة ذاتية ونقدية حقيقية أن اليسار لم يواكب اللحظة بما تستوجبه من فعل ورد فعل، وأن الانشقاقات التي أدمت قلبه دليل على تشتته، كما يزعم منتقدوه؟.
يجيبني حدادة مع سيجارة جديدة يشعلها: بالعودة إلى التاريخ السياسي الحديث لمنطقتنا، لم تحافظ حركة التحرر العربية التي قادت النضال ضد المستعمر على دورها الثوري، وشهدت سنوات ما بعد الاستقلال، وخاصة بعد نكسة حزيران /1967/ تحولاً في بنيتها، ودورها نحو اليمين قليلاً، ونحو اقتصاد ليبرالي مرتبط بالخارج، وبغرض محاصرة الفكر الاشتراكي، وتسارع هذا التحول بعد الانهيارات، والزلازل السياسية الكبرى في العالم، وانتهاء الحرب الباردة، وهو تحول أدى إلى أن الشعوب الفقيرة هي من دفع ثمن الخسارة مرتين في الاقتصاد والسياسة، وكان الأول مع أخطاء النظام السياسي في تبني سياسات اقتصادية ناجحة، والثاني مع تداعيات توقيع اتفاقيات سلام منفردة مع العدو الصهيوني عبر كامب ديفيد، واوسلو، ووادي عربة.
والمؤلم أن بعض الأنظمة لم تكتف بهذه الانكسارات، وإنما تحولت لتصبح جزءاً من المشروع الأمريكي للمنطقة، والذي تصاعدت فصوله في السنوات الأخيرة لما يشبه رسم وتنفيذ خطة /سايكس بيكو/ جديدة للمنطقة، وبعد أن أنجزت /سايكس بيكو/ الأولى كل متطلبات وجودها، وكان لابد من نسخة ثانية مطورة تساعد في السيطرة أكثر على المنطقة ونهب ثرواتها، وضرب سكانها بعضهم ببعض طائفياً وعرقياً.
والمفارقة بين خطتي الأمس واليوم، أن الأمريكي لم يعد اليوم بحاجة إلى التدخل المباشر، والغزو، وإرسال عشرات آلاف الجنود، وصرف مليارات الدولارات، لأن الأنظمة التابعة للغرب، وفي مقدمتها النظام السعودي، والقطري، والتركي، هي من سينفذ ذلك، وهي مستعدة لصرف المال، وتقديم العتاد، واستقدام الإرهابيين من المرتزقة، والسجون، ومجموعات الإسلام السياسي.
وحقيقة، فإن اليسار العربي أول وأكثر من دفع ثمن أزمة حركة التحرر الوطني العربية، وهو مدعو اليوم لمراجعة حساباته، ومعالجة أزمته، وصياغة شعاراته، ويكفي أن ننتبه إلى أنه إذا كانت /سايكس بيكو/ الأولى قد أدت إلى ما أدت إليه، فإن تداعيات الثانية خطيرة جداً، ما يستدعي من اليسار العربي ألا يفكر بحلول قطرية على مستوى كل دولة، وأن يبحث عن حل شامل يطال الوضع العربي برمته.
يواصل حدادة: قناعتنا داخل الحزب الشيوعي اللبناني أنه لم تعد كل دولة في المنطقة قادرة على أن تعمل بمفردها، ولذلك سعينا إلى تشكيل “اللقاء اليساري العربي” الذي يضم أكثر من /30/ حزباً يسارياً وشيوعياً وقومياً تقدمياً، ومن اليسار الجديد، وقد استدعى ذلك أن الأزمة الحالية التي نواجهها في عالمنا العربي، وبكل جوانبها الديمقراطية، والاجتماعية، والاقتصادية، والمعيشية أعادت الاعتبار المشروع إلى اليسار، وكافة القوى، ومن أية مشارب فكرية يتقاطع معها في برامج تلامس حاجات الناس، والمقاومة، ومواجهة الاحتلال.
هنا يعود حدادة للتأكيد على موقف حزبه، فيقول: إن الشيوعي اللبناني حزب عابر لكل لبنان، وهو حزب يشبه لبنان، ولطالما كنا نردد أن قوة الطوائف في لبنان تعني ضعف الدولة وتراجعها، وأن هذه الطوائف قد أقامت دويلات اليمين اللبناني، وكل طائفة منها لها دويلتها، ونظامها التربوي، ومدارسها، وجامعاتها، ومؤسساتها الاقتصادية، وإعلامها، وتلفزيونها، وحزبها، وقيادتها السياسية التي هي قيادة طائفية.
