line1مساحة حرة

الدستور: هل تغيّر الحرب الهويّة؟!

 

يتساءل السوريون، والعروبيون من المحيط إلى الخليج بقلق عن مآل الهوية الوطنية والعروبية في الأقطار العربية نتيجة هذا الانفلات غير المسبوق من عقال الهوية والوعي والانتماء، بل من عقال العقل، ولاسيما أن الجميع أفراداً ومجتمعات و«شعوباً» وأقطاراً يرزحون تحت وطأة معترك مصيري وتاريخي مؤلم جداً… والشدائد محكّ لمعدن الشعوب، بل امتحان لأصالتها كما قال القائد التاريخي حافظ الأسد.

في هذا المعترك يتطلع الوطنيون والعروبيون بشوق وأمل ولهفة إلى المنعكسات الإيجابية لصمود الجيش العربي السوري. وصمود سورية قلب العروبة النابض، كما ردد المصريون خلف القائد العربي جمال عبد الناصر منذ خمسينيات القرن الماضي، هو الذي سيقدّم الأجوبة الشافية على هذا النسق من التساؤلات المقلقة.

إن الحرب على سورية وفيها، هي عدوان على الشعب والوطن والأمة، على الهوية الوطنية والأصالة العربية، بل على الأفق الرحيب للحضارة العربية الإسلامية التي أعلى شأنها النهضويون العرب مسلمين ومسيحيين فأوقدوا شعلة حركة التحرر والاستقلال العربية التي خبت جذوتها مع مطلع العقد الثاني من هذا القرن ولأسباب مُختلف فيها.

هذه الحرب عدوان على الهويّة لا شك، وعلى العيش المشترك، وعلى الحياة الاجتماعية والسياسية العريقة، وعلى التجربة الدستورية السورية الغنية وطنياً وعروبياً منذ قرن من الزمن تقريباً، إذ أقرّ المؤتمر السوري في تموز 1920 أول دستور عُرف بـ «القانون الأساسي» وكان مؤلفاً من 147 مادة.

وحيوية التجربة الدستورية السورية بديناميكيتها وسيرورتها التاريخية، ملفتة للنظر (بين 1920 – 2012 أُقرّ 19 دستوراً أكثرها صموداً الدستور الدائم  آذار 1973)، وهي تدلّ على مجتمع سياسي غني متميّز، وإن كانت الحرب – المؤامرة – استهدفته بشكل لم يكن يخطر على البال ولا حتى في الأحلام.

وهؤلاء الذين يخوضون اليوم في حديث الدستور! ويتحدث بعضهم عن دستور 1950 مثلاً ومثالاً، عليهم أن يعرفوا أن ذلك الدستور وُلِد في مخاض دستوري مربك، فهو لم يعمّر أكثر من سنة إذ تعرّض للتعطيل، وقبله بعام واحد 1949 كان هناك دستوران تعطلا في العام نفسه.

إذن، فالمشكلة ليست في الدستور، وما تم تسريبه وإنشغال الناس به مؤخراً قفز فوق المشكلة الأساسية، وهو أشبه بوضع العربة أمام الحصان، فأي دستور، وأي حياة سياسية، وأي عقد اجتماعي والإرهاب يعشش في أرجاء الوطن والأمة مدعوماً من أربع جهات الأرض؟!

فلايمكن التفكير بدستور ولا بحياة أو تجربة دستورية، أو مسار سياسي، أو حكومة موسّعة، أو مرحلة انتقالية بناء على تجاهل القرار الأممي 2253 أو القفز فوق المادة/8/من القرار 2254… لا يمكن تحقق أيّ من هذا قبل القضاء على الإرهاب، وتحديداً على مفرزاته التي ستستمر المعاناة منها طويلاً.

والجميل في الأمر، والواعد أيضاً أن التسريبات لم ترض غالبية الشعب السوري، مايدل على أن هناك طاقة كامنة من رسوخ الهوية قابلة للنمو وللرهان دون أن يخمدها الجدل أو الاحتراب، ولا المؤامرة أيضاً.

وفي هذا السياق أتى رد رئاسة الجمهورية على تسريبات مسوّدة الدستور مناسباً ومقنعاً: «إن أي دستور لن يتم تقديمه من الخارج، بل سيكون سوريّاً فقط يتناقش فيه ويتفق عليه السوريون فيما بينهم حصراً ويُطرح بعدها على الاستفتاء، وكل ماعدا ذلك لا قيمة له ولا معنى».

هذا الرد صدى لحِرفيّة المشرّع السوري ووطنيته عبر سيرورة الحياة الدستورية، وانعكاس للصلة الوثيقة بين المادة الدستورية والوطن والمواطن. وهذا ما لا يمكن أن يقوّضه العدوان على سورية، بل هو من دوافع الصمود الأسطوري لهذا الشعب.

فلن تغيّر الحرب، ولا الدستور السابق ولا الحالي ولا القادم، هوّية الجمهورية العربية السورية، ولن تكون الثوابت والمبادئ، ومصالح الشعب وقضايا الوطن والأمة المصيرية مجرد مفردات تقليدية غير ذات تأثير في أعماق المجتمع السوري العروبي، ولنا في أحاديث سيادة الرئيس العديدة خلال الأزمة خاصة مؤشرات قوية وواقعية وفاعلة دون شك.

ففي سورية لن يكون أي مجتمع سياسي قابلاً للحياة بمعزل عن الهوية الوطنية والعروبية، وليس صحيحاً أن عجلة التاريخ لا تدور إلى الوراء.. ها هي تدور سلباً، ويمكن أن تدور إيجاباً أيضاً.

د. عبد اللطيف عمران