إستراتيجية السقوط في الوهم!!
ينص الاتفاق الأمريكي – الروسي على: “يسري وقف إطلاق النار في عموم سورية على أي طرف مشترك حالياً في عمليات عسكرية أو شبه عسكرية ضد أي طرف آخر باستثناء تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” وأي تنظيمات إرهابية أخرى يحددها مجلس الأمن الدولي”، ويأتي هذا الاتفاق استعداداً لتنفيذ بنود القرار الدولي رقم 2254 بالكامل الذي تم اعتماده في 18 /12 / 2015، بما في ذلك الاستعداد للمشاركة في المفاوضات والحوار السوري – السوري تحت إشراف الأمم المتحدة، وتنتهي بحل سياسي شامل للأزمة السورية، وذلك بالتزامن مع استمرار محاربة الإرهاب المصنف دولياً كعدو مشترك لجميع دول العالم، وعلى الرغم من عدم ارتياح الشارع السوري بشكل عام للاتفاق المبرم بين الحليف الروسي والعدو ممثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية في وقت تُحقق فيه القوات المسلحة السورية انجازات يومية على كافة الجبهات وتتقدم في خطوات متلاحقة وسريعة باستعادة المزيد من الأراضي التي كانت واقعة تحت سيطرة العصابات الإرهابية في الشمال والشمال الشرقي وفي ريف حلب ودرعا وحمص، وباتت تلك الانتصارات تشكل حالة من الرعب ليس لدى التنظيمات الإرهابية فحسب، بل كذلك عند االقوى والدول الداعمة لهذه العصابات الإرهابية، من هنا سارعت الولايات المتحدة الأمريكية الراعي الأهم والحليف الأساسي لهذه الدول المتورطة بدعم الإرهاب لعقد هذا الاتفاق مع الشريك الروسي الذي أثبت جدية مطلقة في مواجهة الإرهاب واكدعلى تصميمه بالقضاء عليه بكل أشكاله، في الوقت الذي كانت ترتفع فيه وتيرة التصريحات الأعرابية – العثمانية المشتركة حول اتخاذ القرار بالقيام بهجوم بري داخل الأراضي السورية بحجة مواجهة “داعش” والقضاء عليها، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون يبحثون عن وسيلة للخروج من عنق الزجاجة والهروب بأقل الخسائر أو الخروج من المعركة الحاسمة مع حفظ ماء الوجه من خلال اتفاق وقف الأعمال العسكرية في سورية من أجل وضع القرار الدولي 2254 موضع التنفيذ الفعلي من جهة وانقاذ حلفائها الذين اتبعوا استراتيجية السقوط في وهم تدمير الدولة السورية من جهة أخرى.
يرى المحللون بأن فقرات اتفاق وقف الأعمال العسكرية في سورية المقتضبة تحمل في طياتها عدة إشارات محصلتها الأساسية تصب في مصلحة الدولة السورية والجيش العربي السوري وحلفائه في المعركة من خلال حقن الدم السوري اليومي بدون وجه حق، وذلك عبر تحديد فرز نهائي ودقيق للعصابات الإرهابية والتفريق بينها وبين “المعارضة المسلحة” التي من الممكن أن ترمي سلاحها وتلتحق بالعملية السياسية (اي ما يُسمى بالمعارضة المعتدلة)، سيما بعد أن عجزت الأردن أو تمنعت عن تحديد قائمة نهائية بالعصابات الإرهابية في سورية، حيث وضع الاتفاق الكرة الآن في مرمى الولايات المتحدة وأدواتها على الأراضي السورية، فالجماعات التي تُعلن التزامها التام ببنود اتفاق وقف الأعمال العسكرية في سورية وتتبرأ علناً من ارتباطها العضوي بتنظيم “داعش”، وجبهة النصرة ذراع تنظيم “القاعدة” الإرهابي في سورية، وتُعلن قبولها الانضمام إلى تحالف محاربة التنظيمات الإرهابية المصنفة دولياً “داعش، وجبهة النصرة وغيرها”، تكون قد أثبتت جهوزيتها للقبول بالحل السياسي المنشود والإنخراط به.