هذا يعني كنتيجة يقدمها حدادة، الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني: إن حزبنا، وكافة الأحزاب العلمانية التي تماثله هي أحزاب تشبه البلد، وهي عامل قوة من جهة، لكن عليها فعل الكثير كي تتجاوز ما كرّسته الطوائف وأحزابها الطائفية من حالة ترهل في جسد النظام الحزبي الوطني، وفي النظام السياسي والمؤسساتي، وإن المواجهة الوطنية هنا تعطي إمكانية للقوى العلمانية للسير بالبلد وناسه نحو اليسار، ونحو تجاوز نظام التحاصص، وتجاوز الحالة الطائفية التي هي خيار اليمين والبورجوازية، وعلى الرغم من كل الصعوبات، يبقى هذا هو الخيار الوطني، والاجتماعي الذي يدفع نحو تجاوز هذه الأطر، ومثاله تجربة الحراك الشعبي المتمثّلة بـ “الحركة التنسيقية النقابية”، ومع أن الوضع ليس بهذه السهولة، فقد استطاعت هذه التجربة أن تتجاوز الحالة الطائفية، وأن تشكل استقطاباً لبنانياً عاماً.

ماذا جرى وما المطلوب عربياً؟
مع هذا التوصيف للحالة اللبنانية، كان حوارنا قد اجتاز ساعته الأولى، وكان لابد من الانتقال إلى ملفات أخرى، خاصة أن وقت حدادة مزدحم باللقاءات، وكان منتظراً أن أسأله عن الربيع العربي، ومآلات حال دول المنطقة من فوضى، ودمار تحت مزاعم الحرية المدعومة غربياً.
يجيب حدادة: إن الحكم على الانتفاضات الشعبية العربية أمر يحتاج إلى تحليل، فهناك شعوب عربية عانت من أنظمتها التي لم تعمل على إحداث تنمية اقتصادية تلبي حاجات الناس، وهي أنظمة ارتكبت فعل الخيانة الوطنية عندما تخلت عن القضية الفلسطينية، وعقدت معاهدات الصلح المنفرد مع العدو الصهيوني، ولذلك تحولت هذه الأنظمة وبعد أزمة حركة التحرر العربية نحو وضع لم يساعد على تطور العمل الديمقراطي، وزادت من تبعيتها للغرب تبعية أخرى بالشكل الاقتصادي إلى الرأسمال الأجنبي والعالمي، فجوّعت الأنظمة شعوبها، وانحدرت مستويات المعيشة فيها، وتقلّصت فرص العمل، ولذلك كان طبيعياً أن نشهد انتفاضات في تونس، ومصر، وكنا من الداعمين لها ولشعاراتها، لأن الشعوب هي التي انتفضت انطلاقاً من قضايا اجتماعية، وحياتية، وتتعلق بالفقر والجوع والعمل.
وكان متوقعاً بعد انفجار الوضع في تونس ومصر أن تحاول واشنطن والقوى المرتبطة بالمشروع الأمريكي، وكما ذكرنا سابقاً كل الأنظمة المنضوية في إطار تنفيذ /سايكس بيكو/ جديدة إلى بناء هجمة مضادة، وبهدف عدم خسارة مناطق نفوذها، ومن خلال ثلاثة اتجاهات رئيسة عملت عليها، هي: الأول يتناول محاولة احتواء الانتفاضات التي كانت قد حققت أولى أهدافها، وعبر زج واشنطن بقوى الإسلام السياسي كي تتصدر المشهد، ولذلك دعمت واشنطن الإخوان المسلمين لاستلام الحكم في مصر، وتونس، وبالتعاون مع أنظمة تركيا، والسعودية، وقطر، والاتجاه الثاني كان في التدخل الخارجي المباشر، وهنا نذكر حالتي البحرين، وليبيا، الأولى بالغزو السعودي الخليجي، والثانية بالحرب التي شنتها فرنسا، وحلف الناتو، والاتجاه الثالث ويتضمن العمل على تدمير الدولة، وتفتيت المجتمع، وإسقاط النظام، وتسليم الحكم للمعارضة، وتصوير ما يجري على أنه حرب أهلية، وهو ما جرى في حالتي ليبيا، وسورية، وهدف ذلك هو التقسيم، والتفتيت، والفوضى لتطبيق /سايكس بيكو/ جديدة، وهذا يعني أننا اليوم في مرحلة تشهد صراعاً غير مسبوق بين مشروعين في المنطقة، هما: المشروع الأمريكي وأنظمته وأزلامه وتابعوه، والمشروع الوطني الذي يعمل على تحقيق طموحات الشعوب العربية بالتحرر الوطني والاجتماعي، وبرأينا، فإن المشروع الأمريكي فشل في تحقيق أهدافه حتى الآن، بالرغم من شراسة العدوان، ولكن لا يعني هذا أن الخطر قد زال، فنحن في صلب المعركة، ويجب مواجهتها بحالة وطنية.

