محليات

الدروس الخصوصية في طرطوس “وباء”.. والرقابة في سبات؟!

تفشت ظاهرة الدروس الخصوصية واستفحل انتشارها ولا سيما خلال سنوات الحرب بشكل معلن، حيث يتم تعاقد المدرسين مع أصحاب المعاهد بالاتفاق “طبعا” مع مدراء المدارس للعمل في تلك المعاهد مقابل نسبة معينة للإدارة، وبالمقابل يدون المدرسون على السبورة أرقام هواتفهم أو حتى عنوان واسم المعهد الذي تعاقدوا معه لجذب “زبائنهم” إليه أو إلى المكاتب التي يفتتحونها كل على حدا أو مجتمعين باختصاصات مختلفة…

وأمام هذه الظاهرة” يلهث” الأهل جاهدين لتأمين مصاريف إضافية ترضي المدرسين في ظل رقابة غائبة أو مغيبة واتفاق مبرمج وتعاون مثمر لجني المزيد من الأرباح “وكأن التعليم تحول إلى تجارة…!؟ ”

صعوبة المنهاج

“الكثير من المعلمين بحاجة إلى صحوة ضمير”، بهذه العبارة بدأت السيدة ميادة الحج حديثها لـ”البعث ميديا” مضيفة: ظاهرة الدروس الخصوصية وبائية.. ماذا عن الطبقات الفقيرة التي زادت الأزمة من أعدادها وأعبائها واستنزفت مدخراتها…؟

بدوره، يرى الأب عابد أن الدروس الخصوصية تسنزف قوت الناس، وبالمقابل صعوبة المنهاج تفرض أحيانا وضع مدرس خاص قصر ضمن صفه..! ومن أكبر المشاكل التي تواجهها التربية هي التعليم بالساعات الخاصة وإذا لم تستطع وزارة التربية أن تضع حلا لهذه الظاهرة عليها بـ”خصخصة التعليم”!

وبالمقابل وضعت الأم حنان عبد الكريم لبناتها الثلاثة في مرحلة التعليم الأساسي معلمة انكليزي لتقويتهم في اللغة لأن معلمة الانكليزي في الصف تعطي الدرس على عجالة، كما أنها لا تود سماع أي استفسار فهي تعطي الدرس على طريقتها وبأسلوبها “واللي فهم فهم واللي ما فهم ..!؟ ”

ومن جهتها لم تألو أم عزام جهدا في وضع معلمة عربي لأبنائها الخمسة جميعا وفي كافة مراحلهم الدراسية مبينة أن معلم اللغة العربية يؤشر لطلابه في الصف لا بل يكتب لهم رقم هاتفه على السبورة لمن يود درسا خاصا أو يعطيه رقم وعنوان المعهد الذي يدرس به “بوجدانية أكبر “..!

أسعار خيالية

وترى أم نورا أننا نعاني إرهابا آخر فإرهاب المدرس لا يختلف عن التاجر لا بل إن إرهاب المدرس أعتى لأنه يخرج السكة التعليمية عن مسارها الصحيح ويعمل على انحرافها، فالمدرس لا يعطي بوجدان أثناء المذاكرات والامتحانات علما أن تكلفة المادة العلمية في الباكلوريا تصل إلى 150-180 ألف خارج المعهد بينما ضمن المعهد يتراوح بين 15-35 ألف حسب المعهد، وللتاسع 500-650 ليرة للحصة الدرسية، ومن عنده طالب باكلوريا عليه أن يحضر نفسه قبل سنة أو سنتين لجمع مبالغ مالية يرضى عنها المدرسون “الموقرون”.

يذكر أن منطقة حبابة التابعة لمنطقة الدريكيش نالت المرتبة الأولى على مستوى طرطوس لعدة سنوات بفضل المدير والكادر التدريسي من دون دورات أو معاهد خاصة /حسب تعبير أهلها/، أما في أوقاتنا هذه فالمعلم يلاحق الطالب على ” نكشة” إن لم يكن مسجل عنده درسا خاصا!

الإدارة غافلة والتنسيق قائم ..!!

علم “البعث ميديا” ومن مصادر خاصة أن بعض القائمين على الموضوع في مديرية التربية لديهم مجموعات طلابية ومكاتب خاصة! كما يوجد تعاقد غير معلن بين مدراء المدارس وأصحاب المعاهد التعليمية في التسويق للمعاهد مقابل نسبة معينة، وأن الكثير من الطلاب يطلبون أذنا أثناء الدوام الرسمي في الساعة الحادية عشر وعند الاستقصاء عن الموضوع، يقول الأهل أن لأبنائهم درسا خاصا..؟ تحول المعاهد إلى مراكز تعليمية..!

كما تؤكد المعلومات التي حصلنا عليها أن المدرسين ينهون منهاج الشهادتين باكرا ليتركوا المجال أمام الطلاب للمتابعة في درس خاص وكل هذا بالاتفاق مع الإدارة “الغافلة”! كما يتفق عدة مدرسين من مختلف الاختصاصات لفتح مكتب واحد ليبقى ذهاب الطلاب إلى المدرسة ظاهرة اجتماعية شكلية. كما نود أن نلفت أن من ضمن شروط الترخيص / معهد تدريب وتأهيل، ومعاهد لغات ومعاهد حاسوب/.. فكيف تحولت تلك المعاهد إلى مراكز تعليمية ..؟؟

الموضوع مادي

يرى بسام محمود الصافتلي دكتور في المناهج وأصول التدريس في كلية التربية بجامعة طرطوس أن سبب انتشار الدروس الخصوصية يعود إلى صعوبة المنهاج وأيضا الأعداد الكبيرة ضمن الصف ولا أغفل الجانب المادي حيث يلجأ المعلم لبدائل لتأمين مستوى معيشته، بالإضافة إلى ارتباط الموضوع بالأهل رغبة منهم في تحقيق طموح أبنائهم، ناهيك عن أن الدرس الخاص أصبح “بريستيج” ضمن المجتمع.

