لـمـاذا صـعوبـة الـفصـل؟!
أحيا الاتفاق الروسي الأمريكي الأخير في جنيف حول وقف الأعمال القتالية الأمل في نفوس الناس جميعاً، واعتبره الرأي العام العالمي فرصة تاريخية لم تتكرر بعد الحرب العالمية الثانية، فبادرت سورية إلى الالتزام به.
وللحقيقة والواقع فإن شرائح واسعة من جماهير شعبنا ولاسيما، أهلنا في حلب، كانت بحدسها وخبرتها وحذرها ممتعضة منه لأنها عانت ما عانته من مخاطر التحالف الصهيوأطلسي الرجعي العربي المستمر.
فكانت أطياف عديدة من المجتمع السوري ترى في هذا الاتفاق صورة قاسية ثانية مكررة لاتفاق شباط الماضي، وهي على يقين بأن المؤمن يجب ألّا يُلدغ من الجحر مرتين.
وللأسف تحقق المحذور، فقوّضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الاتفاق وتم نسف التهدئة بعوامل أساسية ثلاثة، أولها: إصرار الولايات المتحدة على المراوغة بشأن إعلان بنود الاتفاق، وثانيها: تهرّبها من الفصل بين “المعارضة المعتدلة” والإرهابيين، وثالثها: العدوان الجوي المجرم على جنودنا في مطار دير الزور.
كان هذا مؤلماً لشعبنا وجيشنا وحلفائنا وأصدقائنا في العالم، هؤلاء جميعاً صاروا على يقين أن التحالف البغيض لا يؤمن بالمسار السياسي سبيلاً إلى حل الأزمة السورية، كما صاروا على يقين أيضاً أنه لا وجود لنوايا حقيقية حسنة وصادقة عند دول هذا التحالف تجاه الدولة الوطنية السورية، بل هناك ليس فقط الخطة ألف وباء، بل هناك جيم ودال… إلخ من الخطط السرّية والمعلنة الهادفة إلى الاستنزاف الشامل وبالتالي انهيار هذه الدولة بثوابتها ومبادئها وقواها ورموزها الوطنية.
فما جرى بالأمس في اجتماع مجموعة العمل الدولية لدعم سورية، ولا سيما التصريحات المشينة لبان كي مون يؤكد عمل الأمريكان وحلفائهم لعودة كافة الأطراف إلى الميدان، وليس إلى طاولة المفاوضات. وأن ما أُعلن عنه من استمرار العمل لوقف الأعمال القتالية، واقتران هذا الاستمرار بالإقرار بصعوبة الفصل بين المعارضة والإرهابيين، ما هو إلا ورقة التوت التي تستر حقيقة أن لا أحد من الأمريكان وحلفائهم يريد كشف أوراقه. وأن أغلب مادار في الاجتماع هو مجرد تمنيات لا يُراهن عليها عاقل، ولا صامد ولا مقاوم أيضاً.
إن تصريح أوباما بالأمس أن “لا حل عسكرياً للأزمة السورية، وأنه يدعم تكثيف العمل الدبلوماسي”، ما هو إلا مراوغة مكشوفة، وهذا التصريح وهذه المراوغة يؤكدها تصريح مستشاره روبرت مالي منذ أيام “أن الولايات المتحدة تعمل على إطالة أمد الحرب في سورية”.
فالولايات المتحدة هي التي خلقت الأسباب التي أدت إلى نسف اتفاق التهدئة، وهي التي أجهزت عليه لأنها ببساطة لا تريد وجوداً قوياً وفاعلاً للدولة الوطنية في شمال وشرق سورية. فهي لا تجهل في الوقت نفسه انصهار فصائل “معارضتها” مع الإرهابيين في بوتقة واحدة وحول هدف واحد وتحضيرهما معاً لهجمات إرهابية مشتركة، وهي تعرف والجميع يعرف كيف يتنقّل الإرهابي بين كافة الفصائل فمرة يكون مع الجيش الحر يذبح ويأكل الأكباد، ومرة ينتقل إلى النصرة وثالثة إلى داعش وهكذا.
فكان طرح واشنطن مبدأ الفصل بين المجموعات الإرهابية وغير الإرهابية محاولة منها لشراء الوقت قبيل إعادة ترتيب أوراقها مع الإرهاب التكفيري في المنطقة تحت دخان الحرب الموشكة على النهاية جرّاء الاتفاق، فعملت على الاحتفاظ باحتياطها الاستراتيجي من الإرهاب من خلال إعادة تأهيله وتحويله إلى قوة سياسية ناعمة. لكن الفصل مستحيل لأنه أول ما سيصطدم بطبيعة الإرهابي الذي امتهن القتل وإشاعة الفوضى كالمحافظين الجدد الأمريكيين تماماً.
لذلك جاءت مبادرة الجيش العربي السوري بإعلان انتهاء سريان نظام التهدئة من إدراكه لهذه الحقائق، ومن أن توجيه رسالة واضحة لواشنطن وحلفائها صار ضرورة لا بد منها، ومن أن الجيش والشعب والحلفاء بالمرصاد للخطط أ.ب.جـ … فلدينا الخطط المقابلة أولها الصمود والمقاومة، وأساسها الشهادة أو النصر.
فالبعد الشعبي الحذر من اقتران العمل على استمرار التهدئة بصعوبة الفصل بين المعارضة والإرهابيين له مسوغاته التي أوضحها الرئيس الأسد في لقائه أول أمس بمساعد وزير الخارجية الإيراني بأنه “كلما تمكّنت سورية من تحقيق تقدّم ملموس ازداد دعم الدول المعادية للإرهابيين”، وهذا ما كان له صدى واضح في البيان الختامي للقمة 17 لدول حركة عدم الانحياز المنعقدة في فنزويلا والتي نددت “بالدعم الصهيوني للتنظيمات الإرهابية، وبجرائم الإرهابيين، وأعربت عن تضامنها مع سورية في مواجهة الإرهاب واستعادة الجولان، ورفضت كل أشكال العقوبات والضغط عليها”.
لقد كنّا، ولانزال أقوياء بجيشنا وشعبنا وحلفائنا وأصدقائنا. وحين لا ترى الولايات المتحدة صعوبة في الفصل ستنتهي الأزمة.
د. عبد اللطيف عمران