مواجهة الإرهاب والحوار الداخلي
وهنا، سألته لكن لماذا كل هذا العدوان على سورية، وضرب مرتكزات الدولة المدنية، وهذا الهجوم غير المسبوق على ما أنتجه الإنسان السوري من إرث وحضارة، وكأنه هجوم على التاريخ والحاضر والمستقبل؟.
يجيب حدادة: كنت قد ألقيت كلمة في المؤتمر العام للحزب الشيوعي السوري الموحد مع بداية الأحداث في سورية نبهت فيها إلى أن ما يجري من أحداث في العالم سيصل إلى سورية، ودعوت إلى حوار واسع يستبق ذلك، ويتناول مختلف الأوضاع التي تمر بها سورية، ويشمل الدولة والأحزاب والقوى السياسية بما فيها قوى المعارضة التي ترفض التدخل الخارجي بكل ألوانه، وتابعنا لاحقاً الجهود التي بادرت إليها القيادة السورية، والتي قابلها مسار مخالف سارت فيه الأزمة السورية، ورأينا مدى التدخل الخارجي وحجم الإرهاب الذي أصابها، ودور مجموعات الإسلام السياسي وأنظمة الخليج في التآمر على سورية وشعبها ودولتها، كما تابعنا التدمير والتفتيت والتخريب الممنهج والمبرمج لكل مظاهر الحياة والاقتصاد والحضارة في سورية.
واليوم، وبعد مضي أربع سنوات ونصف على العدوان، أكرر الدعوة، وأقول: إن مواجهة المشروع الأمريكي لسورية ولبنان والمنطقة، تتطلب مواجهة الإرهاب أولاً، وإطلاق حوار داخلي سوري محض بين الدولة والمعارضة السياسية الوطنية التي ترفض الإرهاب وترفض التدخل الخارجي ولا تأتمر بما تريده واشنطن.
ونرى أن هذا الحوار يجب أن يستند إلى أربعة مبادئ، ينطلق منها ويعمل على تحقيقها، وهي: أولاً: الحفاظ على وحدة سورية أرضاً ودولة وشعباً وجيشاً ومؤسسات، وثانياً: مواجهة التدخل الخارجي الأمريكي السعودي القطري التركي، وسحق الإرهاب، وثالثاً: مراجعة السياسات الاقتصادية ومواجهة الفساد، ورابعاً: الحفاظ على الدولة المدنية وتطويرها.
وهنا قاطعته بالقول: إن كل السوريين يريدون وقف العدوان وحل الأزمة، لكن هل يمكن أن يكون طرف هذا الحوار هو المعارضة المسلحة التي اتخذت الإرهاب سبيلاً لتدمير بلدها؟.
يجيب حدادة: إن حديثنا عن المعارضة التي ينبغي أن تكون طرفاً في الحوار مع النظام السياسي هي المعارضة الوطنية ذات البعد الوطني الديمقراطي، المعارضة التي رفضت حمل السلاح ودعت إلى إصلاح وحوار جدي مع الحكومة السورية، والتي تتمتع بثقل شعبي ولديها استقلالية ومصداقية وهي موجودة كأطر حزبية وكأفراد، وليست المعارضة التي تتحرك برعاية خارجية وتحمل السلاح وتبرر للمجموعات المسلحة فعلها الإرهابي.