أين الدولة ..؟

وبين الصافتلي أن للدرس الخاص نواحي قوة وضعف حيث يمكن اعتبارها قوة حين تكون داعمة للمنهاج، وعندما تؤثر بشكل أو بآخر على الطلاب ذوي الدخل المحدود تكون نواحي ضعف من حيث أنها تساعد على إيجاد نزعات طبقية لأنها ترسخ الطبقية والتباهي والتفاخر حتى بمستوى المدرس، ملفتا إلى انتشار المجموعات ضمن مكاتب المعلمين متسائلا : أين الدولة منهم …؟؟ انعكاسها على عطاء المعلم في الصف..!

بدوره اعتبر عادل كامل محمد مشرف مجمع الشهيد حيان سلمان التربوي أن الأهل لا يستطيعون تحمل المسؤولية في البيت لأننا نرى طالبا في الحلقة الأولى يحمل محفظته “الوازنة” بعد الدوام متجها إلى بيت المعلم!..وطلاب الشهادتين يركزون في الدروس الخاصة طمعا بعلامات مرتفعة، منوها أن الدروس الخاصة انعكست سلبا على عطاء المعلم في الصف لأنه منهك في الدرس الخاص ويأتي إلى المدرسة يتثاءب تعبا ونعسا، ولا طاقة له ليعطي درسه “المفترض”! مشيرا إلى أن المعلم يعطي علامات غير حقيقية للطالب الذي يدفع له على حساب طالب متفوق.

برمجة الوقت

ومن جهته بين محمد ميرزة مدير إعدادية الشهيد محمد علي مصطفى أن المدرس يضع برنامجه في المدرسة بما يتناسب مع توقيت المعهد الذي يعطي به وهذا قمة الخطأ لأنه في حال وجوده في المدرسة يسأله الطالب لكن عند وجوده في المعهد يتبعه الطالب ليسأله “وهو ما يريد”! مقترحا إقامة دورات مأجورة بأسعار رمزية في المدارس الحكومية وبإشراف التربية وبهذا يكون الطفل بالمدرسة لا بالشارع ونحد أيضا من “الفلتان” الاجتماعي الذي وصلنا إليه، وبما أن المعلمين ملزمين بمؤسستهم فعلى التربية إلزامهم بهذه الدورة. تحول الدور بكل أسف أصبح للمدرسة دور ثانوي في التعليم، كما أصبحت فسحة للهو.. هذا ما أكدته لمى خطيب مدرسة لغة عربية، كما تحدثت عن ثقافة سائدة عند الأهل الذين يعتبرون أن عدم دفعهم أجر درس خاص يجعلهم مقصرين بحق أبنائهم

. بدوره محمود الشمالي معلم أنشطة اعتبر أن أكبر جريمة في قطاع التربية هي الدروس الخاصة، وعزا انتشار الدرس الخاص إلى ارتفاع معدلات القبول الجامعي وإلى القرارات الوزارية التي تضيع هيبة المعلم وتنعكس سلبا على الطالب ولا سيما في مرحلة التعليم الإلزامي، معتبرا أن التربية إن بقيت على هذا النهج سيكون التعليم في الحضيض…!

أين دور مديرية التربية من تفشي هذه الظاهرة..؟ رد علي معلا رئيس دائرة التعليم الخاص في تربية طرطوس: تقوم المديرية بمعالجة ما يرد إليها من شكاوى حول وجود معاهد غير مرخصة أو مكاتب من خلال لجنة الضابطة العدلية أثناء وخارج أوقات الدوام الرسمي حيث تم تسجيل أكثر من 25 إغلاق هذا العام والعام الماضي أكثر من ثلاثين، مع غرامات حدها الأدنى خمسون ألف ليرة.

وحول صعوبات افتتاح دورات في المدارس الحكومية بأسعار عادلة بإشراف التربية، أوضح معلا أن الصعوبات تكمن في قدرة المدرس على الإعلام والإعلان ودور المدرسين في إفشال هذه الظاهرة، بالإضافة إلى أن العدد الزائد في مثل هذه الدورات قد لا تعطي ثمار بالمستوى المطلوب. كما أنها تحتاج إلى موافقة مدير التربية، مضيفا: هناك عقوبات قد نص عليها المرسوم 35 لعام 2010 تتراوح بين المحكمة والنقل التأديبي والنقل خارج المنطقة التعليمية، مقترحا تحصين المدرس بأخلاق المعلم وتحصينه ماديا وبالمقابل تأطير هذه الظاهرة ضمن أطر قانونية.

بالمحصلة ليبقى التعليم على سكة المهن التربوية والتعليمية الصحيحة دون أن يحيد عنها نقترح متابعة وملاحقة هذه الآفة الخطيرة من قبل التربية بشكل فعلي، ومن الضروري توجيه الأهل أبنائهم على متابعة القناة التربوية السورية التي تقدم المعلومة التي يحتاجها طلابنا، بالإضافة إلى استثمار التكنولوجيا في عملية التعلم كشبكة الانترنت واستخدام أقراص تعليمية.

البعث ميديا || طرطوس – دارين محمود حسن