مساحة حرة

درع الفرات مقامرة فاشلة!

جاء الاعتداء التركي على مدينة جرابلس السورية واحتلالها من قبل الجيش التركي ضمن ما أسماه النظام الفاشي في تركيا عملية “درع الفرات” بحجة محاربة داعش وحماية الحدود التركية بتنسيق تام بين أردوغان والإدارة الأمريكية ووليدها الإرهابي المسمى “داعش”، حيث تم إجراء انسحاب عناصر داعش وتسليم المدينة للجيش التركي دون أية مقاومة تذكر، في حين كانت تركيا ترفض سابقاً زّج قواتها النظامية في معركة مباشرة في سورية إلا ضمن تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وتشارك فيه جيوش الأغلبية من الدول الحليفة لها، ولكن تركيا ما بعد الإنقلاب تختلف كلياً عن تركيا ما قبله، وقد كان الإنقلاب الفاشل فركة أذن من قبل الولايات المتحدة لحليفها الأزعر أردوغان بعد أن تمادى كثيراً في وضع الشروط والتماهي في اعتماد سياسات متناقضة مع التوجهات الأمريكية في المنطقة وخاصة لجهة انحناءاته الزائدة أمام الرئيس بوتين ومد يده لإيران، وهذا يُشكل عامل غضب لدى الإدارة الأمريكية التي لا تكتفي بإدارة ظهرها على الحليف الإفتراضي في مثل تلك الحالة، بل تجعله يدفع الثمن اللازم فوراً.

وإن عملية “درع الفرات” المزعومة ما هي إلا مقامرة فاشلة تُثبت حالة التخبط والضياع التي يواجهها النظام التركي، ومحاولة يائسة لنقل المعارك السياسية والإيديولوجية المتشعبة في الداخل التركي إلى معركة افتراضية تتعلق بحماية الأمن التركي والمصالح القومية التركية، في الوقت الذي تبين فيه للأمريكان قبل غيرهم بأن استجابة أردوغان كانت مبيتة ومخالفة للأهداف التي رسمتها الإدارة الأمريكية وتستهدف تقزيم دور ” قوات سورية الديمقراطية ” ذات اللون الكردي الغالب الحليفة للولايات المتحدة، من هنا لاحظنا التناقض والارتباك في التصريحات الأمريكية التي كانت بالأساس وراء دفع ” أردوغان ” لخوض هذه المغامرة، حيث حذر نائب الرئيس الأمريكي ” جو بايدن ” عملائه في ” قسد ” من تخطي نهر الفرات باتجاه الغرب وطلب إليهم العودة إلى شرقي الفرات، ولكن هؤلاء عندما تبين لهم بأن الهدف من دخول القوات التركية هو كف أيديهم عن مناطق هامة بالنسبة لحلمهم في الانفصال عن الدولة السورية، وجدوا أنفسهم في مواجهة مباشرة مع الجيش التركي الذي يسعى بشكل علني لضرب القوى الكردية قبل المس بعناصر التنظيمات الإرهابية وخاصة ” داعش ” .

إن ما قام به النظام التركي هو اعتداء موصوف على الأراضي السورية وعلى الشعب السوري وسيدفع ثمنه عاجلاً ام آجلاً، لأن من يُريد أن يشارك في محاربة الإرهاب في سورية عليه أن ينسق أولاً مع الحكومة السورية والجيش السوري، وليس مع أمريكا وتحالفها الذين كانوا سباقين بمساندة الإرهاب ودعمه وقادوا الحرب على الدولة السورية مباشرةً أو بشكل غير مباشر من خلال التنظيمات الإرهابية، وإن اعتمادهم على تنظيم إرهابي ” معتدل ” بدلاً عن تنظيم إرهابي آخر هو دعم للإرهاب واختراق لسيادة الدولة واستقلالها، وهذا مخالف للقوانين الدولية ولميثاق الأمم المتحدة، وإن ما تسعى إليه روسيا وحلفائها في مشاركاتهم في مكافحة الإرهاب في سورية ما هو إلا تعزيز لسيادة القانون الدولي وتأكيداً للالتزام بالمواثيق الدولية، على عكس الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها وعملاؤها الذين أنشأوا التنظيمات الإرهابية واستثمروها ومولوها بكل وسائل الإستمرار، حيث يجهدون في سياساتهم من خلال تلك الايديولوجية لضرب التشريعات الدولية والقفز فوقها وفق مصالحهم الخاصة .

في ظل هذا التشتت والتناقض في الأدوار والمواقف على الساحة السورية وفي المنطقة بشكلٍ عام، نجد أن القيادة السورية وحلفائها يقومون بخطوات مدروسة ودقيقة في مجال مكافحة الإرهاب وتعزيز سلطة الدولة، وقد اثبت الجيش العربي السوري على مدى أكثر من خمس سنوات متواصلة بأنه صاحب الأرض وسيد الموقف وملك الجغرافيا، وإن إنجازاته المتلاحقة سواء في حلب أو غيرها من الجبهات ستكون مقبرة حقيقية لطموحات أردوغان العثمانية، وإن ما حصل في داريا مؤخراً ما هو إلا نتيجة طبيعية لانتصارات قواتنا المسلحة الباسلة وفرضها للموقف، وسيتبع ذلك استسلام الإرهابيين في مناطق عديدة جديدة تنتظر دورها، وفي النتيجة لن تتمكن قوة في العالم من النيل من سورية وشعبها وجيشها إلا وينتظرها يوم أسود ستدفع ثمن عدوانها باهظاً وأعلى مما تتوقع بكثير …

محمد عبد الكريم مصطفى