وبكل الأحوال، فمن يفكر من المعارضة الخارجية بمراجعة نقدية لسلوكه، ويلتزم بهذه الثوابت ويقف مع الجيش العربي السوري لمواجهة الإرهاب، فأهلاً وسهلاً به، والجيش العربي السوري لديه الإمكانيات والسعة التنظيمية لاستيعاب هؤلاء، بشرط توجيه البندقية نحو عدو واحد، هو الإرهابيون، ومن يقف خلفهم، وهنا أشير إلى أهمية المصالحات الوطنية التي تتم في عدد من المناطق في سورية، والتي تؤكد أن الحل الداخلي السوري للأزمة هو الحل الأكثر واقعية والأكثر قابلية للحياة والاستمرار، ونحن نرى في الحزب الشيوعي اللبناني أن الحل الوحيد المجدي والنافع هو الحل الداخلي، ومع دعم خارجي، قاعدته الأساس داخلية ومكانه دمشق.

«وهم» “الديمقراطية السعودية”!.
بالانتقال إلى بعد آخر في الأزمة السورية، كان لابد أن نتطرق إلى دور النظام السعودي في تأجيجها، وكان مناسباً أن أقول لضيفي حدادة، لقد قرأت لك قبل أيام مقالاً عن آل سعود، وفيه تقول: “هاهي مدرسة الديمقراطية الحديثة في ملكية آل سعود تقدم لنا درساً جديداً في الديمقراطية والثورة” وسألته كيف ترى دور آل سعود في أزمات المنطقة؟.
يجيب حدادة: دعنا نعود إلى التاريخ العربي الحديث، إلى بدايات القرن الماضي تحديداً، ونتوقف عند جملة أحداث مترابطة ومتقاربة زمنياً، شكلت جوهر المؤامرة الخارجية على المنطقة، وعلى مقدراتنا وثرواتنا وأرضنا، وعلينا كشعوب في هذا المنطقة، وهذه الأحداث هي اكتشاف النفط وما رافقه من خطط بريطانية أمريكية للسيطرة على هذا الثروة، واتفاقية سايكس بيكو، ووعد بلفور، والتي كانت مجتمعة تشكل مشروعاً واحداً للغرب الرأسمالي الاستعماري البريطاني والفرنسي والأمريكي.
وحقيقة، فقد كان وعد بلفور أحد أساليب حماية التقسيم الذي كرسته اتفاقية سايكس بيكو، وحماية التقسيم هنا تعني حماية إسرائيل المرتقبة والتي كانت في طور التشكيل والتي تعني أيضاً السيطرة على منابع النفط، وإن الوسيلة إلى ذلك، تكمن في التحالف الوهابي بين آل سعود وبين أمريكا وإسرائيل والغرب، ولذلك عمل الغرب على حماية هذه الملكية “بضم الميم” وليست المملكة أو الملكية “بفتح الميم”.
وهنا اعتبر أن وجود هذه الملكية إحدى علامات نجاح المشروع التقسيمي في المنطقة، وأجزم أن أهم أدوار المؤامرة التي نواجهها اليوم، تتمثل بالدور الخطير الذي يؤديه آل سعود وفكرهم الوهابي الذي يعمل بالدرجة الأولى على تصفية القضية الفلسطينية من الواقع العربي ومن الضمير والوجدان العربي ومن السياسة العربية عبر افتعال معارك مزيفة ومفتعلة تأخذ طابعاً طائفياً وعرقياً بغيضاً.
وبالنسبة لنا في الحزب الشيوعي اللبناني، فهذا هو ما تمثله هذه الملكية وحلفاؤها وكل من يأتمر بأمرها من خطورة على قضايانا وعلى شعبنا، ويجب ألا يضللنا أن آل سعود قد دعوا إلى مؤتمر للمعارضة السورية في الرياض، فهذا الفعل هو محاولة للزعم بأن آل سعود ديمقراطيون، وأنهم لديهم إنجازات ديمقراطية، فيما هم في حقيقة الأمر متورطون بالقتل والفوضى والتخريب والدمار في سورية، وأساس ذلك هو فكرهم الوهابي الذي لا يحتمل أن يرى أي شكل من أشكال التنوع داخل المذهب الواحد، فكيف يقبل بالمذاهب الأخرى والأديان الأخرى، إنه وهم كبير.