كما تسعى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال هذا الاتفاق إلى انقاذ حليفيها السعودية وتركيا المتورطتين في دعم ورعاية الإرهاب الدولي بالوثائق المثبتة، وإخراجهما من مأزق كبير فيما إذا التزموا وقف دعمهم للإرهاب وأثبتوا احترامهم لقواعد هذا الاتفاق وانصاعوا للقرار الدولي 2253 المتعلق بتجفيف منابع الإرهاب ووقف كل أشكال الدعم له، أو أنهما يستمران في مواقفهما وسياساتهما الغبية بتقديم الدعم اللوجستي والمخابراتي وكل ما تحتاجه التنظيمات الإرهابية المصنفة دولياً، مما يجعل منهما دولتين راعيتين للإرهاب الدولي أمام المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظماتها الدولية، وهذا يُشكل بحد ذاته احراجا كبيرا للراعي الأمريكي أمام مجلس الأمن الدولي الذي يترتب عليه القيام بدوره القانوني تجاه هاتين الدولتين بإدانتهما بجريمة رعاية ودعم الإرهاب؟
في الواقع يعيش نظام حزب العدالة والتنمية الأردوغاني واقعاً لا يُحسد عليه نتيجة فشل إستراتيجياته بكل أبعادها المحلية والاقليمية والدولية، وهو يحصد اليوم نتيجة حماقاته الكثيرة التي برع في تقديمها خلال السنوات الخمس الماضية من عمر الحرب الظالمة على سورية لأسباب تتعلق بطموحاته العثمانية الإخوانية، لذلك ليس مستبعداً استمرار مثلث الإرهاب السعودي – القطري – التركي القيام بعمل انتحاري غير مدروس العواقب من خلال معارضة اتفاق وقف الأعمال العسكرية، والتمسك برعاية الإرهاب بما يتعارض مع المصالح الحيوية للدول الكبرى التي تسعى لمنع حصول الفوضى في سورية والمنطقة التي باتت تهدد أمن ومستقبل المنطقة وأوروبا والعالم بأسره، وهذا ما لقنه السيد الأمريكي بالملعقة لأتباعه في المنطقة بالرغم من كل التصريحات العارمة والمناقضة للاتفاق وللقرار الدولي والتي لا تخرج عن سياق السياسة الأمريكية المزدوجة، بأن تدمير الدولة السورية وانفراط عقد الجيش فيها لم يعد ينسجم مع متطلبات الأمن القومي الأمريكي والسياسات الأمريكية والغربية الجديدة، ولم يعد مسموحاً بعد الآن لأي كان الاستمرار باللعب على نفس الأوتار السابقة لأن النغمة القديمة أصبحت بالية ولم يعد يستسيغها أحد من اللاعبين الكبار بعد أن وصلت الأمور إلى هذا الحد من التأزم .الاتفاق الذي أبرم بين الروس والأمريكان في 22 شباط الجاري هو انتصار كبير لمحور المقاومة الذي تقوده سورية والحليف الروسي بآنٍ معاً، وستكون نتائجه مرضية للشعب السوري على المدى المنظور، وهذا ما جعل القيادة السورية تقبل به دون أي تحفظ، وإن سورية وجيشها الوطني وحلفائها في المعركة متأهبين ومتيقظين لكل الاحتمالات والتحولات التي يُمكن أن تأتي ضمن سياق التنفيذ، والتي قد تنال من أهمية انتصارات الجيش العربي السوري على الأرض، ولديهم الاستعداد التام لاستخدام حق الرد بما يحفظ هيبة الدولة السورية ومصالحها الوطنية والإستراتيجية.
محمد عبد الكريم مصطفى