بالانتقال مجدداً إلى مقطع آخر في حوارنا يتعلق بأوروبا والغرب التي تلفها مفارقة غريبة، وهي زعمها أنها ديمقراطية وحداثوية وأن غايتها الإنسان، فيما تنتخب نخباً حاكمة مافيوية، ويقال إن الرأسمال الخليجي قد اشترى اليمين الأوروبي، وأن الثمن المتوجب دفعه المزيد من التدخل الأوروبي والأمريكي في بلادنا؟.
يجيب حدادة: بداية، يجب النظر إلى ما حدث في أوروبا مع بدء الأزمة المالية العالمية وأزمة العقارات قبل سنوات مضت بطريقة مختلفة، وهي أن الاقتصاد كان يعاني وأدى ذلك إلى انتشار البطالة التي طالت معظم الدول الأوروبية، وخاصة الأوروبيين من أصول إفريقية وعربية وإسلامية، وتجلت بغياب العدالة والمساواة عن ضواحي المدن الأوروبية الرئيسية ومنها باريس، وترافقت مع ما جرى في العالم العربي من أحداث وتحولات تحت زعم “الربيع العربي” وقد وجدت أنظمة آل سعود وآل ثاني والقوى الوهابية الفرصة مؤاتية كي تستثمر مالياً في النخبة المالية الحاكمة وتستغل هذه الحالة الاجتماعية، ولذلك تابعنا استثمارات خليجية ضخمة في فرنسا وبريطانيا بهدف التأثير على صانع القرار، ومع وجود أزمة فعلية لدى قوى اليسار الحقيقي في أوروبا وتحديداً فرنسا، والذي كان تقليدياً يدافع عن المهاجرين وحقوق العمال والفقراء، ويقدم لهم خدمات الحصول على العمل والسكن والصحة والتعليم، وهنا تجب الإشارة إلى أننا نعتبر الحزب الاشتراكي الفرنسي وزعيمه الرئيس هولاند من القوى المحسوبة على اليمين وليس اليسار.
وهنا، فقد اعتمدوا على سياسة التخويف والتعبئة وغض النظر عما كانت تقوم به المؤسسات الدينية من حشد للإرهابيين وإرسالهم إلى سورية والمنطقة، والمفارقة أن هذه الأنظمة تدعي أنها علمانية، إلا أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع مشيخات ترفض الديمقراطية والحداثة.
أكثر من ذلك، فإن ضخ الاستثمارات وهذا الارتباط بين أنظمة الخليج وحكام فرنسا قد شجع السلطات الفرنسية على السماح لخريجي المؤسسات الدينية فيها على السفر إلى الخارج، والالتحاق بالمجموعات الإرهابية، وهاهي الدول الأوروبية تدفع الثمن باتجاهين، الأول مع عودة الإرهابيين إلى الدول التي انطلقوا منها واحتمال قيامهم بأعمال إرهابية مخيفة، وقد شهدت باريس بعضها، والثاني مع التنامي السريع لليمين الفاشي المتطرف والذي طرح شعارات معادية للإسلام والعرب والمهاجرين.

خطر داعش يوازي خطر إسرائيل
وبالانتقال إلى موضوع الساعة وهو الإرهاب الذي يعصف بالعالم، وكان منتظراً أن أذكر محدثي بما كتبه ذات يوم: بأنه ليس صدفة أن تكون أهداف الإرهاب في خدمة أصحاب رؤوس الأموال، وليس صدفة أن يكون العامل الديني الأصولي موجهاً دائماً نحو ضرب حركات التقدم والتحرر، وأن يكون حليفاً مباشراً لقوى الرجعية السياسية والنافذين مالياً؟.
يجيب حدادة: إن ما يقوم به الإرهاب من زعزعة استقرار المنطقة وإعادة رسمها من جديد وفق خطوط طول وعرض طائفية وعرقية هو دور مكمل لما قام العدو الصهيوني، ذلك أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي دمجت الايديولوجيا الدينية بالعمل السياسي، وإن الكيان الذي يتمخض عن هذا الدمج سيكون حتماً ذا طبيعة عدوانية وإرهابية وسيكون على علاقة وطيدة مع الامبريالية الأمريكية، وسيعمل الطرفان على استثمار القوى الإرهابية لتحقيق مصالحهما المشتركة وبالدرجة الأولى مصالح إسرائيل، ولذلك ليس غريباً هنا أن نرى أن الإرهاب لا يوجه خناجره نحو إسرائيل ولا يفكر باستهدافها، ولا يقوم بأي عملية ضد الصهاينة، لأنه مرتبط عضوياً معها، ويعمل تحت إمرتها.
لاحظ هنا، أن الحركات الفاشية التي نشأت خلال الأزمة الرأسمالية في أوروبا في عقد الثلاثينات من القرن الماضي، كلها كانت تدعي الديمقراطية، ثم تحولت نحو ممارسة الإرهاب لتكون في خدمة الرأسمال العالمي، وهذا ما جرى في سنوات لاحقة، ولاحظ كيف أن مجموعات الإسلام السياسي وتنظيم القاعدة هي منظمات فاشية تزعم أنها تدعي خير الإنسان لكنها تعمل لخدمة الرأسمال العالمي، وبالتالي ليس غريباً أن نرى أن هدف الإرهاب هو خدمة الاقتصاد الامبريالي الأمريكي والأوروبي وأنه أداة لتنفيذ خططه في السيطرة على مناطق نفوذ جديدة من خلال دفع المجموعات الإرهابية والأنظمة التابعة نحو ممارسة الفوضى والتفتيت والتخريب.
هذا يسمح بالاستنتاج، يقول حدادة: إن الإرهاب رأس المشروع الأمريكي تنفيذاً على الأرض، وأن حماته الإقليميين هم أنظمة تركيا والسعودية وقطر، وهؤلاء هم رأس حربة المشروع في التآمر والتمويل وإصدار الفتاوى وتدريب الإرهابيين ونقلهم وإدخالهم إلى سورية، ووسيلتهم هي أيديولوجيا دينية متطرفة وتآمرية.
نظام عالمي جديد
ومع توسيع دائرة القرار الدولي في قضايا المنطقة، وأفول نجم الأحادية القطبية، كان منطقياً أن أسأل عن الدورين الروسي والأمريكي في ماضي المنطقة وحاضرها، أين يلتقيان وأين يفترقان؟.
يجيب حدادة: بالنسبة لتحديد ماهية الدور الروسي، فيجب أن نعود أولاً إلى التاريخ الذي يكشف لنا عن عمق العلاقات العربية الروسية، وحجم المصالح المشتركة بين الجانبين، ودعم الاتحاد السوفياتي سابقاً وروسيا حالياً لقضايانا العادلة، وفي مقدمتها قضية فلسطين، هذا بالإضافة إلى أن الدور الروسي في التعاطي مع الأزمة السورية كان يدعو إلى حل سياسي منذ البداية ويرفض قيام الطرف الآخر ومنذ اليوم الأول لبدء الأزمة باستقدام المجموعات الإرهابية من كل دول العالم، ومدهم بالمال والسلاح ودفعهم لممارسة التخريب والدمار والقتل، وبالتالي، فالدور الروسي يريد وقف الأزمة، ولذلك، أتت المساعدة العسكرية التي قدمها بعد أربع سنوات ونصف على بدء الأزمة، وهي فترة انتظار كبيرة من أجل ممارسة كل الحلول الممكنة.
ونحن نرى في الحزب الشيوعي اللبناني أن المساعدة الروسية إيجابية وإن إحدى أهم نتائجها تتمثل في قدرتها على خلق توازنات تدفع بشكل جدي نحو حل سياسي ينطلق من وحدة سورية ومصالح شعبها.
وبالمقابل، فإن الدور الأمريكي هو الأزمة بعينها، وهو جوهر الأزمة، وجوهر المؤامرة، ولا نغالي إن قلنا إن الدور الأمريكي هو الذي يخلق هذا الذئب الإرهابي الذي ينهش في جسد المنطقة، وهو الذي يدعمه ويحميه، وهو الذي يزعم أنه قتله بعد أن يشيخ، على أمل أن يخلق ذئباً آخر، وهكذا دواليك.

الأمل دائماً من فلسطين
وبالانتقال إلى قضية العرب المركزية، فلسطين الجريحة، أين هي فلسطين مما يجري، وهل ما زالت أولوية، وكيف ترى المستقبل، وأنت الذي كتبت “الأمل دائماً من فلسطين”؟.
يختصر حدادة ما تكابده فلسطين وأهلها والمدافعون عنها بالإشارة إلى انتفاضتها الحالية، ويقول: نعتقد أنه في ظل مواصلة العدو الصهيوني سياساته العدوانية في تهويد فلسطين وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، وفي ظل انسداد الأفق أمام أي حل سياسي، وفشل رهانات السلطة الفلسطينية على إحداث خرق تفاوضي، ومع فشل الرهان على حركة حماس التي أصبح همها الحفاظ على سلطتها في بلدية غزة، واستمرار الانقسام الفلسطيني، ومع الدعم السعودي والقطري والتركي لإسرائيل، أمام ذلك كله نرى أن الانتفاضة الحالية هامة جداً على صعيد إعادة الاهتمام بالقضية الفلسطينية التي يريد العدو تغييبها، وإن أهم ما يميز هذه الانتفاضة أنها توحد الشعب الفلسطيني خلف قضيته، وأنها جعلته يتجاوز الانقسامات والسلطات وتسميات فلسطينيي الـ/1948/ وفلسطينيي الـ/1967/ منتفضاً بوجه الجلاد الإسرائيلي وعلى كامل الأرض الفلسطينية، سلاحه اللحم الحي والحجر والسكين، معيداً قضيته إلى وهجها الحقيقي بما هي قضية هوية وشعب وانتماء وأرض وشعب، وعلى كل فلسطين، ومن أجل أن يبقى الأمل في فلسطين.

تعرضنا للموت لكننا لم نمت
لكن ماذا عن علاقة الحزب وقوى المقاومة بفلسطين، وماذا عن حمل السلاح والقتال ضد الإرهاب وضد إسرائيل، خاصة وأن خطر داعش لا يقل ضراوة عن خطر إسرائيل، وهنا يرن جرس الهاتف الجوال، وعلى الخط حنين نمر الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد، يتحادث الأمينان، ويتفقان على موعد، يقفل حدادة الخط، ويجيبني معتذراً: نحن في الحزب الشيوعي اللبناني، كنا وما زلنا على مبادئنا، ومنذ عقد الأربعينات من القرن الماضي وقبل نشوء الدولة الصهيونية، فقد واجه رفاقنا في الحزب الانتداب الفرنسي الذي استعمر بلداننا، وساهم بدوره مع الاستعمار البريطاني والامبريالية الأمريكية في نشوء الكيان الصهيوني.
ولقد قمنا بعمليات فدائية واستشهادية ضد الانتداب الفرنسي وضد العصابات الصهيونية في فلسطين، وكان “غسان الصباغ” أول شهيد يقدمه الحزب في عقد الأربعينات، وواصلنا نضالنا حتى خرج الاستعمار الفرنسي، وفي العقود الماضية، وإثر تقصير الدولة اللبنانية بالدفاع عن الجنوب اللبناني وحماية أهله من العدو الصهيوني، أنشأنا مع باقي القوى الوطنية “الحرس الشعبي” و” قوات الأنصار” لتعبئة الفراغ في مواجهة العدو الصهيوني، وأعلنا عن “جبهة المعارضة الوطنية اللبنانية” التي أعلن عنها الشهيد جورج حاوي باسم الحزب، كإحدى أدوات الدفاع الوطني عن لبنان وجنوبه ضد العدو، ودعونا رفاقنا والشعب اللبناني لمواجهة إسرائيل ومواجهة كل مجموعات الإرهاب المرتبطة به، وقدمنا الشهداء والجرحى والمعتقلين، وهو موقف ثابت وراسخ ودائم بالرغم من ضعف الإمكانات المادية لحزبنا.
أخيراً، كعادته يفر الوقت من أيدينا، يضعنا أمام نهاية لابد منها، فيغتال جملة أسئلة وأجوبة تنتظر مكانها في متن نص منتظر، فيرمي بها جانباً، وهي أسئلة كانت ستتناول حاضر المنطقة ومستقبلها، ومآلات الصراع داخلها بين مشروعها الوطني والمشروع الآخر التفتيتي، وهل الغرب ديمقراطي حقاً، وإذا كان ديمقراطياً، فلماذا لا يريدنا أن نكون ديمقراطيين مثله، ولماذا يعمل على إعادتنا إلى الوراء، ويقمع تحررنا وحداثتنا وإرثنا التنويري وحضارتنا؟.
وهي أسئلة ستبقى معلقة بانتظار أن يزور دمشق رجل الواقعية الوطنية في لبنان، خالد حدادة، أستاذ الفيزياء الذي هجرها نحو السياسة، والرجل الطيب ذو اللكنة القريبة إلى القلب، الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني.

حوار: عمرالمقداد